ترجمة

مساجد الطرق وتنميتنا الحضارية




لهذا الملف ارشيف قديم في السوء وعدم المعالجة وألم من اخلاقيات بعض المستثمرين، واللامبالاة منهم بهذا الهم، لأن فائدته في الآخرة ولا يمكن أن يستثمر في الدنيا بمقابل مادي, وكذلك في تنازع الصلاحيات فيه بين وزارات الشؤون الاسلامية والبلدية والقروية والدفاع المدني والنقل وهيئة السياحة وبترومين, وإن كنت اجزم بأن اكبر المآسي في هذا الملف يتحملها المستثمر الذي قام ببناء المحطة على الطريق وترك الحبل على الغارب دون أن يُلزم من استأجر المحطة ومرفقاتها بأن عليه صيانة المسجد ومرفقاته وتخصيص عامل لنظافته والعناية به ولا شيء يردعه اذا لم يلتزم بذلك، فلا غرامة تفرض على المقصر، ولا اغلاق لمحطته، ولا شك أن لبلديات المحافظات وأمانات المدن دور في هذا السوء والتقصير.
كما تلام وزارة الشؤون الإسلامية لعدم تبنيها لهذا الملف، كونها المعنية بالمساجد واماكن العبادة، ولا يمكن أن نقبل منها تعذرها ببعد هذه المساجد وأن صلاحيتها تقتصر على داخل المدن، اما خارجها فهو خارج نطاق إشرافها، ولذا تبرأت منها الوزارة, كما أنها لم تدعم اللجنة التي صرحت لها الوزارة كي تتولى هذا الملف الذي اكسب وجهنا الحضاري بالسواد والتنموي بالتخبط, واعتقد بأنه لا يوجد ما يمنع الوزارة من الدعم إلا خوفها من أن يوكل لها ملف مساجد الطرق ويضاف الى نطاق صلاحياتها لأنها لم تغطِ مساجدها الـ 96000 مسجد داخل المدن بفعالية ( 15000 جامع + 81000 غير جامع ) فكيف ستتمكن من تغطية المساجد خارج المدن !!!!! علما بأن عددها قليل لا يتجاوز 4000 مسجد، أي ما يعادل 4% من طاقتها الحالية وهو عدد قليل اذا وزع على فروع الوزارة بالمناطق.
وقد صرَّح معالي وزير الشؤون الإسلامية السابق بأن مشروع الملك عبدالله لتطوير المساجد لم يصرف منه ريال واحد وهو الذي رصد له 500 مليون ريال, كما تستطيع الوزارة أن تصحح وضع مساجد الطرق بإنشاء صندوق مع وزارة البلديات وترصد له ما تراه من مبالغ كمرحلة اولى والباقي تتولاه البلديات والمستثمر، على أن تفرز مساحة المسجد من المحطة وتخصص ملكيتها للوزارة كغيرها من المساجد الاخرى, او أن تعمل الوزارتان على استهداف بعض المساجد الكبيرة في محطات الطرق، بحيث نضمن وجود مسجد نظيف كل 20 كلم متر، وتوضع عليه لوحة وكذلك على المحطة بأن هذا المسجد ومرفقاته تحت عناية الوزارة المختصة، وهذا سيؤثر ايجاباً على استثمار المحطة وكثرة روادها وبالتالي زيادة الدخل من تفاصيلها المتعددة, ويبقى الدور المهم على وزارة البلديات