ترجمة

جمعية المتقاعدين: على قدر أهل العزم تأتي العزائم (1-3)




في مقال سابق تحت عنوان (جمعية المتقاعدين .. بيت الخبراء الموحش), تحدثت فيه عن الأوضاع غير المرضية لجمعية المتقاعدين خلال السنوات الماضية, وكيف أن خبرة الخبراء قد خانتهم في تنشئة كيان أقرب الى المثالية بسبب ما يفترض من كفاءة اهلها والمنتسبين اليها, حيث فشلت الجمعية في استقطاب اكثر من 1% من المتقاعدين, كما فشلت في إيجاد خطط وبرامج وفعاليات تخدم تلك الفئة, كما أضاعت اموال التبرعات في ايجارات ورواتب, وكذلك رسوم الاشتراك التي يتوقع المشترك انها تعود عليه بالنفع, بالإضافة الى ضياع 60% من عمرها في مشاحنات واحادية قرار.
استمرت تلك الأوضاع غير المرضيه للجمعيه إلى أن صدر توجيه وزارة الشؤون الاجتماعية بحلها, لأنه لم يتم تحقيق الحد الادنى من التوافق للانقسام بين أعضاء مجلس إدارتها, واصدرت الوزارة مشكورة قرارا افرح الجميع بتعيين مجلس نخبوي متميز يقدر العمل الخيري ويسعى الى ايجاد بصمة تذكرها الاجيال ويمضي الى استنبات الايجابية في الحياة وانها لا تتوقف عند عمر.
لقد تشرفت بالتواصل مع بعض الزملاء في هذا المجلس المبارك وتعرفت على انجازات اقل ما يقال عنها انها رائعة, وحدثت في زمن قياسي لم يتجاوز الاشهر الثمانية ويسجل لهم دون شك بماء الذهب وينقش لهم هذا العمل الجبار على صفحات التقاعد, وستذكرهم به الاجيال لان هناك بصمات ثابتة سنتعرف عليها من خلال اطلاعي على تقرير الانجازات الذي أدعم فيه توجه المخلصين من المتقاعدين بضرورة التمديد للمجلس لعام آخر إن لم يكن عامين حتى تكون النتائج تفوق التوقعات، ويقطف المتقاعدون ثمار عمل المجلس النخبوي المعين الذي يؤكد ان الوزارة تدخلت واحدثت التغيير الايجابي حتى وان كان متاخراً لأن ثمة تحفظا قديما من الدورة الثانية لم تلتفت اليه .
ويسرني ان أزف الفرحة للمتقاعد الكريم ببعض الانجازات التي سيصلح بها حال الجمعية بإذن الله, وسنراها في مستقبلها القادم منارة ابداعية تتجدد معها الحياة ولا تقف بعد التقاعد، وستكون بيت الجميع الثاني وتستحق منا الاشتراك والمساندة بما نستطيع :
1. قام المجلس المؤقت الجديد باستثمار المكرمة الملكية الاخيرة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين بشراء وقف استثماري يدر على الجمعية أكثر من نصف مليون ريال سنويا وهو مالم يتم طيلة العقد الماضي من قبل المجلس السابق بالرغم من حصول الجمعية على مكرمة سابقة، وكذلك تبرعات بملايين الريالات في وقت كان العقار اقل من قيمته الحالية بكثير ويحقق عائدات سنوية افضل ولكن هذا قدرها ان تذهب اموالها في ايجارات ورواتب وتعاقدات لم تستكمل ودفع فيها مقدم العقد وغير ذلك كثير .
2. تم بعث الأمل من جديد بمراكز الأمير نايف الاجتماعية وكذلك وقف الأمير نايف الخيري رحمه الله والذي يمثل للجمعية رمزاً خالداً لأنه رئيسها الفخري الاول والذي يؤمن بقدرات المتقاعدين واستمرار العطاء منهم وضرورة دعمهم والعناية بهم ويقدر رحمه الله تعالي القيمة الحقيقية التي قدمها ويقدمها المتقاعدون ومساهمتهم في نماء وازدهار وتطور الوطن, فهم اوفياء ويستحقون الوفاء واجباً وليس تفضلاً وعنايته الدائمة بتذليل الصعاب لهم وتحقيق تطلعاتهم.
3. اطلاق ملتقى تحت رعاية معالي وزير الشؤون الاجتماعية بعنوان ( توظيف المتقاعدين ) وهي خطوة رائعة بعد ان تستكمل إجراءاتها النظامية, وستحقق تسويق الخبرات والاستفادة من مكنون المتقاعدين الثري لمنفعة اخرى
