ترجمة

هل الغرامة لترشيد المياه أم لاستنزاف الجيوب؟

د محمد بن عبد العزيز الصالح
عندما يقوم أي جهاز من أجهزة الدولة أو إحدى مؤسساتها التي تقدم خدماتها للمواطنين باقرار غرامة مالية بحق أي من الأشخاص المسيئين استخدام تلك الخدمة، فإن الهدف من ذلك هو حث الناس ودفعهم على الالتزام والانضباط في استخدامهم لتلك الخدمة، وبكل تأكيد فإن استنزاف جيوب المواطنين لا يمكن ان يكون هدفاً من تلك الغرامة.ما دعاني لسرد هذه المقدمة هو تلك الغرامات القاسية التي تفرض من وقت لآخر من قبل المديرية العامة للمياه ومقدارها (200 ريال) والتي عادة ما يعاني منها المواطن محدود الدخل، حيث يبدو من تلك الغرامة وكيفية تطبيقها انها تؤدي إلى استنزاف الجيوب وليس الترشيد في استخدام المياه. وأن ضررها يقتصر على المواطن محدود الدخل وفقاً للايضاح التالي:
* ان المواطن الغني صاحب القصر أو البيت الكبير هو من يستنزف المياه بكثرة حيث يتم غسل ساحات القصر بشكل يومي، وبحكم ان لديه شبكة تصريف للمياه داخل المنزل فإن المياه لا تتدفق لخارج المنزل على الرغم من استنزافه المبالغ فيه للمياه، أما المواطن محدود الدخل فليس لديه تصريف داخل للمياه وبالتالي فإن أي تهريب بسيط أو خلل في العوامة سيجعله عرضة للغرامة المالية. فهل حققت مديرية المياه الهدف من فرضها تلك الغرامة المالية؟
* مواطن سافر خلال إجازة الصيف لمدة شهر، وبسبب عطل خارج عن الإرادة في عوامة الخزان أدت إلى تسرب كميات قليلة من المياه للشارع، وعند عودته من السفر وجد أن ثماني مخالفات قيمة كل منها مئتا ريال في انتظاره إلا يفترض من موظف مديرية المياه ان يطرق باب المنزل للتأكد من وجود أهل المنزل؟ ألا يفترض إخطار أهل المنزل بانذار مكتوب قبل ان يتم تحرير المخالفة المالية فيما بعد؟ ثم هل حققت مديرية المياه مبتغاها من ترشيد المياه عندما اثقلت على هذا المواطن محدود الدخل بتلك الثماني مخالفات والتي بلغت قيمتها (1600 ريال)؟
* إن حجم الاستهلاك الشهري من المياه للمواطن محدود الدخل يراوح بين 15 و 20 ريالاً فقط، فكيف تطبق بحقه غرامة مالية تعادل استهلاك كامل السنة لمجرد تسرب مياه للمرة الأولى، علماً أن ذلك قد يكون خارج عن إرادته، لماذا لا يكون هناك تسلسل تدريجي في فرض تلك الغرامة المالية بحيث تبدأ من (50 ريالاً ثم 75 ريالاً ثم 100 ريال ثم 125 ريالاً وهكذا..) على أن تنتهي عدد مرات المخالفة بنهاية كل عام.