في المراقبة وايقاع الغرامات المناسبة وفق آلية دقيقة على صاحب المحطة الذي لم يطبق التعليمات التي اهمها تخصيص عامل دائم وعاملة دائمة لصيانة المسجد ونظافته, مع ضرورة التوأمة مع اللجنة المعنية بهذا الامر ( المؤسسة الخيرية للعناية بمساجد الطرق «مساجدنا» ) والتي صرحت لها مشكورة وزارة الشؤون الاسلامية وتركتها دون دعم مالي يمكنها من اداء رسالتها وانما اوكلتها لدعم المحسنين وتبرعاتهم لها.
لماذا لا نستفيد من تجارب دول العالم التي جعلت من محطات الوقود التي على الطرقات متنزهات مكتملة الخدمات من اعاشة وسكن وترفيه وتسويق، فلا تجدك تعاني من عناء الطريق وإن طالت بك المسافات ودول شرق اسيا اقرب الامثلة لأن الحديث عن واقع الدول الاوربية والامريكية ربما يقع في عداد الاحلام وليس الاماني, ألسنا من ندعو في كل سفر الله ونعوذ به من وعثاء السفر وكآبة المنظر ونجدها دوماً تصاحبنا في اسفارنا لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, اين انتهت ركاب المشروع الخيري الذي كان احد اوقاف الشيخ سليمان الراجحي، ولماذا وضعت العراقيل في طريق إقامته بعد أن جهزت مخططاته وصرف عليها الكثير من المال والجهد ولم يبق الا تحديد الاراضي التي ستقوم عليها المشروعات الخيرية لتنقلنا الى عالم ارحب من الإنسانية وقيمة الإنسان فيها ويُبرز عنايتنا بالمسجد ومرفقاته ويجعل من هذا المشروع قيمة مضافة لإنسان هذا الوطن الكريم, ولماذا قتلت معه الاستثمارات الخيرية التي ستعود على مفردات كثيرة من احتياجات الاسر والمجتمعات عبر عمل مؤسسي دقيق باركه في وقته جميع المخلصين وتوقعوا أن يدعم هذا التوجه على مختلف المستويات لأنه محقق لأماني المواطنين والوافدين إلا أنه اجهض بالكامل.
ختاماً, بقي على المهلة التي وافق عليها مجلس الوزراء لإصلاح حال محطات الطرق ومرفقاته (بما فيها المساجد) قرابة الخمسة أشهر من المدة التي كانت سنتين ولم يتغير في الأمر شيء سوى منح تصاريح لشركات تتولى تشغيل وتطوير محطات الطرق ومرفقاته والترتيب لتصاريح اخرى، ولكن هذا يعني أننا سنحتاج لأعوام عديدة حتى نرى شيء يسرنا ويغير واقعنا المحزن, وإن كنت ارى أن بمقدور وزارة الشؤون البلدية أن تغير الواقع خلال شهر او شهرين بالإعلان عن غرامات لأصحاب المحطات التي يرد من تقارير المتابعة عن إهمال في المسجد ومرفقاته والعناية بها مع منح شهر لإصلاح الحال او البدء في تطبيق الغرامة التي قد تصل للإغلاق. إن جميع القادرين على تغيير الحال مطالبون أن يقدموا ما يستطيعون لتغيير الواقع.

