ترجمة

الصحافة بين النقد والمساس بالذمم

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
 كما هو معروف، سلطات الدولة ثلاث، سلطة قضائية وسلطة تشريعية وسلطة تنفيذية.
 وعندما أطلق لفظ (السلطة الرابعة) على الصحافة، فإن ذلك لم يأت من فراغ، فالصحافة هي التي تشكل الرأي، وهي التي تخلق القضايا، كما أنها هي التي توجه القرارات، وبالتالي فأي خلل يصيب تلك السلطة الرابعة إنما يعتبر خلل في بنية مهمة من بنى المجتمع.
 ومن أخطر ما يمكن أن تتعرض له الصحافة ممارسة الكذب والتضليل سواء بحسن نية أو بسوئها، فالمفترض في الصحافة أن تكون من أهم الوسائل في نقل المعرفة ونشر التوعية والتوجيه، ومتى ما تغير هذا الحال، فنحن أمام كارثة خطيرة، فالصحافة كما هو معلوم تخضع لرقابة ذاتية وبالتالي فإن عدم احترام تلك الرقابة الذاتية وتهميشها قد يؤدي إلى التأثير سلبا على مصالح الدولة وحقوق المجتمع، بل وحتى على الصحافة نفسها.
 لعل الجميع تابع ما نشر في بعض الصحف من معلومات حول مشروع تطوير طريق الملك عبدالله، ولا يشك عاقل فضلا عن أن يكون منصف بأنها معلومات بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع، فكل من لديه الحد الأدنى من الإلمام بطبيعة المشاريع التطويرية ذات نطاق العمل المتشعب يدرك بأن ما نشر في أحد الأعمدة الصحفية من مغالطات إنما هي محض افتراء، والكارثة أن يستند كاتب عمود في صحيفة محترمة وأن يستقي معلوماته من مصدر مجهول من خلال مواقع الإنترنت والتي تعج بالغث ويندر فيها السمين.
 ولقد كان البيان الصادر عن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وافيا شافيا مع أنني شخصيا لم أكن أحتاج لهذا البيان لمعرفة الحقيقة الساطعة التي تشير إلى أن مشاريع الهيئة تتميز بأهم عنصرين، الجودة العالية والتكلفة المنخفضة، ولا نستغرب ذلك طالما أن إنجاز تلك المشاريع يتم من قبل أولئك الرجال المخلصين منسوبي الهيئة وذلك تحت توجيه وقيادة ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.
 ختاما، بحكم انتمائي للكتابة الصحفية من خلال صحيفتنا الجزيرة أود أن أذكر الزملاء في إدارات وتحرير الصحف وكتاب الأعمدة بأن يضعوا مخافة الله أمام أعينهم في كل ما ينشرونه، وأن لا تكون الإثارة هي الهدف قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وكما قال الشاعر:
 وما من كاتب إلا سيفنى
 ويبقي الدهر ما كتبت يداه
27 / 10 / 2008م                 عدد 13178