* قياساً على الأجواء الترابية لدينا، فإن كل منزل يحتاج الى غسيل كامل دون الاكتفاء بالمسح، فالاتربة التي هي مصدر للعديد من أمراض الحساسية لا يزيلها إلا الغسيل، وبالتالي فعند قيام المواطن محدود الدخل بغسل ساحات منزله مرة واحدة كل شهر أو شهرين من أجل صحة أفراد عائلته فهل يجب ان تكون تلك الغرامة القاسية له بالمرصاد؟
ختاماً، سؤالي الموجه للمسؤولين عن المياه: هل الغرامة المفروضة على تسرب المياه ومقدارها 200 ريال عادلة في ضوء ما ذكرت من معطيات في هذا المقال؟ ثم هل حققت الترشيد في استخدام المياه، أم أنها استنزفت جيوب فئة من المواطنين هم أحوج ما يكونون إلى مبلغ تلك الغرامة؟ ثم ألم يأتي الوقت الذي يفترض ان نميز فيه بين مرتاحي الدخل ومحدودي الدخل عند حساب تكلفة استهلاك المياه من خلال تطبيق نظام الشرائح على غرار ما هو معمول به في حساب تكلفة الكهرباء؟
31 / 12 / 2005م         عدد 12147

لنقسُ على الغشاشين يا أهل الشورى

د.محمد بن عبد العزيز الصالح
أشارت الصحف خلال الأسبوع الماضي إلى أنّ مجلس الشورى يوشك على الانتهاء من دراسة مشروع نظام مكافحة الغش التجاري الجديد، حيث يتّجه المجلس إلى تغليظ العقوبات ومضاعفتها في حال أن يؤدي الغش التجاري إلى الاضرار بصحة وحياة الإنسان. وفي الوقت الذي أثني فيه على هذا التوجُّه للمجلس، فإنّ هناك عدداً من الجوانب التي أرجو من أعضاء المجلس أن يأخذوها في الاعتبار قبل الانتهاء من دراسة مشروع النظام، علماً بأنّني سبق أن كتبت عن بعض جوانب هذا الموضوع مع بداية دراسة المجلس لمشروع النظام:
* ذكرت الصحف أنّه بناءً على مصدر موثوق فإنّ المجلس بصدد فرض غرامه مالية لا تزيد على المليون ريال بحق كلِّ من يرتكب عملية غش تجاري تؤدي إلى الاضرار بصحة الإنسان والحيوان. وإنّ السؤال الذي يمكن طرحه هنا يتمثّل في السبب الذي يجعلنا نحدِّد الحد الأعلى للعقوبة المالية، ثم لماذا لا توجد حدود دنيا رادعة لتلك العقوبة إذا ما علمنا بأنّ لجان الفصل في قضايا الغش التجاري عادة ما تكتفي بفرض غرامات زهيدة لا تتجاوز الخمسة آلاف ريال، مما يعني أنّ حجم العقوبة المالية لن يعادل سوى جزء بسيط من حجم الأرباح العالية التي قد يحققها التاجر من جرّاء ارتكابه لمخالفة الغش التجاري، وقيامه ببيع سلع غذائية منتهية الصلاحية قد يزهق بسببها الكثير من الأرواح البريئة .. وبالتالي فبدلاً من أن تكون الغرامة المالية رادعاً لمن يرتكب مخالفة غش تجاري، أصبحت تلك العقوبة مشجِّعة لكلِّ ضعيف نفس يرغب في ارتكاب مثل تلك المخالفات. أعتقد بأنّ حجم الغرامات المالية المطبقة يجب أن تكون شاملة لكافة الأرباح التي حققها من قيامه بتسويق تلك السلع المغشوشة، مضافاً إليها الغرامة المالية المقترحة والتي تم تحديد حدِّها الأعلى بمليون ريال .. فمن يسوِّق مستحضرات تجميلية أو سلعاً غذائية فاسدة في كافة مناطق المملكة، ويزهق بسبب ذلك أرواحاً بريئة، ويحقق ملايين الريالات كأرباح من جرّاء ذلك، لا يستحق أن نتعاطف معه بقصر الغرامة المالية عليه بمليون ريال فقط.
* أرجو من الإخوة أعضاء المجلس أن يدرسوا إمكانية اعتبار مخالفات الغش التجاري على أنّها (جرائم) بدلاً من قصرها على (مخالفات) تجارية، خاصة تلك الحالات التي تؤدي إلى إزهاق أرواح بريئة مما يعني تغليظ العقوبات، بحيث تشمل السجن والجلد وأحياناً القصاص في بعض تلك الجرائم.
* من الأهمية أن يتم إدراج عقوبة التشهير ضمن العقوبات التي سيتضمّنها مشروع نظام الغش التجاري الجديد. فإذا كان لاسم التاجر أهمية كبيرة سواء في مجتمع كالمجتمع السعودي أو في السوق، فإنّني أتساءل عن السبب الذي يجعلنا لا نشهر ولا ننشر أسماء مثل هؤلاء الأشخاص الذين لا يتردّدون في ارتكاب مثل تلك الجرائم الإنسانية بحق إخوانهم المواطنين والمقيمين. ثم لماذا نراعي شعورهم من خلال التكتُّم والمحافظة على أسمائهم. في ظني إنّ عقوبة التشهير من خلال نشر أسماء هؤلاء التجار، بل وحتى نشر صورهم الشخصية في وسائل الإعلام، سيكون مفعوله أكثر من الغرامات المالية المفروضة عليهم.
إخواني أهل الشورى، السوق مليء بجرائم ومخالفات الغش التجاري، وقد لا تتعدّل تلك الأوضاع ما لم تسلكوا مسلكاً رادعاً في مشروع نظام مكافحة الغش التجاري والذي هو بين أيديكم حالياً.
24 / 12 / 2005م         عدد 12140

العقوبة غير رادعة يا معالي الوزير

د.محمد بن عبد العزيز الصالح
عندما صدر قرار مجلس الوزراء رقم (50) في عام 1415هـ والقاضي بإلزام المؤسسات والشركات التي لديها عشرون عاملاً فأكثر بسعودة (5%) من مجموع العمالة الموجود لدى كل مؤسسة بصفة سنوية، كنا نتمنى أن تلتزم كل المؤسسات بذلك وأن تعمل على الإحلال التدريجي لشباب الوطن على امتداد الاثني عشر عاماً الماضية، وذلك بدلاً من العمالة الأجنبية التي غصت بها مختلف الأنشطة التجارية والصناعية والزراعية والخدمية. وبكل صراحة لم يكن يرد في الحسبان أن تصل اللامبالاة والضرب بالوطنية عرض الحائط من قبل بعض أصحاب المؤسسات الوطنية إلى الحد الذي يقدمون فيه على تسجيل أسماء مواطنين بشكل وهمي في سجلات المؤسسة تزويراً وذلك تهرباً من تنفيذ قرار السعودة والرفع بتلك المعلومات المزورة للجهات المختصة.
خلال الأسبوع الماضي صدر قرار معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي بإيقاف الاستقدام لمدة خمس سنوات عن مؤسسة أهلية وذلك لتسجيل عدد (34) مشتركاً في التأمينات الاجتماعية على الرغم من عدم عملهم لدى تلك المؤسسة.
في اعتقادي أن المخالفة التي اقترفها صاحب المؤسسة يجب ألا يتم قصر التعامل معها على أنها مخالفة لقرارات السعودة فحسب وإنما يجب التعامل معها على أنها جريمة تزوير، فصاحب المؤسسة لم يتردد في تقديم معلومات وأسماء مزورة مغلوطة للجهات الحكومية المختصة حيث استطاع من خلالها الإضرار بالمصلحة العامة من خلال قيامه بتقديم تلك الأسماء الوهمية على وثائق رسمية زعماً منه بأنهم موظفون لديه وتهرباً منه من تنفيذ الواجب الوطني عليه بإتاحة الفرصة لأبناء الوطن وعدم إحلالهم تدريجياً بدلاً من العمالة الأجنبية لديه. فالمادة الخامسة من نظام مكافحة التزوير الصادر بقرار مجلس الوزارة رقم (550) وتاريخ 3-11- 1382هـ وتوج بالمرسوم الملكي رقم (53) وتاريخ 5-11- 1382هـ تقضي بإيقاع العقوبة بالسجن من سنة إلى خمس سنوات على كل من أثبت وقائع وأقوال كاذبة على أنها وقائع صحيحة أوقام بوضع أسماء غير صحيحة أو غير حقيقية في أوراق رسمية.
وفي ضوء تلك المادة النظامية التي تضمنها نظام صادر بمرسوم ملكي، وفي ضوء شناعة الجرم الذي أقدم عليه صاحب تلك المؤسسة بارتكابه لجريمة التزوير، وفي ضوء خطورة مثل هذا التصرف اللامسئول على قضية السعودة التي تهمنا جميعاً، فهل شاطرني معالي الدكتور غازي القصيبي الرأي في أن التكييف القانوني للفعل الذي ارتكبه صاحب المؤسسة لا يتوجب أن يقتصر تصنيفه على أنه من قبيل المخالفات وإنما يتجاوز ذلك الى اعتباره جرماً وبالتالي فإنه وبالإضافة لعقوبة إيقاف الاستقدام التي تم إقرارها من وزارة العمل، فإنه يفترض أيضاً أن يتم إحالته للجهات المختصة لتطبيق العقوبات المنصوص عليها في نظام التزوير حيث سيكون ذلك رادعاً لكل مَنْ تسول له نفسه تقديم معلومات مزوره للسلطات لا يتضرر منها سوى الوطن والمواطن.
لمجرد التنويه
هناك فرق بين مَنْ يكتب عن قضية السعودة بدوافع وطنية بحتة سواء كانت تلك الدوافع اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، وفرق بين مَنْ يكتب عنها لتحقيق أغراض مادية شخصية بحتة سواء كان من أصحاب الورش أو المؤسسات والشركات أو كان مدفوعاً للكتابة نيابةً عنهم. والله المستعان.
17 / 12 / 2005م           عدد 12133

تغليظ العقوبة لوقف مسلسل الجرائم التجارية

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
أثناء تصفحي إحدى الصحف المحلية، وقعت عيناي على جملة من الأخبار التي يقف لها شعر الرأس، ومنها: (شرطة الرياض تصادر أكثر من خمسة آلاف إطار غير صالحة للاستخدام) وخبر آخر ينص على: (هيئة الغش التجاري تتلف أكثر من أربعة ملايين وحدة من المواد الاستهلاكية الفاسدة) وخبر آخر ينص على: (تسويق مستحضر تجميلي في صيدلياتنا يؤدي لقصور في وظائف الكبد).
وأمام تلك المخالفات (بل الجرائم) التجارية والجنائية التي تستشري في الكثير من أسواقنا يتبادر للذهن جملة من التساؤلات، فإلى متى سوف يستمر انتشار تلك المخالفات (أو الجرائم) الجنائية التي أودت وما زالت تودي بحياة الكثير من الأبرياء دون ذنب؟ ولماذا لا يتم الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المتاجرة بأرواح الناس؟ ولماذا لا يتم تحليل وفحص كافة السلع المستوردة قبل أن يتم فسحها وتسويقها في أسواقنا؟ ثم هل تتضمن الأنظمة واللوائح المعمول بها لدينا العقوبات الكفيلة بردع كل من تسول له نفسه المتاجرة بأرواح الناس؟ وهل تتضمن تلك اللوائح عقوبة السجن بل والجلد لذلك التاجر المروج لتلك السلع القاتلة أو حتى مجرد عقوبة التشهير به؟ أم أن العقوبات المطبقة لا تتجاوز العقوبات المالية التي لا تمثل سوى جزء يسير من الأرباح الطائلة التي يحققها بعض التجار من خلال متاجرتهم وتسويقهم لتلك السلع القاتلة؟ نحن لا يهمنا لمن نوجه الاتهام أو لمن تحمل المسؤولية من تواجد السلع التجارية أو المستحضرات العلاجية القاتلة، بقدر اهتمامنا بأن يتم استئصال كافة تلك السلع والممارسات التي تزخر به أسواقنا من وقت لآخر.
في ظني أنه ما لم يتم التشديد من خلال فرض عقوبات السجن والجلد بل وحتى الإعدام في حالات معينة وذلك لكل من تسول له نفسه المتاجرة بأرواح الناس من خلال تسويقه لتلك السلع القاتلة، نعم ما لم يتم ذلك فإننا سنظل نتحدث ونكتب وننتقد دون جدوى، والأمرّ من ذلك أن مسلسل إزهاق الأرواح البريئة من جراء تلك التجاوزات التجارية سيستمر دون أن نتمكن من التصدي لها.
الجدير بالذكر أن مجلس الشورى قد فرغ مؤخراً من مناقشة نظام مكافحة الغش التجاري حيث يذكر أن المجلس قد اتجه إلى تغليظ العقوبات ومضاعفتها في حال أن يؤدي الغش التجاري إلى الإضرار بحياة البشر، وفي الوقت الذي نثني على هذا التوجه لتغليظ العقوبات الذي طال انتظاره كثيراً فإنه من الأهمية التأكيد على أن تلك العقوبات لن تكون ذات جدوى ما لم يتم تطبيقها فعلاً وعلى أن لا يكتفى بتطبيق الحدود الدنيا.
ختاماً نذكر بأن الكثير من الضحايا والأنفس البريئة قد أزهقت أرواحها بسبب ممارسات الغش التجاري التي يمارسها بعض التجار، ولو كانوا يدركون أنه سيطبق عليهم عقوبات رادعة تتوافق مع ما يرتكبونه من جرم لما تجرأ أحد منهم على تسويق مثل تلك السلع القاتلة.
ولذا فإنني أؤكد على جميع الجهات ذات العلاقة أن تتعامل مع هذا الموضوع بقسوة وأن تعمل على تغليظ العقوبات المطبقة فعلاً.
10 / 12 / 2005م        عدد 12126

أحبّنا القصيبي كثيراً فأحببناه أكثر

د.محمد بن عبد العزيز الصالح
عندما صدر قرار السعودة الشهير رقم (50) عام 1415هـ، لم نلحظ تحسُّناً في نسب السعودة، ولم يتفاعل معه رجال الأعمال مطلقاً على الرغم من وجود أكثر من ستة ملايين عامل أجنبي، وعلى الرغم من هجره ستين مليار ريال سنوياً من خلال تلك العمالة، بل إنني لا أبالغ القول بأنّ أعداد العمالة الأجنبية بعد أكثر من عشر سنوات على صدور هذا القرار هي في زيادة وليست في نقصان.
إنّه وعلى الرغم من كون قضية السعودة من أكثر القضايا أهمية لمستقبل هذا الوطن ومستقبل أبنائه، ناهيك عن تأثير تلك القضية البالغ على كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المحيطة بنا، وعلى الرغم من أنّ قضية السعودة من أكثر القضايا التي صدرت فيها قرارات عليا، إضافة لكون تلك القضية قد حظيت بتغطيات إعلامية واسعة في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، كما عُقد من أجلها عشرات الندوات والمؤتمرات، فعلى الرغم من كافة تلك الاعتبارات، وعلى الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على قرار السعودة رقم (50)، إلاّ أنّنا وللأسف الشديد لم نحقق تقدماً ملموساً في سعودة معظم القطاعات الاقتصادية، وسبب ذلك في رأيي يعود لعاملين .. أولهما يعود لوزارة العمل التي لم تطبِّق منذ البداية الآليات المناسبة لوضع قرار السعودة (50) محلاً للتنفيذ الفعلي، والسبب الآخر يعود لرجال الأعمال الذين لم يتجاوبوا مع قضية السعودة، حيث غلب على الكثير منهم طابع الأنانية وحب الذات، متنكرين لكافة التسهيلات التي قدّمها لهم وطنهم سواء من خلال عدم فرض ضرائب عليهم أو من خلال تقديم التسهيلات المالية من إعفاءات وقروض وخلافه. وبالتالي فإنّهم وبدلاً من الوقوف مع الدولة وإتاحة الفرصة لأبناء البلد للتدريب والعمل بشكل تدريجي لهم، نجد بأنّ البعض منهم قد أعلن المقاومة ضد السعودة ملوِّحين بنقل أموالهم للخارج.
وعندما تولّى معالي الدكتور غازي القصيبي دفّة وزارة العمل قبل عامين، تبيّن لمعاليه عدم وجود أي بوادر من رجال القطاع الخاص للاستجابة لنداءات السعودة، عندها أيقن معالي الدكتور القصيبي عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه وأدرك أنّ الأمانة والمسؤولية تقضي بأن يشرع معاليه وعاجلاً في تفعيل قضية توطين الوظائف والحد من البطالة، وعندما بدأ معاليه بتطبيق بعض الآليات التي تكفل تطبيقاً أمثل لقضية السعودة وفقاً لما تمليه عليه المسؤولية الملقاة على عاتقه، ثارت ثائرة البعض (وليس الكل) من رجال الأعمال، ملعنين رفضهم ومقاومتهم لأيِّ إجراء أو سياسة تؤدي لإحلال العامل السعودي محل نظيره الأجنبي، كما وصل بالبعض منهم إلى الإفصاح بشعور الكراهية تجاه معاليه منذ تولِّيه دفّة وزارة العمل بعد أن كان معاليه وعلى امتداد ثلاثين عاماً يحظى بمشاعر الحب منهم قبل ذلك.
