ترجمة

الرؤية السعودية والمباني الحكومية المستأجرة


عندما نتمعن في مضامين رؤية المملكة 2030، نجد أنها تركز على الحد من الإنفاق الحكومي من جهة، وعلى التخلص من الهدر المالي من جهة أخرى، وما من شك أن التوسع غير المبرر في استئجار المباني الحكومية من قبل غالبية الوزارات والأجهزة الحكومية طوال العقود الزمنية الماضية إنما يعتبر أحد أبلغ صور الهدر المالي غير المبرر، والذي استنزف الموازنة العامة للدولة.
وبحكم طبيعة عملي الحكومي حيث أشرف على أحد الأجهزة الحكومية، أتذكر أنه في عام (1429هـ)، أي قبل حوالي التسعة أعوام، انتقل مقر العمل إلى أحد المباني المستأجرة على طريق العليا العام، وبمناقشة صاحب العقار، أفاد بأن الإيجار السنوي للمبنى يبلغ خمسة ملايين ريال، عندها توجهت لوزارة المالية وتحدثت مع أحد كبار المسؤولين فيها، حيث رجوته أن تقوم وزارة المالية بشراء المبنى بدلاً من استئجاره، خاصة وأن الدولة في ذلك الوقت كانت تعيش طفرة اقتصادية ومالية، وأوضحت له بأن قيمة شراء المبنى 54 مليون ريال، إلا أن ذلك المسؤول رفض فكرة الشراء موضحاً بأن السياسة المالية للدولة تركز على دعم القطاع الخاص من خلال استئجار مثل تلك المباني، إلا أنني اختلفت مع سعادته وأوضحت له بأننا سوف نستمر في ذلك المبنى لسنوات طويلة، وأنه سيكون أجدى لوزارة المالية بأن تشتري المبنى، خاصة وأن صاحب المبنى عرض مبلغا للبيع قدره أربعة وخمسون مليون ريال، وهو مبلغ مناسب جدا للشراء قياسا بموقع وحجم المبنى، ومع ذلك، فقد فشلت في إقناع سعادته بالموافقة على شراء المبنى.
فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أنه وبعد مرور تسع سنوات من الإيجار كلفت خزانة الدولة مبالغ إيجارية ضائعة مقدارها 45 مليون ريال (9 سنوات × 5ملايين ريال = 45 مليونا)، والأكثر من ذلك أن قيمة شراء المبنى حاليا تتراوح بين 80 إلى 90 مليون ريال.
أكاد أجزم بأن هذا الهدر غير المبرر هو مشهد مألوف لدى غالبية الأجهزة الحكومية، بل ومنذ عقود من الزمن، وهو ما كلف الدولة مبالغ طائلة غير مبررة.
وبعد الإعلان عن رؤية المملكة 2030 والتي أكدت على الحد من الهدر المالي غير المبرر باستئجار مثل تلك المباني من قبل غالبية الأجهزة الحكومية، صدرت التوجيهات بعدم تجديد أي عقود استئجارية إلا في أضيق الحدود.
وفي الوقت الذي نبارك فيه ما تضمنته رؤية المملكة 2030 من حرص على وقف الهدر المالي، فإنني أؤكد على أهمية تحرك وزارة المالية وبدعم من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وقف جميع العقود الإيجارية، والعمل على توفير المبالغ المالية اللازمة لبناء جميع المباني التي تحتاجها أجهزة الدولة المختلفة سواء داخل المملكة في الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات الحكومية المختلفة، أو خارج المملكة من خلال شراء وبناء المباني التي تحتاجها السفارات والممثليات السعودية في الخارج، وذلك بدلا من الهدر المالي غير المبرر.


     الجزيرة العدد 16104   في 31/10/2016م

وماذا بعد توطين محال الاتصالات يا وزارة العمل؟


بعد مرور فترة قصيرة على صدور قرار مجلس الوزراء توطين العمل والاستثمار في محال الاتصالات والجوالات، وتأكيد وزارة العمل بدء سريان تطبيق القرار مع بداية الشهر الماضي (ذي الحجة)، وعدم إعطاء أي تأجيل لتطبيق القرار، بدأنا نلاحظ الكثير من الأمور التي تثلج الصدر حيال تنفيذ هذا القرار. وأود من خلال الأسطر الآتية أن أسطر عددًا من المرئيات منها:
- نفذت وزارة العمل مؤخرًا جولات ميدانية، نتج منها التزام 95 % من محال الاتصالات بالتوطين الكامل. وما من شك أن لتضافر الجهود من قِبل الجهات ذات العلاقة كافة (وزارة العمل, الداخلية, الشؤون البلدية, التجارة) أكبر الأثر في تحقيق ذلك. وأؤكد هنا أن دور المواطنين في كشف المحال المخالفة والإبلاغ عنها له الدور الأكبر في تحقيق التوطين الكامل في تلك المحال.
- أثلج صدورنا قيام وزارة العمل بفتح مجمعات نسائية لبيع وصيانة الجوالات، ونتمنى من الوزارة الاستمرار في التوسع في إنشاء تلك المجمعات في جميع المناطق والمحافظات، خاصة أن النساء يمثلن نسبة كبيرة من مشتركي الهاتف الجوال.
- أيضًا نثني هنا على قيام وزارة العمل بافتتاح جناح دائم في مجمع الفارسي للاتصالات بحي الخليج شرق الرياض، وذلك ضمن جهود الوزارة في إلزامية التوطين بقطاع الاتصالات؛ إذ سيخصص هذا الجناح لتقديم مختلف أنواع الدعم للسعوديين الراغبين في العمل أو الاستثمار في مجال الاتصالات، كالتأهيل والتدريب والتوظيف والإرشاد والتوعية والتمويل والدعم المالي والحماية والتفتيش.
- في الوقت الذي نثني فيه على الجهود الاحترافية لوزارة العمل في دعم توطين محال بيع وصيانة الجوالات والاتصالات إلا أننا نطالب الوزارة بالاستعجال في العمل على توطين وسعودة جميع محال التجزئة الأخرى, وبالخطوات نفسها التي طبقتها الوزارة على محال الاتصالات, خاصة إذا ما علمنا أن غالبية العمالة الأجنبية المنتشرة في أسواق المملكة تتركز في تلك المحال، فضلاً عن تفشي جرائم التستر في تلك المحال، التي تنهش في جسد اقتصادنا الوطني.
- بعد محاصرة وزارة العمل للعمالة الأجنبية، ومنعها من العمل في محال الاتصالات والجوالات, لجأ بعض العمالة الأجنبية التي كانت تعمل سابقًا في تلك المحال إلى الاستمرار في تقديم خدماتهم من خلال بعض المواقع الإلكترونية، أو من منازلهم. ومرة أخرى, إضافة إلى الجهود المشكورة التي تبذلها وزارة العمل وبقية أجهزة الدولة الأخرى للقضاء على ذلك, فإنني أؤكد أن الدور الأكبر يقع على المواطن من خلال قيامه بالتبليغ عنهم على الهاتف (19911). وقد أكدت وزارة العمل مرارًا قيامها بالتعامل الفوري مع تلك البلاغات.
- أسئلة عدة أود أن أطرحها على الإخوة بوزارة العمل؛ حتى تستمر جهودهم الخيّرة في مجال توطين العمالة والاستثمار في محال الاتصالات والجوالات: متى سيتم تحديد ساعات العمل بثماني ساعات في اليوم في تلك المحال؟ أليس نظام العمل يحدد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات؟ ما الذي يجعل العامل في محال الجوالات يعمل من الثامنة صباحًا حتى الحادية عشرة مساء؟


           الجزيرة  العدد 16083   في 10/10/2016م

الأدوات المدرسية المغشوشة.. على من تقع المسؤولية؟


د. محمد بن عبد العزيز الصالح
مع بدء العام الدراسي قبل أسبوعين طالعتنا عدد من الصحف بتغطيات تؤكد انتشار الأدوات المدرسية المقلدة والمغشوشة، التي يتم تسويقها على أطفالنا في الكثير من المكتبات ومحال (أبو ريالين). وإضافة إلى ذلك, كشفت تلك الصحف تفاوتًا كبيرًا في أسعار تلك الأدوات المدرسية من مكتبة إلى أخرى. وكما هو معلوم, فإن الشنط المدرسية والكراسات والألوان المغشوشة ورديئة الصنع تتكون من مواد كيماوية خطرة على صحة مستخدميها من الطلبة والطالبات. السؤال المطروح هنا: إلى متى ستستمر أسواقنا مليئة بالسلع والأدوات المغشوشة ورديئة الصنع؟
ثم أين هيئة المواصفات والمقاييس من انتشار تلك السلع المغشوشة؟ أليست هي مسؤولة عن فحص وتحليل كل سلعة يتم استيرادها في مختبراتها المنتشرة على منافذ المملكة قبل تسويقها في أسواق المملكة؟ وأين دور المصلحة العامة للجمارك ووزارة التجارة من ذلك؟ أليس مناطًا بوزارة التجارة مكافحة مختلف أنواع الغش التجاري؟
أكاد أجزم بأن أحد أسباب انتشار السلع المغشوشة من أدوات مدرسية وغيرها هو انتشار وسيطرة العمالة الأجنبية على جميع محال التجزئة في المملكة؛ إذ لا تتردد تلك العمالة في تسويق السلع الرديئة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي بهدف تحقيق الأرباح الطائلة، بغض النظر عن الأضرار الصحية التي تلحق بالمستهلكين الذين يشترون تلك السلع. ما من شك أن على وزارة العمل السير بخطى حثيثة من أجل إكمال مسيرتها في توطين جميع محال التجزئة, والعمل على إحلال شباب وبنات الوطن للعمل في تلك المحال. وأجزم - بإذن الله - أنهم لن يقدموا على تسويق أي سلع مغشوشة.
أيضًا من الوسائل الفاعلة في القضاء على تسويق السلع والأدوات المغشوشة التخلص من المباسط والمحال الصغيرة المليئة بالعمالة الأجنبية, والمنتشرة في جميع الطرق والأحياء في مختلف المناطق في المملكة.
أعتقد أن على وزارة التجارة أن تعمل على وقف انتشار تلك المحال الصغيرة، والعمل على استبدالها بشركات متخصصة في سلع التجزئة؛ إذ يسهل إحكام الرقابة عليها؛ وبالتالي القضاء على سوق السلع المغشوشة.
نحن لا ننكر وجود تسويق للسلع المغشوشة في الكثير من دول العالم, ولكن الملاحَظ هو التفاوت في مكافحة تلك الجرائم بين ما هو مطبق في المملكة والكثير غيرنا من دول العالم. ففي الوقت الذي نجد فيه أن العقوبات المطبقة لدينا ضعيفة جدًّا، وغير كافية لردع التجار الذين يسوقون سلعًا مغشوشة, نجد أن الكثير من دول العالم تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه تسويق سلع تلحق الضرر بصحة المستهلكين. ففي الصين - على سبيل المثال - نجد أن عقوبة الإعدام تطبق بحق التجار الذين يكررون ارتكاب جرائم الغش التجاري. وفي كوريا يتم التشهير برجل الأعمال الذي يسوق سلعًا مغشوشة على الشبكة العنكبوتية, كما يتم التشهير أيضًا في مختلف المكاتب الحكومية في ست عشرة مدينة كورية, هذا بالإضافة إلى عقوبة السجن ولمدد طويلة بحق من يرتكب أيًّا من جرائم الغش التجاري.
ختامًا, مملكتنا الغالية تتكون من ثلاث عشرة منطقة ومئات المدن والمحافظات والآلاف من الهجر والمراكز والقرى؛ وهو ما قد يصعب على وزارة التجارة إحكام الرقابة على تسويق السلع المغشوشة في جميع نقاط البيع بالمملكة. وأعتقد في هذا الخصوص أن على وزارة التجارة أن تعمل على تفعيل مشاركة جميع المواطنين معها في عمليات الرقابة والتفتيش على السلع والبضائع المغشوشة التي يتم تسويقها في مختلف مناطق المملكة, وأن تعمل على زيادة المكافأة التي يتم صرفها لكل من يقوم بالتبليغ عن السلع المغشوشة.


   الجزيرة العدد 16076  في 3/10/2016م