4. عقد اكثر من 25 اجتماعا لمجلس الادارة الحالي رغبة في الحصول على افضل الانجازات بأقصر مده ممكنه في حين ان النظام يكفل لهم اجتماعاً شهرياً واحداً ولكن هي النفس التي ترغب في الانجاز لابد ان تبذل فوق ما تستطيع من أجله.
5. زيارات اصحاب السمو أمراء المناطق واصحاب المعالي الوزراء من أجل حشد الدعم الرسمي للجمعية, وكذلك تغيير صورتها غير المرضية لسنواتها الماضية وفتح باب للتعاون سيثمر عن انجازات وفرص رائعة للأجيال المتقاعدة.
6. التواصل مع مديري الفروع عبر اجتماعاتهم الثلاثة مع مجلس الادارة وكذلك زيارة اعضاء المجلس للفروع وتوجيه الادارة التنفيذية بما يضمن التواصل التام لتحقيق متطلبات فروعها في مناطق المملكة وفق آلية دقيقة وعمل مؤسسي.
7. بناء سياسة مالية دقيقة تضمن استفادة الفروع بما يصلها من تبرعات بعد ان كان المجلس السابق والادارة التنفيذية تهيمن على ذلك وتعيق استفادة الفروع مما يصلها مما حدا بالمتبرعين والداعمين على توقف التبرع والدعم لفرع منطقتهم.
8. اطلاق التوأمة مع رائدة العمل الخيري والاجتماعي شركة سابك في بناء مقر لفرع الاحساء والذي ستتجاوز كلفته عشرة ملايين ريال ليكون مقراً للفرع واستثماره بما يعود على الجمعية بالفائدة وكذلك على المتقاعدين بالمحافظة.
9 . بناء خطة استثمارية لموجودات الجمعية من الاراضي التي حازتها بموجب المنحة الملكية الكريمة للجمعيات الخيرية وكذلك توجيهات اصحاب السمو امراء المناطق وسيتم طرح ذلك بشكل عام في احد الملتقيات الخاصة بالعقار.
10. في خطوة رائعة لم تتعود عليها الجمعية في سنواتها الخمس الاخيرة, اطلق المجلس الحالي المعين ورشة عمل لترجمة مؤشرين هامين في مستقبلها وهما ماذا يريد المتقاعد من الجمعية, وماذا تريد الجمعية من المتقاعد وهي خطوة رائعة لتحقيق العمل المؤسسي لخدمة المتقاعد ومعرفة ما له وما عليه مع جمعيته وبيته الثاني, ولا أعلم هل اقتصرت ورشة العمل على منسوبي مجلس الادارة وادارتها التنفيذية, او دعي لها متقاعدون يترجمون هذه الصورة وهو ما اتمناه ولا اعلمه.
11. إفادة الوزارة عن تقرير المخالفات ال 36 المالية والادارية على الدورة الثانية السابقة, وقبول الوزارة بما تم رفعه مع تعليق ذلك حتى يتم عرضه حسب النظام الصادر من مجلس الوزراء على اعضاء الجمعية العمومية لانهم من يحملون الصلاحية بإبراء ذمة المجلس السابق من عدمها للمخالفات المالية وما تم صرفه دون مستند نظامي ولأن المجلس المعين لا يملك صلاحية الاعفاء او الحساب فقد اكتفى بالرفع للوزارة حسب التوجيه الصادر للمجلس مع قرار التعيين علماً ان الوزارة قد التزمت بعرض التقرير وملابساته على اعضاء الجمعية العمومية بعد رصدها للمخالفات وهذا يؤكد ان عليها الوفاء بهذا الالتزام طالما ان الصلاحية في اخلاء الطرف هي لأعضاء الجمعية العمومية نظاماً.
أخيراً .. إن ايراد هذه الانجازات الرائعة للمجلس المعين الحالي لتؤكد ان الوقت القصير في العمل الخيري قد يؤدي الى نتائج عظيمة طالما صدقت النوايا وقدمت المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وأنكر الإنسان نفسه من أجل غيره وزكى عمره وخبرته وما استثمر فيه رجاء ان يكون ذلك من ضمن الاعمال التي لا ينقطع بها الانسان بعد موته فهي قد تكون صدقة وعلم في نفس الوقت، ولعل ما يزرعه في الآخرين من ثقافة المسؤولية الاجتماعية بمثابة الولد الصالح الذي يدعو له وللموضوع بقية في الاسبوع القادم بإذن الله لأن هذه الجمعية تستحق الدعم من كل القادرين وتمثل ترجمة حقيقية للعطاء ورسالة صادقة للوطنية بأبهى صورها وأعذب عباراتها ولفتة حقيقية وانسانية للتكافل الاجتماعي الذي اوصانا به ديننا الحنيف.