قف عند حدك يا رئيس البلدية

 
د. محمد بن عبد العزيز الصالح
 نشرت صحيفة الوطن بتاريخ 28-9-1429هـ خبراً مفجعاً يقف بسببه شعر رأس كل من لديه ضمير حي، وقد جاء عنوان الخبر كالتالي: (مصرع أب وأم وإصابة طفلين هوت سيارتهم في نفق خميس مشيط)، وقد جاء الخبر متضمنا أن أبا وأما في الثلاثين من عمرهما، لقيا مصرعهما وأصيب طفلاهما (6 و4 سنوات) بعد أن هوت سيارتهم من ارتفاع أكثر من 10 أمتار في مشروع إنشاء نفق في خميس مشيط.
المصيبة ليست في وقوع الحادث، فالحوادث مقدرة ومكتوبة من رب العالمين ولا اعتراض على ذلك، ولكن المصيبة تكمن في ذلك الإهمال واللا مسؤولية الذي كان عليه رئيس بلدية محافظة خميس مشيط والعاملون معه والذين سمحوا لذلك المقاول بأن يحفر حفرة عمقها أكثر من عشرة أمتار لاقامة النفق على الطريق دون أن يلزموه بوضع صبات خرسانية أو حواجز حديدية صلبة، حيث أوضحت الصورة التي نشرتها صحيفة الوطن مع الخبر بأن المقاول لم يضع سوى ستارة من الخيش، وبالتالي تكون قد أسهمت مع المقاول في اصطياد العديد من الضحايا من خلال السقوط في تلك الحفرة العميقة، علماً بأن الخبر المنشور في صحيفة الوطن قد أشار إلى أن هذا المشروع (قد أصبح حجر عثرة في طريق السالكين ومصيدة تتكرر منها المآسي).
المصيبة الأخرى، بل الطامة في اعتقادي تكمن في ذلك التهرب من المسؤولية والتهرب من الاعتراف بالإهمال والتقصير من قبل رئيس بلدية خميس مشيط، فبدلا من الاعتذار عن التقصير وبدلا من قيامه بمواساة أهل المتوفين والمصابين ذهب إلى إلقاء كامل المسؤولية على المقاول وبمبرر أقل ما يقال عنه أنه مبرر سخيف حيث قال سعادته مبرراً وقوع الحادث (... بأن المقاول قد ماطل في إنجاز وتسليم المشروع حسب العقود المبرمة معه حيث لم يف بالوعود المتكررة لإنجاز المشروع وتسليمه في وقته المحدد، مشيراً إلى أن مدة تنفيذ المشروع قد انتهت منذ قترة طويلة...) كما أضاف سعادته وبكل برود (بأن المقاول قد تجاهل وضع اللوحات الإرشادية على جانب المشروع لضمان إرشاد عابري الطريق إلى أن المكان يوجد به منطقة عمل لأخذ الحيطة والحذر).
في ظني أن تأكد رئيس البلدية بأنه لن يتعرض لأي نوع من المسألة عن تقصير البلدية والذي كان السبب الأساسي في الحادث وقتل الأنفس البريئة هو ما جعله وبكل برود يجرد نفسه من المسؤولية ويتجرأ بالتصريح للصحيفة بمبررات سخيفة لا تؤدي سوى لزيادة وتعميق حزن ذوي الضحايا الأبرياء في ذلك الحادث، وفي ظني أنه لو وقع مثل هذا الحادث في دولة أخرى لما اكتفى بأن يقدم رئيس البلدية استقالته بسبب تقصيره في حدوث مثل تلك الجريمة، وإنما وصل الأمر إلى مساءلته قضائياً أيضاً.
للمعلومية:
السماح للمقاولين بحفر مثل تلك الحفر التي يزيد عمقها عن 10 أو 20 متراً من أجل إنشاء أبراج سكنية أو أنفاق أو غيرها في وسط المدينة دون إلزامهم بوضع حواجز خرسانية أمر يتكرر في الكثير من مناطق ومحافظات المملكة، وهو أمر نشاهده يومياً في العديد من الأحياء والطرق، ولذا ندعو كافة أمناء ورؤساء البلديات لملاحظة ذلك قبل ارتكاب المزيد من الجرائم بحق مثل تلك الأنفس البريئة التي تم قتلها في حفرة خميس مشيط.
20 / 10 / 2008م              عدد 13171

الأزمة المالية العالمية ومبادئ اقتصادنا الإسلامي

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
 نتعجب كثيراً عندما نعلم بالوضع الاقتصادي المتميز الذي يعيشه اقتصادنا السعودي ومع ذلك نشهد انحداراً مخيفاً لسوق الأسهم السعودي، ونتعجب أكثر عندما نعلم بالربحية العالية التي تحققها غالبية البنوك والشركات المدرجة في السوق ومع ذلك نجد أن أسهم تلك البنوك والشركات تفقد نسبة كبيرة من سعرها السوقي خلال فترة وجيزة. ونتعجب أكثر وأكثر عندما يصرح معالي نائب محافظ مؤسسة النقد الدكتور محمد الجاسر ويؤكد بأن البنوك السعودية وضعها المالي متميز وكل قروضها موجودة في الاقتصاد السعودي ومع ذلك نجد أن نسبة انحدار سوقنا المالي تفوق نسبة انحدار السوق الأمريكي والذي انطلقت منه شرارة الأزمة المالية العالمية.
ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية من تطبيق لمبادئ النظام الاقتصادي الرأسمالي المتطرف من خلال إعطاء البنوك مطلق الحرية في سلك منافسة غير مشروعة تضرر منها المجتمع الأمريكي بأكمله وغيره من شعوب الأرض، يجعلنا نتمعن في مبادىء النظام الاقتصادي الإسلامي والذي يوازي بين مصلحة الفرد والمجتمع، فالفرد والمؤسسات وفقاً للنظام الاقتصادي الإسلامي له مطلق الحرية في استثمار الأموال في كافة المجالات الاقتصادية طالما أن تلك الاستثمارات لا تلحق أضراراً بمصالح المجتمع، ومتى لحق بالمجتمع أضرار من جراء تلك الاستثمارات فإن ذلك يعد من قبيل الاستثمارات التي لا تجيزها أحكام الشريعة الإسلامية والتي عادة ما تحرص على إيجاد التوازن بين مصالح الجماعة والأفراد على حد سواء.
وبالنظر لاقتصادنا السعودي، نجد أنه مرتكز على مبادئ الاقتصاد الإسلامي والتي تنطلق من الغاية الأساسية التي تقوم عليها التنمية الاقتصادية الإسلامية والمتمثلة في عبادة الله سبحانه وتعالى من خلال إيجاد التوازن بين الفرد والجماعة، وبين الروح والمادة، وفوق هذا وذاك بين الدنيا والآخرة. ومن أجل ذلك كله نجد أن الدولة وضعت الكثير من الضوابط والمعايير التي تلتزم بها المؤسسات الاستثمارية والمصرفية لدينا، كما نلاحظ الدور الإشرافي المتميز الذي تقوم به مؤسسة النقد على البنوك والمؤسسات المصرفية لدينا حرصاً من المؤسسة على عدم تعريض أموال المواطنين لمخاطر عالية وبالتالي يمكن القول بأن الإدارة المحافظة من قبل مؤسسة النقد والمرتكزة على أسس اقتصادية إسلامية متوازنة تجاه البنوك وفرت لها الحماية من التورط في تعاملات مالية خطرة وغير مضمونة.
13 / 10 / 2008م      عدد 13164

