ترجمة

توطين التقنية والحاجة لمجلس يتولى رعايتها

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
تعد عملية نقل التقنية الحديثة التي تزخر بها دول العالم الصناعي والاستفادة منها بما يخدم تنميتنا الاقتصادية إحدى أكثر العمليات تعقيداً، مما يعني حاجتنا الماسة إلى وجود استراتيجيات محددة وواضحة المعالم على المدى القصير والطويل على حدٍ سواء، مع أهمية مراعاة تلك الاستراتيجيات لكافة الظروف الدينية والبيئية والعادات والتقاليد المحيطة بمجتمعنا.
وعند الحديث عن عملية نقل التقنية، فإنه من الأهمية أن يتم التمييز بين عملية نقل تقنية رأس المال (Know How) وتشمل نقل الأجهزة والمعدات وغيرها من الاختراعات الحديثة وبين عملية نقل تقنية العمل أو ما تسمى بعملية توطين التقنية (Know Why) والتي تتم من خلال التوسع في تدريب وتعليم العمالة الفنية الوطنية بهدف تأهيلهم من أجل القدرة على التعامل مع تقنية رأس المال وتطويرها.
ان تحقيق الفائدة المرجوة من عملية نقل تقنية رأس المال لا يمكن أن تتم دون أن يكون هناك تركيز على عملية توطين التقنية أو ما تسمى بعملية نقل تقنية العمل. وبمعنى أدق فإن تحقيق الفائدة من عملية نقل التقنية سيكون مقتصراً على قدرتنا على إقناع الدول أو الشركات المصدرة لتلك التقنية بأن تضع برامج يمكن من خلالها تدريب وتأهيل الشباب السعودي على التعايش مع تلك التقنية إضافة إلى تهيئتهم وزرع روح الابتكار لديهم من أجل التمكن من تأسيس تقنية متقدمة محلية تغنينا مستقبلاً عن الحاجة للدول المصدرة لها.
وان تحقيق ذلك يتطلب منا إعادة النظر في بعض السياسات التعليمية المتبعة وتطوير المناهج وربطها بمتطلبات التنمية إضافة إلى دعم كافة أوجه البحث العلمي.
وفي ذلك نجد أن الدول لا تتردد في تخصيص الموازنات الضخمة في سبيل دعم الأبحاث العلمية في مختلف المجالات التقنية، كما أن ذلك يتطلب منا إعادة النظر في كافة البرامج التدريبية والتعليمية والتربوية التي تعمل على تنمية القدرات والطاقات التي يتمتع بها شباب هذا الوطن، من أجل هذا كله كان لزاماً علينا أن نتعامل مع عمليات نقل التقنية من خلال منظور تعليمي واقتصادي في نفس الوقت.
كما أنه من الأهمية ألا يقتصر تركيز الجهات الحكومية والخاصة لدينا والمعنية بمتابعة ورقابة عمليات نقل التقنية على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال نقل التقنية فحسب، وإنما يجب أن يتجاوز ذلك ليشمل الاستفادة من تجارب تلك الدول ونجاحها في مجال توطين تلك التقنية أيضاً.
ونحن في مستهل القرن الواحد والعشرين وفي الوقت الذي نجد فيه أن الكثير من الدول لا يقتصر اهتمامها على نقل ما لدى الآخرين من تقنية حديثة فحسب وإنما يتجاوز ذلك إلى بذل كافة الجهود وسن السياسات والأنظمة الكفيلة بتوطين تلك التقنية، نجد أننا في هذا الوطن الغالي لا نزال نركّز جهودنا على نقل التقنية دون بذل الجهود الكافية لتوطين تلك التقنية.
وفي ظني أنه من الأهمية أن يتم تشكيل لجنة تتولى دراسة وبحث إمكانية إنشاء (هيئة عليا للتقنية) أو (مجلس أعلى للتقنية) يدخل في عضويته كافة الأجهزة الحكومية والأهلية ذات العلاقة مثل وزارة الدفاع والطيران، وزارة التعليم العالي، وزارة التجارة والصناعة، وزارة المالية، وزارة التخطيط والاقتصاد، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا وأيضاً مجلس الغرف التجارية. وقد تتفقون معي بأن قطاع نقل وتوطين التقنية له أهمية تعادل ان لم تكن تفوق أهمية بعض القطاعات الأخرى التي تم تشكيل مجالس أو هيئات عليا تتولى رعايتها.
27 / 8 / 2005م        عدد 12021
 