      الجزيرة في 31/8/2015م    العدد 15677

الاقتصاد والتنمية والمسؤولية الاجتماعية في جمعية المعتزلين الرياضيين




خطوة يراها حتى غير الرياضي مباركة، تلك التي أقدمت عليها وزارة الشؤون الاجتماعية في الموافقة على إنشاء جمعية خيرية لقدامى لاعبي كرة القدم، وطالعتنا بها كالبشارة، وتفاعل معها الوسط الاجتماعي والرياضي وحتى الخيري، لأنها لامست الواقع الذي أصبح مزعجاً ومستغرباً على مثل مجتمعنا بعد الصرخات المتوالية التي أبرزت عدم الوفاء من الأندية ومن الرئاسة العامة لرعاية الشباب للرياضيين بعد إصابتهم أو اعتزالهم, وهذا لا شك في الأغلب، وأعاد إلى الأذهان ما كان يقوله الآباء والأجداد سابقاً لمعلمي أولادهم (خذه لحم واعده عظم), فالأندية والرئاسة تأخذ اللاعب في عز شبابه وفتوته وتميزه حتى يحقق هدفها وإن كان وطنياً, ثم لا تختم له بخير إذا احتاج إليها وقصدها, لتأتي هذه البشارة من وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن تقدم لها بعض اللاعبين ورجال الأعمال الذين غلبوا مسؤوليتهم الاجتماعية تجاه زملائهم المحتاجين من اللاعبين وتقدموا بطلب إنشاء الجمعية, ودعمت الوزارة هذا التوجه وصرحت بإطلاقها قريباً وعلى مستوى المملكة، ليشكل ذلك قيمة اجتماعية تؤكدها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تؤكد أن لا كمال لإيمان الإنسان إلا أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه, والله سبحانه وتعالى قد سخر الخلق للخلق بصورة إنسانية راقية وبأجر عظيم له.
هذا المدخل يجعلنا نفكر جميعاً بصوت مرتفع لمستقبل هذه الجمعية التي لا نرغب دون شك أن تكون فقط خيرية تصرف مساعدات مالية للاعبي كرة القدم فقط أو تقدم خدمات الإسكان والعلاج لهم دون غيرهم, لأن الهم الرياضي وأحد ولجميع الألعاب, فلماذا اقتصرت على كرة القدم, إضافة إلى أننا لا نطمع أن نحول الأمر إلى جهد خيري بحت يعتمد على العطاء للمحتاج منهم لأننا سنحولها إلى مثل جمعية البر, وهذا يمس كرامة اللاعب حتى وإن كان الأمر محاطاً بالسرية، ولو قلنا إننا سنصل للمتعففين منهم دون أن نشعر أحداً في الوسط الاجتماعي بذلك.
ولكن كيف نجعل البعد الأول في هذه الجمعية بعداً تنموياً نساعد فيه المحتاج كي يساعد نفسه من الرياضيين ونعيد دراسة إمكاناته التي ربما أنه لا يعرفها ونعيد استثمارها له بمقابل مادي ينفعه سواء عبر الجمعية أو عبر العديد من القنوات الأخرى التي ترحب بذلك, ويمكن التفصيل إن دعت الضرورة في طرح آخر, ففيهم من يستطيع التدريب وبالإمكان أن نحصل له على فرصة تدريبية، ومثلما صرَّح رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم أنه في عام 2020 سيصبح لدينا 300 ناد، أي مئات الفرص الوظيفية غير إدارة الفرق أو التحليل والتعليق الرياضي وغيرها الكثير, وهذا دون شك سيحسس اللاعب أو الرياضي أنه صاحب عطاء في المجتمع وله بصمة خاصة في تنميته وتطويره من خلال ما يملك من خبرة ومهارة, وفيه رفع للروح المعنوية بدلاً من انكسارها واعتماده على مساعدات تأتيه من الجمعية والتي ستعتمد على الدعم الخيري الذي قد يأتي وقد لا يأتي، وستكون الاستدامة في العطاء متقطعة إلا بعد وضع خطط لها ومشاريع وقفية تضمن الحد الأدنى من البرامج والفعاليات التي تتزايد بتزايد الاعتزال والإصابات حتى في وجود الاحتراف غير المنضبط في أنديتنا ولاعبينا في آن واحد.
