ترجمة

أحبّنا القصيبي كثيراً فأحببناه أكثر

د.محمد بن عبد العزيز الصالح
عندما صدر قرار السعودة الشهير رقم (50) عام 1415هـ، لم نلحظ تحسُّناً في نسب السعودة، ولم يتفاعل معه رجال الأعمال مطلقاً على الرغم من وجود أكثر من ستة ملايين عامل أجنبي، وعلى الرغم من هجره ستين مليار ريال سنوياً من خلال تلك العمالة، بل إنني لا أبالغ القول بأنّ أعداد العمالة الأجنبية بعد أكثر من عشر سنوات على صدور هذا القرار هي في زيادة وليست في نقصان.
إنّه وعلى الرغم من كون قضية السعودة من أكثر القضايا أهمية لمستقبل هذا الوطن ومستقبل أبنائه، ناهيك عن تأثير تلك القضية البالغ على كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المحيطة بنا، وعلى الرغم من أنّ قضية السعودة من أكثر القضايا التي صدرت فيها قرارات عليا، إضافة لكون تلك القضية قد حظيت بتغطيات إعلامية واسعة في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، كما عُقد من أجلها عشرات الندوات والمؤتمرات، فعلى الرغم من كافة تلك الاعتبارات، وعلى الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على قرار السعودة رقم (50)، إلاّ أنّنا وللأسف الشديد لم نحقق تقدماً ملموساً في سعودة معظم القطاعات الاقتصادية، وسبب ذلك في رأيي يعود لعاملين .. أولهما يعود لوزارة العمل التي لم تطبِّق منذ البداية الآليات المناسبة لوضع قرار السعودة (50) محلاً للتنفيذ الفعلي، والسبب الآخر يعود لرجال الأعمال الذين لم يتجاوبوا مع قضية السعودة، حيث غلب على الكثير منهم طابع الأنانية وحب الذات، متنكرين لكافة التسهيلات التي قدّمها لهم وطنهم سواء من خلال عدم فرض ضرائب عليهم أو من خلال تقديم التسهيلات المالية من إعفاءات وقروض وخلافه. وبالتالي فإنّهم وبدلاً من الوقوف مع الدولة وإتاحة الفرصة لأبناء البلد للتدريب والعمل بشكل تدريجي لهم، نجد بأنّ البعض منهم قد أعلن المقاومة ضد السعودة ملوِّحين بنقل أموالهم للخارج.
وعندما تولّى معالي الدكتور غازي القصيبي دفّة وزارة العمل قبل عامين، تبيّن لمعاليه عدم وجود أي بوادر من رجال القطاع الخاص للاستجابة لنداءات السعودة، عندها أيقن معالي الدكتور القصيبي عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه وأدرك أنّ الأمانة والمسؤولية تقضي بأن يشرع معاليه وعاجلاً في تفعيل قضية توطين الوظائف والحد من البطالة، وعندما بدأ معاليه بتطبيق بعض الآليات التي تكفل تطبيقاً أمثل لقضية السعودة وفقاً لما تمليه عليه المسؤولية الملقاة على عاتقه، ثارت ثائرة البعض (وليس الكل) من رجال الأعمال، ملعنين رفضهم ومقاومتهم لأيِّ إجراء أو سياسة تؤدي لإحلال العامل السعودي محل نظيره الأجنبي، كما وصل بالبعض منهم إلى الإفصاح بشعور الكراهية تجاه معاليه منذ تولِّيه دفّة وزارة العمل بعد أن كان معاليه وعلى امتداد ثلاثين عاماً يحظى بمشاعر الحب منهم قبل ذلك.
وأمام شعور الكراهية التي يحاول البعض من رجال الأعمال بثّها مؤخراً تجاه الدكتور القصيبي، أود أن أوضح جملة من الأمور منها:
- يكفي الدكتور القصيبي فخراً بأنّه طوال الثلاثين عاماً الماضية قد حظي بحب وتقدير كافة شرائح المجتمع بمن فيهم رجال الأعمال، وذلك على إنجازاته الوطنية المتعدِّدة، وأنّ شعور الكراهية لم يتغلغل مؤخراً سوى لفئة قليلة من رجال الأعمال، لا لشيء سوى لأنّ وطنية ومسؤولية غازي القصيبي تحتم عليه تطبيق إجراءات قد تمس العوائد الربحية لهم على المنظور القصير.
- إنّ الدكتور القصيبي لم يشرع بتطبيق إجراءات السعودة بشكل مفاجئ، وإنّما جاءت تحرُّكات معاليه بعد فشل ذريع للقطاع الخاص في الاستجابة لنداءات السعودة التي تضمّنها القرار (50) قبل أكثر من عشر سنوات، كما تأتي جهود القصيبي نظراً للمجاهرة في رفض مبدأ السعودة لدى الكثير من رجال الأعمال الذين تعج محلاتهم ومؤسساتهم بالآلاف من العمالة الأجنبية غير المتخصصة والرخيصة التكلفة، ودون أن يكون هناك أيّ نصيب لأبناء الوطن .. وعندما تحرّك القصيبي لتفعيل قضية السعودة لمصلحة الوطن وأبناء الوطن انطلاقاً مما تمليه عليه مسؤوليته، فإنّ معاليه لا يأبه بكراهية قلّة سيطرت عليها الأنانية وحب الذات وجعلت مصلحة الوطن وأهل الوطن آخر اهتماماتها.
- لقد فرضت وطنية القصيبي أن يتحمّل مسؤوليته وأن يتصدّى لبعض رجال الأعمال الذين بلغ بالبعض منهم إلى الحد الذي يقومون فيه بتسجيل أسماء مواطنين بشكل وهمي في سجلات المؤسسة تزويراً، وذلك تهرُّباً من تنفيذ قرار السعودة والرفع بتلك المعلومات المزوّرة للجهات المختصة، ولذا فلا غرابة أن يخالج تلك الفئة من رجال الأعمال بعض مشاعر الكراهية لمعاليه، ولسان حال القصيبي يقول:
(وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل).
- نظراً لمطالبة رجال الأعمال بالمرونة مع المؤسسات والشركات التي لا تستطيع أن تحقق نسب السعودة المطلوبة لأسباب معيّنة مثل عدم وجود سعوديين يشغلون هذه الوظائف لندرتها، لذا فقد استجاب الدكتور القصيبي لمطالبهم مضمناً نظام العمل الجديد صلاحية الوزير في منح التأشيرات لمعالجة تلك الأوضاع، فأيّ مرونة ينشدها بعض رجال الأعمال من القصيبي بعد ذلك، إلاّ إن كانت هذه الفئة من التجار يتطلّعون إلى وقوف القصيبي مع ما يعزِّز مصالحهم المادية على حساب المصالح الوطنية المتعدِّدة، وما لم يتم ذلك فإنّهم سيوجِّهون مشاعر وسهام كرههم لتوجُّه معاليه، ولكن بكلِّ تأكيد فإنّ معاليه لن يكترث لتلك المشاعر.
ختاماً، كلُّنا رجاء يا دكتورنا القصيبي بأن تولوا جلّ اهتمامكم لهذه القضية الهامة لمستقبل أجيالنا مهما تعدّدت العقبات التي تواجهكم، ومهما تعدّد الأشخاص الكارهون لتوجُّه معاليكم (وهم بالتأكيد قلّة)، فالفرق بين معاليكم وبين هؤلاء الأشخاص أنّ معاليكم يتعامل مع قضية السعودة من خلال كافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنيّة على مستوى الوطن، فيما يتعامل معها الأشخاص الكارهون لتوجُّه معاليكم من خلال منظورهم المادي الضيِّق قصير الأجل، وإزاء هذا الحب وتلك الغيرة التي يحملها معاليكم لأهل هذا الوطن، فإنّنا نشيد بنجاحاتكم المتعدِّدة، ونؤكد بأنّنا أحببنا معاليكم ثلاثين عاماً وزاد هذا الحب في سنواته الأخيرة.
3 / 12 / 2005م          عدد 12119

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق