ترجمة

هل ضربنا بيد من حديد على من تجاوز من تجار الحديد؟



د. محمد بن عبدالعزيز الصالح

 نشرت صحيفة الوطن أن تجار حديد التسليح يقومون حالياً بإخفاء كميات كبيرة من الحديد بهدف تقليل المعروض منه ومن ثم زيادة الطلب مما يترتب على ذلك زيادة في السعر. كما أشارت (الوطن) إلى أنه في الوقت الذي قررت فيه شركة سابك ارتفاعاً طفيفاً في سعر طن الحديد فإن عددا من مناطق المملكة تشهد شحاً في الكميات المعروضة من قبل موزعي مصانع الحديد بهدف تحقيق مزيد من الارتفاعات السعرية، علماً بأن مصدرا مسؤولا بشركة سابك قد أكد على التزام الشركة بتوفير كامل الكميات المقررة من الحديد لموزعي حديد سابك في مختلف مناطق المملكة، محملاً في ذلك وزارة التجارة مسؤولية الرقابة على الأسواق وحمايتها من التجار المتجاوزين. إضافة إلى ذلك فقد أكد رئيس اللجنة الوطنية للمقاولين أن ما يقوم به تجار الحديد إنما هو ممارسات احتكارية تحدث ذعراً في أوساط المواطنين، مناشداً وزارة التجارة سرعة التحرك لإحكام الرقابة ومنع الممارسات الاحتكارية لمنع أي ارتفاعات سعرية غير منطقية تتعثر بسببها الكثير من المشاريع الوطنية كما حدث العام الماضي.
سبق أن كتبتُ من خلال هذه الزاوية مقالاً بعنوان (لنضرب بيد من حديد كل من قام بتخزين الحديد)، أشرت فيه إلى أن السبب في زيادة سعر طن الحديد العام الماضي، التي عانى منها غالبية المواطنين، هو تلك الممارسات الاحتكارية واللاأخلاقية من بعض كبار تجار الحديد من خلال قيامهم بتخزين كميات ضخمة من الحديد بهدف تعطيش السوق والتحكُّم في أسعاره على حساب المستهلك.
الجدير بالذكر أن عدداً من تجار الحديد قد قاموا بتخزين مئات الأطنان من الحديد العام الماضي؛ ما تسبب في زيادة سعر طن الحديد من 2000 إلى 6000 ريال.
وحتى يمكننا التحرك لوقف أي ممارسات احتكارية من قبل تجار الحديد؛ ما قد يلحق المزيد من الأضرار بالمواطنين، على وزير التجارة أن يخبرنا بالعقوبات التي اتخذتها الوزارة تجاه التجار المحتكرين للحديد الذين تم القبض عليهم العام الماضي. فهل تم سجنهم أو التشهير بهم أم أن الوزارة اكتفت بتطبيق غرامات مالية لا تتجاوز نسبة بسيطة من الأرباح التي حققها هؤلاء التجار؟ شخصياً، أجزم بأن الوزارة لم تطبق العقوبات الرادعة والكفيلة بردع مثل هؤلاء التجار، ولو تم ذلك لما عاد بعض تجار الحديد لنفس ممارساتهم الاحتكارية التي لن يدفع ثمنها سوى المواطن.

23/9/2009م           عدد 13297

فساد مستشرٍ.. كيف نقضي عليه؟


د. محمد بن عبد العزيز الصالح

 صدرت الموافقة السامية على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والرشوة، وإنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد وتفعيل أجهزة الرقابة المعنية.
وعندما ننظر إلى الفساد الإداري والمالي المستشري في العديد من أجهزتنا الحكومية الذي نهش الكثير من مكتسبات الوطن وثرواته، فإننا نتساءل عما تم في هذه الاستراتيجية التي ستكفل بإذن الله التصدي لكافة أوجه الفساد المالي في أجهزة الدولة.
فنحن بأمسّ الحاجة لأن نستعجل في تطبيق كل ما جاء في ذلك المشروع من عقوبات على كل من تسوّل له نفسه التلاعب بممتلكات الوطن وثرواته، وبغضّ النظر عن مرجعية عمل الشخص، وهل ينتمي لجهاز حكومي أم لقطاع أهلي.
وحتى نتمكن من اجتثاث جرائم اختلاس المال العام في أجهزتنا الحكومية، فإنّه من الأهمية أن يتم قفل باب الشفاعات والواسطات تماماً، فكل من تسوّل له نفسه ارتكاب مثل هذا الجرم ويصدر حكم بحقه، فإنه يتوجّب أن يطبّق عليه كامل العقوبات المحكومة عليه بها.
وحتى نتمكن من إحكام الرقابة على كافة التجاوزات المالية في كافة الأجهزة الحكومية، فإنه يقترح أن يتم إنشاء وحدة داخل كل جهاز من أجهزة الدولة تعود مرجعيتها لهيئة مكافحة الفساد التي وجّه المقام السامي بإنشائها أو لإحدى الجهات الرقابية، بحيث تتولّى مراقبة كل ما يتم في ذلك الجهاز من تعاقدات مغلوطة أو أي وجه من أوجه الفساد الإداري والمالي.
ونظراً لأهمية الشفافية والوضوح في القضاء على مختلف التجاوزات المالية، فإنه من الأهمية أن تتاح الفرصة لمختلف أجهزة الإعلام للوصول إلى المعلومات الدقيقة متى كان هناك تجاوزات إدارية أو مالية في أي جهاز من أجهزة الدولة، وما من شك أنّ عقوبة التشهير بالمسؤول أو الموظف المتجاوز إدارياً أو مالياً تُعد من العقوبات المؤثرة في مجتمعاتنا، ولذلك من الضروري أن يتم التركيز على تلك العقوبة، إضافة لبقية العقوبات الأخرى.
وحتى نتمكن من إحكام السيطرة على التجاوزات المالية والإدارية المتفشية في العديد من الأجهزة الحكومية، فإنه من الأهمية أن يكون هناك آلية تحفيز ومكافآت لكل موظف أو فرد يقدم معلومة تدل على وجود فساد أو تجاوزات مالية في أي جهاز من الأجهزة الحكومية.
وحتى لا نستمر في تسامحنا ومرونتنا غير المبرّرة انطلاقاً من مبدأ (عفا الله عما مضى)، فإنّ على الدولة أن تُلزم كل مسؤول في أي جهاز حكومي بكشف كافة التجاوزات المالية التي اكتشفها على من سبقه في تلك الوزارة أو الجهاز الذي تولّى رئاسته، مما يعني أهمية ملاحقة ذلك المسؤول ومحاكمته عما اختلسه خلال وجوده في المنصب، وذلك بدلاً من تكريمه بتعيينه في إحدى الوظائف الاستشارية أو الدبلوماسية خارج المملكة.
كلمة أخيرة، الكثير منا يعلم بوجود فساد إداري ومالي في عدد من الأجهزة الحكومية ومنذ زمن، وعلى الرغم من ذلك لم نحرك ساكناً ولم نتصدّ لها، وقد نتعرّض لمحاسبة وعقوبة ربّ العزة والجلال على سكوتنا غير المبرّر على ذلك.

 

 

16 / 2 / 2009م               عدد 13290

هل نقتل التاجر أم نتركه يقتل أطفالنا؟!


                                