إن نجاح الجمعية يعتمد بشكل مباشر على انطلاقتها, ولذا فلا بد أن يكون الفكر الموجود فيها متنوعاً ما بين تجاري ورياضي وإعلامي واقتصادي, كما نرجو أن لا تصاب بالعمل التقليدي الذي نعرفه في العديد من الجمعيات الخيرية خاصة مع انتشار ثقافة المسؤولية الاجتماعية في العديد من الكيانات الاقتصادية التي إن قدمت لها مشاريع تنموية من أجل الرياضيين فستدعمها بكل تأكيد، أما إن قدمت المشاريع على أنها مساعدات مالية فقد ولت هذه الثقافة واستبدلت بثقافة تحمل روح الاستدامة وتحقق رسالة ورؤية واضحة وتعمل على أهداف وخطط طويلة الأمد، وكذلك قياساً دقيقاً للفائدة المرجوة المستقبلية, ولن يتحقق ذلك إلا من خلال الكفاءات الاقتصادية التي ترغب في العمل الخيري وتفكر خارج الصندوق في تنمية الموارد وسبل استثمارها وخلق توأمة فعلية مع من يؤمن بالمسؤولية الاجتماعية. إنها واجب تجاه المجتمع، وهذا دون شك يستلزم التفكير بدقة في مجلس إدارتها الذي يمكن أن يدمج فيه بين الانتخاب والتعيين وعلى الأقل في الدورة الأولى، وهي دورة البناء المؤسسي للجمعية, وكذلك لمستقبل الرياضيين سواء اقتصرت على لاعبي كرة القدم أو لكل الألعاب وهو الذي نراه ونتطلع من منظور اجتماعي واقتصادي أن يؤخذ به، ولا نظن أن هناك ما يعيق السير بهذا الاتجاه الأشمل, وبالإمكان الاستفادة من تجارب عديدة في العالم عن إنشاء مثل هذه الجمعيات وخلق روافد أخرى لها تضمن معها الإيراد الذي لا ينقطع دون أن نصبغ عليها النظرة الخيرية في العطاء ونجعلها انطلاقة جديدة لفترة جديدة في العمر.
أخيراً, أرجو من كان تنظّم الوزارة أو رعاية الشباب أو أحد المؤسسات الإعلامية لذلك لقاء يدعى إليه المختصون في وزارة الشؤون الاجتماعية وكذلك الإخوة المؤسسون للجمعية وقادة الإعلام الرياضي وبعض رموز العمل الخيري سواء المتطوعين أو أصحاب المؤسسات الخيرية المانحة أو قادة المسؤولية الاجتماعية في القطاعات الاقتصادية الراغبة في الاستثمار الاجتماعي الرياضي وربما الأندية التي تؤمن بالمسؤولية الاجتماعية ولها إدارات خاصة بهذا الهم الإنساني وكذلك صفوة من رجال المال والأعمال المؤمنين بالرياضة كصناعة إنسانية ونخبة من أصحاب الفكر الاقتصادي المتطور ليتم بلورة رؤية واضحة عن مستقبل الجمعية وأهدافها ورسالتها ونطاق تخصصها الجغرافي أو الرياضي. وسنرى جميعاً نتائج رائعة أبعد مما كنا نتصور أو نعمل عليه في إطلاق تلك التظاهرة الإنسانية الرياضية لدينا, كما أتطلع كغيري أن تكون هذه الجمعية وجهاً إنسانياً لرعاية الشباب وتتبناها وتدعمها في إطار ترجمة رسالتها للمسؤولية الاجتماعية.

   الجزيرة في 24/8/2015م  العدد 15670

 

 

إنشاء هيئة المستشارين لتفعيل الاستفادة من خبرات المتقاعدين




في كل دول العالم المتقدم يعيش المرء حياتين, الأولى حياة العمل الفعلي والتنفيذي بعد تخرجه ويوم توظيفه حتى يوم تقاعده سواء التقاعد المبكر أو النظامي بالعمر أو بالخبرة الوظيفية, ليجد بعد ذلك أن المنافسة عليه والاستفادة من خبرته وإعادة تأهيله ليكون مستشارا يقوم بتسويق خبرته العديد من الجمعيات المتخصصة في ذلك والتي يدعمها وجود الحاجة لتلك الكفاءات في تلك الدول, وهذه هي الحياة الثانية , ثم يعاد بناء هذه الثقافة بغرض ربحي وبعائد فوق العادي لتلك الهيئات أو الجمعيات أو حتى الشركات وكذلك للمتقاعد الذي أصبح مستشاراً يفيد من خبرته ويستفيد منها مالياً بعد الحصيلة المعرفية والإدارية والفنية التي اكتسبها طيلة عمره الوظيفي ويختصر بها الزمن على من يحتاج إلى تلك الخبرة والمهارة ولا يجعل المجتمعات أو الدوائر والجهات التي تقدر استشارته وتحتاج لها تعيد صناعة العجلة من جديد. ولذا نجد النجاحات متوالية على من يحسن اختيار المستشار صاحب الخبرة والمطلع على تجارب الآخرين ويجعله نافذة جديدة له في عالم المال والأعمال, أو حتى في العمل التقليدي الحكومي ويحدث نقله نوعية له بإبعاده عن البيروقراطية التي أصابت الكثير من المجتمعات بالوهن وعدم مواكبة التطور ومنعتها من التحول إلى التعامل الالكتروني والتواصل التقني مع المجتمع الذي تقدم الخدمة له حتى يأتيها قيادي يفكر بنظرة مختلفة فينقلها حتى وإن كان التكيف بطئ مع كل تجديد وهو ما نشاهده مع برامج الميكنو الإدارية التي لم تأتي حتى الآن لبعض مصالحنا التي لها مساس مباشر بخدمة المواطن.
هذا المدخل يدفعنا إلى النظرة بموضوعية في حال متقاعدينا من اصحاب الخبرة والكفاءة وكيف عدمنا من الاستفادة منهم وتسويق خبراتهم وإعادة تدوير الفائدة وتقديمها الى دوائرنا الحكومية وقطاعات الأعمال أو أن المثل الذي يقول (زامر الحي لا يطرب) أصبح واقعنا المعاش مع متقاعدينا الذين لم يجدوا من يحتضن حاجتهم للعمل واستمرار العطاء بالرغم من حاجة مجتمعات الأعمال العامة والخاصة وحتى الخيرية لخبراتهم فهم يملكون الوطنية الصادقة وحب العطاء واستمرار التفاعل المجتمعي حتى وان لم يجدوا لذلك مقابل مادي, وهنا ثمة دور كان يجب على مصلحتي معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية أن تقوما به مع تعديل الفقرة النظامية التي تقول بعدم جواز الربط بين راتب تقاعدي وتعاقدي وكأنها هنا هي من يدفع المتقاعد ويقصيه حتى يموت قاعد, بالإضافة الى أنهما من يملك القاعدة البيانية عن جميع الموظفين المتقاعدين ومن هم على رأس العمل وكذلك من يعلم عن مؤهلاتهم وسيرهم الذاتية وهما اللتان تستطيعان أن تعيدا استنبات الخبرة وإعادة توجيهها والاستفادة منها في مكان آخر والحيلولة دون إنفاق مئات الملايين في عقود استشارية تأخذ من الموظف ثم تعيد تحوير رأيه وتقدم المشورة به وهذا واقع مشاهد لا يستطيع أحد عمل في القطاعات الحكومية أن ينكره, كما أننا أصبحنا نحس أننا مصابون بعقدة المستشار الأجنبي واصبح استقطابه من باب الثقافة المهنية التي يتباهى بها الكثير من القيادات.
إن أعداد المتقاعدين أصحاب الكفاءة والخبرة ليسوا بالقليل, حيث يمثلون قرابة 20% من متقاعدي النظامين الذين تجاوزوا المليون في هذا العام تحديداً وهذا معناه أن لدينا 200 ألف مستشار وصاحب خبرة متنوعة ويملكون الكفاءة العالية والذين يمكن إعادة الاستفادة منهم وتسويق خبراتهم بشكل فردي او جماعي وبأكثر من وسيلة , ثم ان هذا العدد لم يجد من مؤسسات المجتمع المدني من يقيم تلك الخبرة ويعمل على اعادة تسويقها بمقابل مادي بين الطرفين وإن كنت أجزم أن النجاح أن لم يكتب كله فسيتحقق جله من هذا العمل لو نفذ بشكل مؤسسي واستحصل على دعم رسمي له من الجهات المعنية وبالذات من مجلسي الإدارة للنظامين العام والخاص وعلى وجه الخصوص خاصة في ظل وجود مجلس الاقتصاد والتنمية الذي نفض الغبار عن كثير من بيروقراطية النظام العام لمصالح الدولة واصبحت وتيرة العمل أسرع, ومع المجلس تم تحقيق مبدأ لا عمل بدون خطة ولا نجاح بدون مؤشرات أداء مع سرعة اتخاذ القرار الذي يحقق المصلحة العامة للوطن والمواطن والشواهد كثيرة في زمن قياسي للمجلس الذي تغيرت به النظرة المجتمعية في أسلوب تقديم الخدمة وحفظ الألويات وأصبح الأمان الوظيفي وحقوق الموظف والأحقية المطلقة لصاحبها سبباً في ذلك اليقين الذي نقدر إنجازاته كلها.
ختاماً,, إن لم تتحقق الفائدة من المتقاعدين أصحاب الخبرات والتفكير خارج الصندوق من المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية وكذلك اهتمام الجمعية الوطنية للمتقاعدين بهم كأحد مؤسسات المجتمع المدني وتسويق تلك الخبرات عبر نظام مؤسسي يكفل الحقوق والوجبات لكل الأطراف, فإنني أدعو إلى إنشاء هيئة تعنى بهم مثلما هي للمهندسين وا لمحاسبين ويتم الترشيح لها حسب ضوابط دقيقة لا يقل من يرشح نفسه عن المرتبة العاشرة في النظام العام أو مدير إدارة في القطاع الخاص مع شرط المؤهل الجامعي فما فوق أو شهادة فنية عالية ويصمم لذلك استبيان خاص وللهيئة ان تقبل العضو حسب سيرته الذاتية أو تعتذر له لكي تعيد الاستفادة من تلك الخبرة بما يفيد الوطن والمواطن ثم يفيد المتقاعد الذي دون شك يتحسر على تراكم خبرته التي لم يُستفد منها وهو قادر على العطاء لأن الدولة والقطاع الخاص قد استثمروا فيه حتى تكونت تلك الخبرة وكنوع من رد الجميل للمجتمع بأسره لابد أن يمكن ببقاء بصمته مع قدرته الجسدية والذهنية.