مشاهد غير حضارية على جسر البحرين

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
 نشرت الصحف خلال الأيام الماضية أن عشرات الآلاف من المسافرين عبر جسر الملك فهد الرابط بين المملكة والبحرين قد تعطلوا لأكثر من خمس ساعات وذلك تحت درجة حرارة لامست الخمسين؛ وذلك بسبب الازدحام والسلبية والتعقيد في إنهاء إجراءات سفرهم.
العجيب في الأمر، أننا ومنذ إنشاء الجسر الرابط بين المملكة والبحرين قبل أكثر من خمسة وعشرين عاما ونحن نسمع بمعاناة المسافرين للبحرين عبر الجسر دون تحريك ساكن. فلماذا تتكرر المعاناة؟
بعد قيام أوروبا الموحدة قبل سنوات قليلة، تلاشت الحدود بين الدول الأوروبية تماماً، وأصبح المسافر يتنقل بينها دون توقف، بل وبدون أن يشعر أنه انتقل من دولة أوروبية لأخرى. أما لدينا فعلى امتداد أكثر من عشرين عاماً ونحن نعاني من السفر للبحرين، نعاني من بيروقراطية إجراءات الجوازات، نعاني من تعقيدات إجراءات الجمارك، نعاني من الانتظار أمام النافذة الخاصة بإجراءات التأمين على السيارة، نعاني من ضربات الشمس الموجعة التي تصل أكثر من خمس ساعات تحت الأشعة الملتهبة لأشعة الشمس، ونعاني.. ونعاني.. ونعاني.. كل تلك المعاناة تعرضنا لها طوال السنوات الماضية وما زلنا لمجرد أننا نرغب في التنقل بين المملكة والبحرين.
الحدود الجغرافية أُزيلت بين الكثير من الدول في شرق العالم وغربه، أما لدينا فالمعاناة مستمرة على الرغم من توجه القيادات في الخليج للتسهيل على المواطنين الخليجيين من خلال التوصل إلى الخليج الموحد الخالي من الحدود.
ثم إنني أتساءل عن ذلك القصور غير المبرر من قبل الجهات ذات العلاقة على الجسر في تسهيل الإجراءات للمسافرين، ألا تعلم تلك الجهات ان المعدل اليومي للمسافرين خلال إجازة الصيف يتراوح بين 50 -70 ألف مسافر، وأن العدد يتجاوز المائة ألف مسافر خلال إجازة نهاية الأسبوع، ألا تعلم تلك الجهات ما يعانيه هؤلاء الآلاف من المسافرين، أليس من المفترض أن يقف المسؤولون بأنفسهم على تلك المكاتب والمنافذ الحدودية على الجسر للوقوف على تلك المعاناة بدلاً من الاكتفاء بما يرفع لهم من تقارير، على المسؤولين أن يدركوا أن وضع الخدمات على الجسر مأساوي وغير حضاري ولا تقارن مطلقاً بالخدمات الميسرة التي تقدم عبر الطريق الخاص بالدبلوماسيين وكبار الموظفين على الجسر الذي عادة ما يسافر من خلاله هؤلاء المسؤولون.
ثم إنني اتساءل عن السبب الذي يعوقنا عن اختصار تلك الإجراءات التعقيدية على الجسر، لماذا لا يتم توسعة الجزيرة على الجسر، ولماذا لا يتم زيادة المسارات ونوافذ الخدمات في ظل ضخامة أعداد المسافرين عبر الجسر وارتفاع الرسوم المحصلة منهم.
خلاصة الحديث: في الوقت الذي نشهد فيه تلاشي الحدود الجغرافية بين معظم الدول، وفي الوقت الذي نشهد فيه النقلات التنموية والحضارية التي تعيشها دول الخليج، فإن ما يحدث على الجسر الرابط بين المملكة والبحرين لا يعكس أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين.
6 / 10 / 2008م            عدد 13157