د. محمد بن عبدالعزيز الصالح

 وكالات الأنباء العالمية مؤخراً أن أحكاماً بالإعدام وبالسجن مدى الحياة قد اتخذتها الصين ضد (21 شخصا) تمت إدانتهم بإنتاج وتسويق الحليب الملوث بمادة الميلامين، حيث أدى ذلك إلى وفاة العديد من الأطفال وإصابة مئات الآلاف منهم.
الجدير بالذكر أن الصحافة لدينا نشرت خلال الأيام الماضية أن وزارة الشؤون البلدية وجهت جميع الأمانات والبلديات بمختلف مناطق المملكة وبناء على ما ورد من هيئة الدواء والغذاء بسحب بعض أنواع الحليب المستورد التي ثبت أنها تحتوي على مستويات من الميلامين الضار بالصحة (الميلامين هو منتج كيميائي يستخدم في صنع أنواع من البلاستيك والمبيدات الحشرية ويستخدم من قبل بعض عديمي الذمم من التجار حيث تتم إضافته للحليب وبالتالي يبدو الحليب وكأنه ذا نسبة مرتفعة من البروتين لغرض الدعم المادي).
كما نشرت الصحف أيضاً أن أعضاء هيئة ضبط الغش التجاري بوزارة التجارة قد قاموا بمصادرة وإتلاف (3550) كيس حليب وزن 25 كيلوجراما لاحتوائها على مادة الميلامين القاتلة.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف تكتفي وزارة التجارة والأمانات البلدية بسحب أنواع الحليب الصينية الملغمة بالميلامين دون توجيه بتطبيق أقصى العقوبات بحق من يستمر بتسويقها وترويجها في أسواقنا المحلية؟ وكيف نكتفي بسحب ذلك الحليب القاتل من أسواقنا في الوقت الذي نشهد فيه قيام الصين بإعدام (21) شخصاً أسهموا في ترويج وتسويق هذا الحليب في أسواق الصين، ثم إذا كانت وزارة التجارة قد ضبطت (3550) كيساً من هذا الحليب القاتل في أسواقنا المحلية، ألا تعتقدون أن ما تم ضبطه لا يتجاوز إلا جزءاً يسيراً من كميات الحليب الملغمة بمادة الميلامين في أسواقنا خاصة إذا ما علمنا بقلة أعداد المفتشين في إدارات الغش التجاري وحماية المستهلك التابعين لوزارة التجارة في كافة مناطق المملكة؟
لن أطالب بإعدام التاجر الذي يستمر في تسويق هذا الحليب القاتل لأطفالنا بعد صدور توجيهات الجهات المختصة بسحبه من الأسواق على الرغم من منطقية تلك المطالبة، ولكنني أتساءل عن العقوبة التي ستطبق بحقه وهل ستصل إلى سجن التاجر نفسه فترة طويلة والتشهير باسمه في أجهزة الإعلام وإغلاق متجره وسحب الترخيص منه؟ أم أننا سنشهد وكالعادة عقوبات أقل ما يقال عنها أنها عقوبات مشجعة على الاستمرار في ارتكاب تلك الجرائم الإنسانية وقتل الأطفال الأبرياء من خلال تسويق حليب لا يصلح للاستخدام الآدمي.
إنني والله لاستغرب من استمرار تلك السياسات والإجراءات غير الموفقة في التصدي للكثير من الأدوية الفاسدة والسلع الغذائية التي لا تصلح للاستخدام الآدمي، والتي تعج بها العديد من الصيدليات والأسواق لدينا، فلا يمكن أن نقبل بأي حال أن يتم تسويق تلك السموم في أسواقنا في الوقت الذي لا نسمع فيه من وزارة التجارة سوى التعذر بقلة المراقبين والمشرفين في الإدارات المعنية بحماية المستهلك، وفي ظني لو أن الوزارة أعلنت عن مكافأة توازي 50% من قيمة السلع المغشوشة والفاسدة لكل مواطن أو مقيم يخبر الوزارة عن تلك السلع لأدركت الوزارة أن غالبية المواطنين والمقيمين قد انضموا للعمل في إدارة حماية المستهلك، وعندها لن يتبق في أسواقنا أي علاج مغشوش أو سلع فاسدة أو منتهية الصلاحية.
كلمة أخيرة: ما لم نبادر بإقرار عقوبة الإعدام بحق التاجر الذي يستمر في تسويق الأدوية والأغذية غير الصالحة للاستخدام الآدمي، فهذا يعني سكوتنا على من يقتل أطفالنا أمام أعيننا.

 
2 / 2 / 2009م                    عدد13276