  الجزيرة في 17/8/2015م  العدد 15663

معاناة المتقاعد من غلاء الأسعار



رؤية اقتصادية

لاشك أن ارتفاع معدلات التضخم وتفاقم غلاء المعيشة يطال كل اصناف المجتمع العاملين والمتقاعدين، فالسلعة حرة، والسوق كذلك يعتمد على العرض والطلب، ولأنه سوق مستورد فانه يتأثر بالأسواق العالمية وبالكثير من الأسباب التي تؤدي الى الارتفاع والمجال هنا ليس لشرح أمر يعرفه المواطن حتى غير المتعلم.
ولكن الحديث هنا على أن الدولة أقرت سابقاً 15% زيادة في الرواتب من اجل غلاء المعيشة وتم اعتمادها لمن هم على راس العمل وكذلك للمتقاعدين، ورفع بذلك الحد الادنى لرواتب الموظفين السعوديين لـ 3000 ريال.
وان كان ذلك لا يكفي ايضا مع معدلات التضخم وغلاء الاسعار, وكذلك فإن هناك زيادة سنوية في الراتب للموظف تقر حسب انظمة وزارة الخدمة المدنية او نظام التأمينات الاجتماعية لمن هم على رأس العمل فقط، ولن أتحدث هنا: هل هي كافية او تحتاج الى اعادة نظر في النظامين اللذين يأخذ التعديل فيهما مددا طويلة ، يصبح التعديل بعدها غير كاف، وتبقى العجلة بطيئة جداً في مواكبة الاحتياج والمواءمة مع الواقع الذي يعيشه الفرد .
ما أنا بصدده في زاوية اليوم: هل يعتقد من يملك القرار سواء في النظامين (الخدمة المدنية او التأمينات) او من يملك الرفع بالمشورة في مجلس الشورى، ان التضخم وارتفاع الاسعار لن تطول المتقاعد، أو أنه يمكن ان يعفى من هذا الشبح الذي يقف أمامه في كل لحظة من يومه وأمام افراد اسرته الذين لا يعولهم الا هو أو هي، طالما انه اعتباراً من تاريخ تقاعده قد صدر حكم بتجميد الزيادة في راتبه، الا ان صدرت مكرمة ملكية عامة، لأن هناك من يرى عدم شمول المتقاعد بالزيادة لأنها تثقل ميزانية الدوله حتى وإن كان أرصدتها واستثماراتها بمئات المليارات والتي كان اساسها ما يقتطع شهرياً من راتب الموظف، ناهيك عن الانخفاض الكبير في الراتب اذا تقاعد الموظف وخاصة للإخوة العسكريين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، والذين يحتاجون الى اعادة لدراسة اوضاعهم وعلى مختلف الرتب عبر دراسات اكتوارية يعرف فوائدها من هم يمارسون النظام المالي في المصالح الحكومية والتي يمكن معها ادخال العلاوات في الراتب التقاعدي وتضمينها كذلك في الاقتطاع الشهري المعتاد منه .

ان المتقاعد وخاصة من يقل راتبه عن 6000 آلاف ريال لا يستطيع ان يتواكب مع معدلات التضخم المعيشية لان العلاوة السنوية أصبحت له مثل الذكرى ، واصبح الكثير يتندرون عليه وان عليه تغيير اسلوبه المعيشي والبحث عن بدائل ارخص , ناهيك عن عدم قدرته على مواكبة التضخم العقاري الذي زاد الفقير فقراً والغني غنى ، وبدأت معه الطبقة الوسطى في التلاشي, ناهيك عن عدم قدرته على مواكبة مصاريف الخدمات المختلفة، وأصبحنا اليوم نقول بجواز دفع الزكاة لمن هو اقل من هذا الدخل، حسبما ورد في كثير من الفتاوى الشرعية.
من الأهمية التذكير بأن أعداد المتقاعدين في النظامين تجاوزا المليون متقاعد، وذلك بحسب الدراسات المنشورة ، وان 60 % منهم من اصحاب الدخول المتدنية، واعمارهم لا تسمح بعمل جديد ، والكثير منهم يعانون من مشاكل صحية تستنزف الكثير من رواتبهم التقاعدية، والدولة أعزها الله لا تدخر جهداً في توفير سبل العيش الكريم للمواطن، وقد لا تكون الصورة واضحة عن معدلات الفقر والاحتياج الدقيق لمعيشة المواطن ، ولذا فان كل من بيده من الوزراء والمسؤولين ان يحمل هذا الملف، فهو مؤتمن عليه خاصة وان دراسة قامت بها مؤسسة الملك خالد الخيرية لتحديد الحد الادنى للمعيشة الشهرية التي تجاوزت 8000 ريال على الاسر المتوسطة ومعدلات الصرف المقننة بدقة, فهل نسمع عن دراسة عاجلة لهذا الأمر أو إقرار نسبة زيادة سنوية ولو 5% على الراتب التقاعدي لأصحاب الرواتب التي تقل عن 5000 و 3% لمن رواتبهم اقل من 10000 ريال ، ثم يعاد دراسة ذلك بعد خمس سنوات وتقسم النسبة على شريحة أكبر أو ترتفع النسبة وتزداد الفئات المستفيدة لنضمن العيش الكريم لكل مواطن .
ختاماً .. استمرار الوضع على ما هو عليه دون معالجة يزيد الطبقية في المجتمع, ونتطلع ان يكون ذلك من الموضوعات التي تناقش في مجلس الاقتصاد والتنمية ، ليقرر بشأنها ما يضمن بقاء اللحمة للوطن الكريم والقيادة الراشدة التي تسعى لرفاهية ورضا شعبها الصادق والمحب لها.

     الجزيرة في 3/8/2015م   العدد 15649م