  الجزيرة في 26/10/2015م    العدد 15733

مدى نجاحنا في تسويق أنظمتنا التجارية




أثناء زيارته للمملكة مؤخراً, قال روبرتواز يفيدو مدير عام منظمة التجارة العالمية إن السعودية ستستفيد من انضمامها إلى اتفاقية تجارة منتجات المعلومات حتى مع كونها دولة غير صناعية, ولكنه أكد أن المملكة ستجني فوائد أكثر إذا اتجهت لتعزيز التصنيع.
وما من شك أنه عندما يتحدث شخص بحجم وثقل مدير منظمة التجارة العالمية بمثل ذلك, فإنه من الأهمية أن نتوقف عنده كثيراً, وبكل وضوح، فإن ما يقصده هو أن المملكة وعلى الرغم من توافر كافة المحفزات لبناء قواعد صناعية صلبة كتوافر ورخص المواد الخام, ورخص الأيدي العاملة, وغيرها من العوامل المحفزة للاستثمار الصناعي في المملكة, إلا أن إسهام القطاع الصناعي بالمملكة لا زال أقل بكثير من المتوقع منه, ويكفي أن نشير في هذا الخصوص إلى أن اقتصادنا الوطني لا زال يعتمد على سلعة النفط بما يتجاوز90% من قيمته, وهذا ما دفع بمدير منظمة التجارة العالمية للقول بأن المملكة ستجني فوائد أكثر إذا اتجهت لتعزيز التصنيع, مؤكداً بأن كل منتج صناعي، ولو كان بسيطاً، يصنّع بالسعودية، سينعكس إيجابا بتوافر منتج بسعر أرخص وجوده أكثر، ومن ثم تنمية الاقتصاد ودعمه.
إضافة إلى ذلك, أكد مدير منظمة التجارة العالمية خلاله لقائه مع وزراء التجارة للدول العربية بأن السعودية بحاجة للمزيد من تسويق القوانين والإجراءات التي تمتلكها المملكة، خاصة وأن المملكة تعتبر اقتصادية بطبيعتها، وتمتلك عناصر جذب للمستثمرين, ولكنه أكد أن المملكة ودول الخليج الأخرى لم تضع إصلاحات كافية بتنظيمها لجذب المستثمرين, كما أكد على أهمية أن تركز الأنظمة لدينا على التجارة الرقمية لكونها تشكل90% من أنواع التجارة، خاصة وأن التجارة الرقمية قادرة على محاربة الفساد لأنها تخلو من وجود وسطاء بين البائعين والمشترين, ولذا فإنه وعلى الرغم من الجهود المميزة التي بذلتها وزارة التجارة والصناعة بقيادة وزيرها النشط الدكتور توفيق الربيعة في مجال تطوير أنظمة وإجراءات التجارة والاستثمار في المملكة, إلا أن ما ذكره مدير منظمة التجارة العالمية في هذا الخصوص يجعلنا نطالب بمزيد من الجهود, حيث ذكر في معرض حديثه بأن السعودية لم تبنِ إصلاحاتها وقوانينها بشكل جيد مما قد لا يمكنها من تحقيق كامل الاستفادة المرجوة؛ كونها عضواً في منظمة التجارة العالمية، موضحاً في ذلك الفرق بين الدول التي تحتاج إلى يومين فقط لتأسيس شركة مثل دولة سنغافورة, وبين الدول التي تحتاج إلى ستة أشهر لتأسيس نفس الشركة، ولم يضرب هنا مثلا بدولة معينة, ولكن هل (المعنى في بطن الشاعر).
ختاماً، وجه مدير منظمة التجارة العالمية حديثه للقطاع السعودي الخاص قائلاً بأن المنظمة تسعى الآن للاستماع والتعاون مع مؤسسات وشركات القطاع الخاص، وذلك بعد تعاون المنظمة مع القطاع الحكومي, وفي ظني بأن من الأهمية على رجال القطاع الخاص أن يتفاعلوا مع هذه الدعوة, كما أن عليهم أن يدركوا أن عضوية المملكة في هذه المنظمة التجارية العالمية سيزيد من فرصتهم في الوصول بمنتجاتهم إلى مزيد من الأسواق الجديدة في الدول الأخرى، حيث إن الأسواق العالمية ستفتح أبوبها أمام الصادرات السعودية بدون عوائق أو حواجز جمركية.