وأمام شعور الكراهية التي يحاول البعض من رجال الأعمال بثّها مؤخراً تجاه الدكتور القصيبي، أود أن أوضح جملة من الأمور منها:
- يكفي الدكتور القصيبي فخراً بأنّه طوال الثلاثين عاماً الماضية قد حظي بحب وتقدير كافة شرائح المجتمع بمن فيهم رجال الأعمال، وذلك على إنجازاته الوطنية المتعدِّدة، وأنّ شعور الكراهية لم يتغلغل مؤخراً سوى لفئة قليلة من رجال الأعمال، لا لشيء سوى لأنّ وطنية ومسؤولية غازي القصيبي تحتم عليه تطبيق إجراءات قد تمس العوائد الربحية لهم على المنظور القصير.
- إنّ الدكتور القصيبي لم يشرع بتطبيق إجراءات السعودة بشكل مفاجئ، وإنّما جاءت تحرُّكات معاليه بعد فشل ذريع للقطاع الخاص في الاستجابة لنداءات السعودة التي تضمّنها القرار (50) قبل أكثر من عشر سنوات، كما تأتي جهود القصيبي نظراً للمجاهرة في رفض مبدأ السعودة لدى الكثير من رجال الأعمال الذين تعج محلاتهم ومؤسساتهم بالآلاف من العمالة الأجنبية غير المتخصصة والرخيصة التكلفة، ودون أن يكون هناك أيّ نصيب لأبناء الوطن .. وعندما تحرّك القصيبي لتفعيل قضية السعودة لمصلحة الوطن وأبناء الوطن انطلاقاً مما تمليه عليه مسؤوليته، فإنّ معاليه لا يأبه بكراهية قلّة سيطرت عليها الأنانية وحب الذات وجعلت مصلحة الوطن وأهل الوطن آخر اهتماماتها.
- لقد فرضت وطنية القصيبي أن يتحمّل مسؤوليته وأن يتصدّى لبعض رجال الأعمال الذين بلغ بالبعض منهم إلى الحد الذي يقومون فيه بتسجيل أسماء مواطنين بشكل وهمي في سجلات المؤسسة تزويراً، وذلك تهرُّباً من تنفيذ قرار السعودة والرفع بتلك المعلومات المزوّرة للجهات المختصة، ولذا فلا غرابة أن يخالج تلك الفئة من رجال الأعمال بعض مشاعر الكراهية لمعاليه، ولسان حال القصيبي يقول:
(وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل).
- نظراً لمطالبة رجال الأعمال بالمرونة مع المؤسسات والشركات التي لا تستطيع أن تحقق نسب السعودة المطلوبة لأسباب معيّنة مثل عدم وجود سعوديين يشغلون هذه الوظائف لندرتها، لذا فقد استجاب الدكتور القصيبي لمطالبهم مضمناً نظام العمل الجديد صلاحية الوزير في منح التأشيرات لمعالجة تلك الأوضاع، فأيّ مرونة ينشدها بعض رجال الأعمال من القصيبي بعد ذلك، إلاّ إن كانت هذه الفئة من التجار يتطلّعون إلى وقوف القصيبي مع ما يعزِّز مصالحهم المادية على حساب المصالح الوطنية المتعدِّدة، وما لم يتم ذلك فإنّهم سيوجِّهون مشاعر وسهام كرههم لتوجُّه معاليه، ولكن بكلِّ تأكيد فإنّ معاليه لن يكترث لتلك المشاعر.
ختاماً، كلُّنا رجاء يا دكتورنا القصيبي بأن تولوا جلّ اهتمامكم لهذه القضية الهامة لمستقبل أجيالنا مهما تعدّدت العقبات التي تواجهكم، ومهما تعدّد الأشخاص الكارهون لتوجُّه معاليكم (وهم بالتأكيد قلّة)، فالفرق بين معاليكم وبين هؤلاء الأشخاص أنّ معاليكم يتعامل مع قضية السعودة من خلال كافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنيّة على مستوى الوطن، فيما يتعامل معها الأشخاص الكارهون لتوجُّه معاليكم من خلال منظورهم المادي الضيِّق قصير الأجل، وإزاء هذا الحب وتلك الغيرة التي يحملها معاليكم لأهل هذا الوطن، فإنّنا نشيد بنجاحاتكم المتعدِّدة، ونؤكد بأنّنا أحببنا معاليكم ثلاثين عاماً وزاد هذا الحب في سنواته الأخيرة.
3 / 12 / 2005م          عدد 12119