عدم القبول بالجامعة ليس نهاية المطاف

د محمد بن عبد العزيز الصالح
ما إن يحين آخر العام الدراسي مروراً بالإجازة الصيفية من كل عام إلا ويتجدد هم القبول في الجامعات، وهو همّ بلا شك يقلق المجتمع وبخاصة الآباء والأمهات وطلبة وطالبات الشهادة الثانوية بالذات، إلا أن الجامعات وأمام الإقبال الشديد عليها قد لا تتمكن من استيعاب كافة الأعداد الكبيرة من الطلاب والطالبات الأمر الذي قد يصيب بعض ولاة أمر الطلاب بالإحباط لعدم تمكن أبنائهم من دخول الجامعة.
من الأهمية الإشارة إلى أن معطيات الوقت الحاضر قد اختلفت عنها في الماضي.. في السابق، كان جميع خريجي المؤسسات التعليمية من جامعات وغيرها تستوعبهم الأجهزة الحكومية، بل إن الخريج يجد أمامه عدداً من الخيارات الوظيفية في القطاع الحكومي، وبالتالي فإن الحصول على عمل بعد التخرج لم يكن مشكلة يعاني منها الخريج، لذلك فإن الحصول على الشهادة الجامعية في أي تخصص لم يكن ذا أهمية، أما اليوم فقد اختلف الوضع بسبب تقلص فرص التوظيف في القطاع الحكومي، هذا الأمر أجبر خريج الجامعة أن يتجه إلى القطاع الخاص للبحث عن فرصة عمل، ومن المعلوم أن القطاع الخاص وبخاصة قطاع الشركات الكبيرة والمصانع لا يمكن أن يقبل أي خريج بمجرد حصوله على الشهادة الجامعية في أي تخصص وذلك لأن هذه الشركات تتطلب أعمالها تخصصات معينة، كما أن العمل فيها يتطلب من الخريج أن يكون على درجة من المعرفة والإتقان في تلك التخصصات.
وإن كان من كلمة أوجهها لإخواني خريجي الثانوية العامة وهي أن عدم حصول أي منكم على معدل عال في الثانوية العامة لا يعني نهاية المطاف لأنه ليس بالضرورة أنكم ستحصلون جميعاً على معدلات عالية تؤهلكم لدخول الجامعة، وعند التحاق أي منكم بالجامعة، فإن عليه أن يسأل نفسه عن ماذا سيستفيد من التخصص الجامعي الذي سيلتحق به، وماذا سيستفيد من المؤهل الذي سيحصل عليه بعد الجهد والعناء، وما فائدة شهادة جامعية لا تساعدنا في الحصول على فرصة عمل نؤمِّن بها مستقبلنا، إن على كل واحد منا لا يتمكن من الحصول على معدلات عالية في اختبارات الشهادة الثانوية أن يفكر جيداً في البدائل عن الشهادة الجامعية، وبعض تلك البدائل أتاحتها الجامعات نفسها، وجعلتها تحت مظلتها.
ومن هذه البدائل كليات المجتمع، وهي مؤسسات للتعليم فوق المستوى الثانوي، وهي كليات تهيئ خريجيها للدخول إلى سوق العمل بعد قضائهم سنتين دراسيتين يتلقى الطالب خلالهما كمية من المعارف النظرية والتطبيقية المكثفة بحيث تعد الخريج للحياة الوظيفية الفنية والتقنية المنتجة، ووفقاً لهذا النمط من التعليم فإنه يوجد في المملكة (17) كلية موزعة في مناطق المملكة وكل كلية تشرف عليها جامعة من الجامعات، ويوجد في هذه الكليات أكثر من (66) تخصصاً يحتاجها سوق العمل، والتعليم في هذا الكليات مجانياً، كما أن الملتحق بهذه الكليات يستطيع إن رغب مواصلة دراسته الجامعية عند نجاحه في تلك الكلية مع احتساب كافة الساعات التي اجتازها فيها، كما أنها تتميز بالمرونة من حيث إجراءات القبول حيث إنها تقبل خريجي الثانوية العامة ممن هم حاصلون على (70%) وأحياناً أقل من ذلك.
هناك أيضاً دبلومات تقدمها الجامعات مدتها سنة أو سنتان وهي متاحة لخريجي الثانوية العامة وبخاصة لمن لم تتح لهم فرصة القبول في الجامعة، كما أن الشهادة التي تمنح للملتحقين بهذه البرامج معترف بها من قِبل الجهات المسؤولة عن التوظيف ويقدم أكثر من (80) برنامجاً سنوياً، وجميع التخصصات التي تقدم في هذه البرامج تخصصات حيوية يحتاجها سوق العمل، ولا يشترط نسبة معينة في الثانوية العامة للالتحاق بتلك الدبلومات، إضافة لتلك البدائل فإنه يمكن للطالب (أو الطالبة) أيضاً أن يلتحق بإحدى الكليات التقنية أو الكليات الصحية أو كليات المعلمين أو كليات البنات أو المعاهد الصحية أو المعاهد الفنية المتخصصة... إلخ... وهي بدائل تقبل خريجي الثانويات العامة ممن لم يتمكنوا من تحقيق معدلات ونسب عالية.. كما أنها تهيئ خريجيها للحصول على فرص عمل مناسبة في القطاعين العام والأهلي على حد سواء، وبالتالي فإنه ولوجود جميع هذه الفرص متاحة أمامكم، فلماذا الإصرار على الجامعة والالتحاق بأي تخصص، إن المنطق والعقل وتأمين المستقبل لكم أيها الشباب يحتم عليكم اختيار التخصص المناسب الذي يساعدكم في الحصول على فرصة عمل وبالتالي فإن عليكم التفكير جيداً في مرحلة ما بعد الدراسة.
-*-*-*-*-
أولياء أمور الطلبة:
إن المعطيات التنموية للمملكة قد اختلفت، والنمو السكاني قد تضاعف، والرغبات في دخول الجامعات قد تضاعفت عشرات المرات، لذلك فإن عليكم جميعاً واجب التوجيه المناسب لأبنائكم وبناتكم من الطلاب والطالبات وبخاصة ما يتعلق بمواصلة الدراسة بعد المرحلة الثانوية حيث إن من المهم جداً اختيار نوعية التخصص، والمؤهل الذي سيتم الحصول عليه، وليس مجرد القبول في الجامعة في أي تخصص.
راجياً لجميع أبنائنا وبناتنا التوفيق والنجاح.
 
20 / 8 / 2005م              عدد 12014