   الجزيرة 19/10/2015م   العدد 15726

حقوق أعضاء الجمعية العمومية المهدرة في الجمعيات الخيرية



لأن وزارة الشؤون الاجتماعية لا تولي اهتماماً كبيراً للوائح وأنظمة الجمعيات الخيرية، ولا لسياسات وصلاحيات الصرف المالي فيها، وتركت كل ذلك بحكم الشخصية الاعتبارية المستقلة للجمعيات الخيرية لاهتمام تلك الجمعيات بإصدار لوائحها وأنظمتها بنفسها، في حين أنه يجب أن يكون هناك تصريح ابتدائي بمزاولة النشاط واستقطاب الأعضاء للجمعية العمومية وبدء مرحلة التأسيس التي ربما تستغرق كحد اقصى عاماً واحداً ويصرف لها الاعانة المعتادة خلال ثلاثة اشهر من الموافقة على إنشائها حسب نظام الجمعيات الخيرية الصادر من وزارة الشؤون الاجتماعية، وبعد ذلك يجب ألا يصدر التصريح النهائي لها الا بعد اكتمال نظامها المالي والاداري ولوائحها التنفيذية، وكذلك الاتفاق على الرسالة والرؤية والاهداف بعد ممارسة العمل خلال عام كامل، والالتزام بخطة استراتيجية لدورة واحدة هي دورة مجلس الادارة، وكذلك خطط تشغيلية وتنفيذية وخطط تنمية الموارد والاستثمار والاستدامة وخطط اعلامية ومجتمعية وما لم يتم ذلك، فيجب ان توقف عنها الاعانات، وتخاطب البنوك بتجميد حساباتها المالية وصلاحية التوقيع التي تعطى عادة لاثنين من اعضاء المجلس، أحدهما المشرف المالي، وتلزم بعد ذلك مجالس الادارة المتعاقبة بخطة إستراتيجية وخطط تنفيذية للدورة التي فازوا بالانتخاب فيها كأعضاء لمجلس الادارة حتى نضمن بذلك ان العمل في الجمعيات الخيرية كلها وليس بعضها اصبح عملا مؤسسيا، ويحكم بأنظمة وقوانين وليس للاجتهاد في دورته الادارية أي سبيل ، مع الالتزام الكامل بوجود محاسب قانوني يضمن الدورة المالية النظامية في كل امر صرف مع ربطها بصاحب الصلاحية وتوافر المستندات المطلوبة لإتمامها واجازتها حتى يمكن التأكد من سلامة استخدام المال العام ، وسهولة تبرئة ذمم مجالس الادارة التي ربما ان الكثير منها يخالف التعليمات دون قصد، ولكن يبقى المال العام أمانة كبيرة في عنق من ولي امره، علماً ان وزارة الشؤون الاجتماعية تتعاقد سنوياً مع محاسب قانوني يراجع اعمال الجمعيات، وعلى المتضرر أن يسأل بعنوان المقال (من يملك صلاحية اخلاء الطرف للمجالس الخيرية).
وطالما ان وزارة الشؤون الاجتماعية تقول ان صلاحية اخلاء طرف المجالس الخيرية وتبرئة ذمتها المالية هو من صلاحية اعضاء الجمعية العمومية ، وليس لاحد غيرهم ان يقر ببراءة الذمة ، فكيف بها تقفل ملف إحدى الجمعيات وتسمح بتسديد القيود على مخالفات مالية واضحة وقفت عليها الوزارة ضمن فريق عمل مكلف من قبلها وصدر عنها تقرير رسمي تم رفعه الى جهات عليا قبل ان تصدر قراراً بشأنه يخص مجلس ادارة تلك الجمعية الخيرية، وقد اقرت الوزارة في تقريرها بعدم وجود مستند نظامي من المجلس او من الجمعية العمومية على صرف مبالغ بمئات الآلاف من الريالات على الانتخابات والناخبين والنظام لا يجيز ذلك، وثبت عدم صحة الاجراء في يوم انعقادها وبحضور ممثلي الوزارة لأن النتيجة كانت محسومة.
هذا بالإضافة الى التغيير في عقود الموظفين والزيادات لهم دون مستندات نظامية بحسب ابسط قواعد الهيكلة الادارية وانظمة الحوافز المالية، والكثير من المخالفات التي لا يملك العفو فيها عن مجلس الادارة او تبرأ به ذمته الا أعضاء الجمعية العمومية وليس لغيرهم أن يتمتع بتلك الصلاحية ، علماً ان الوزارة قد التزمت ان تطلع اعضاء الجمعية العمومية على التقرير والافادات حول المخالفات الادارية والمالية بأول جمعية عمومية تعقد والالتزام الكامل بالشفافية في عرض التقرير وما تم التوصل اليه لأنه مال عام جمع من أجل ان يستفيد منه من جمع له وليس لغير اهله حكم الفصل فيه.
ختاماً، رسالة الى من اعاد استنبات العمل الخيري بثقافة مختلفة وحضور فاعل ورسالة اكثر إشراقاً، معالي وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور ماجد القصبي، الجميع يتطلع يا معالي الدكتور الى ان يعاد فتح ملف المخالفات لتلك الجمعية، وان لا يغلق هذا الملف الا بموافقة اعضاء الجمعية العمومية، بحيث تعرض كامل الملابسات عليهم، والاستفادة من الوثائق المحفوظة لدى المشرف المالي للجمعية، وهو الذي ساهم بكشف مخالفات مجلس الادارة، واستعداد اعضاء في مجلس الادارة المذكور الشهادة على تلك التجاوزات، فإن كان هناك حق سلب دون مستند نظامي ، فيجب اعادته لخزينة الجمعية ، وان كان هناك خطأ اداري حمل ميزانيتها مبالغ مالية، فيجب اعادة الاموال التي صرفت من اموال خصصت للجمعية وبرامجها وانشطتها ومصلحة اعضائها واحتياجاتهم، اما ما يخص المخالفات الادارية غير المالية ، فأمرها الى الله لأنها ناتجة عن ضعف خبرة الادارة التنفيذية بالأمور الادارية لاختلاف التأهيل او لأحادية القرار في مجلس الادارة وسكوت الادارة التنفيذية.

    الجزيرة في 12/10/2015م   العدد 15719

 

الأمل بمجلس الاقتصاد والتنمية: متى يصبح النفط منتجاً اعتيادياً وليس اعتمادياً ؟


 

ابتهج الجميع حينما اجتمعت شتات الاقتصاد والتنمية في مجلس واحد كي تصبح النظرة أشمل لحاضر الوطن ومستقبله وبالتالي حاضر المواطن ومستقبله, وهو المجلس الذي سيصبح قادراً على بحث الحلول للمشكلات والازمات قبل حدوثها, كذلك هو القادر على دراسات افضل سبل الاستثمار وجعلها بدائل جاهزة للانتقال من حال الى حال، مع ضمان عدم تأثر دخل الفرد او التأثير على احتياجاته من السلع والخدمات، لأن تأثر الفرد في ذلك سيؤثر على المجتمع ، فهو شريك تنمية وطنية وناتج محلي ونماء أسري.
إن المعول على مجلس الاقتصاد والتنمية ان يصبح اكثر قرباً للقضايا التنموية والاقتصاديه العالمية من خلال قراءاته للأحدث وتأثير الدول وتوجهاتها وقدرتها في التحكم على رواج السلع الاساسية او انخفاض قيمتها في السوق العالمي وبالتالي مدى تأثير ذلك على اقتصاديات المملكة وناتجها المحلي خاصة وان مصدر دخلها مرتبط بمنتج وحيد ، وقد سعت الكثير منالدول الى اختراع البدائل التي تغني عنه كي لا تكون أسيرة لتذبذباته ونجحت في ذلك كثيراً ولا زالت تصرف على البحوث والابتكارات والاختراعات ميزانيات ضخمة، ولا تتراجع في ذلك لأنها ستستفيد لاحقاً من هذا الصرف الضخم لإنتاج مبادرات بديله من اجل ان لا تقيد نفسها بمصدر طاقة واحد او سلعة يتحكم فيها المنتجون الكبار صعوداً وهبوطاً بمصالحهم البحتة.
هذا المدخل يقودنا الى الاستفسار من مجلسنا الشاب ونقول متى يصبح النفط مصدراً ومنتجاً اعتيادياً كأحد مصادر الدخل بدلا من كونه مصدراً اعتمادياً، حيث اننا نعتمد على اكثر من 90% من قيمة اقتصادنا وايراداتنا على النفط، وما من شك ان لذلك مخاطر جمه في مدى القدره على توفير السيولة اللازمة للصرف على مشاريع التنمية والبنى التحتية التي نفتقد بعضها في بعض مدننا, كما أن لذلك تأثير سلبي على الخطط الاستراتيجية التي تم بناء ارقامها على توقعات بسعر اصبح اليوم اشبه بالحلم, ويكفي ان نشير الى ان سعر برميل النفط حاليا قد انهار بما نسبته 60% من قيمته قبل عدة أشهر.
السؤال هنا: هل يمكن ان تتحقق تطلعاتنا التنموية في ظل منتج واحد حتى وان كنا بسببه نؤثر عَلى الاقتصاد العالمي، وحتى وان أصبحنا بسببه من الدول العشرين، اليس واقع الحال مع اسعار النفط الحالية يجعل اقتصادنا متذبذب مثلما هو سعره, ثم كيف سيكون الامر في الاشهر القادمة فيما لو واصلت أسعار النفط انحدارها ، لا نرغب ان نكون متشائمين ولكن المعطيات لا تدعو الى التفاؤل مطلقاً ، لأننا نعيش حرب اسعار سنكون اول ضحاياها لاعتمادنا الاستراتيجي الطويل عليها.
سوالي هنا ايضا: أهي المرة الأولى التي نقع فيها فريسة لذلك، ونبدأ بسياسة حزم البطن كي نتكيف مع انخفاض سعر النفط وتأثيراته, وما تضطر به الدولة إلى رفع بعض الاسعار او رفع الاعانة عن بعض السلع او اقرار رسوم للخدمات التي هي من حقوق المواطن على دولته او رفع لرسوم اخرى لمواكبة هذه الدورة المزعجة التي قيدتنا لها، لأننا نعتمد في اقتصادنا على منتج واحد، نصعد حين يصعد ونتأخر حين ينخفض، ونجعل انفسنا أسرى لضعف التخطيط وقراءة المستقبل وانتظار الأحداث المؤلمة حتى تقع.
سؤالي هنا أيضا، لماذا لا نأخذ العبرة من الآخرين في بناء اقتصادياتهم وهم الذين كانوا يعتمدون على النفط مثلنا، لقد حققوا ذلك لان تفكيرهم خارج الصندوق البيروقراطي، وقد حققوا ذلك لأنهم اتفقوا على رؤية واضحة وبمدة زمنية محددة بأن يكون اعتمادهم على النفط ثانوياً.
هل يمكن لنا أن نجعل من الصناعة ودعم التصدير للعالم الخارجي عاملاً مؤثراً في ناتجنا المحلي وايرادات ميزانيتنا العامة، وهل يمكن لمجلس الاقتصاد والتنمية أن يضع الخطط الكفيلة التي لا تتجاوز الخمس سنوات، ويمكن من خلالها بأن يعتمد اقتصادنا على الصناعة والتصدير وبحد أدنى لا يقل عن 30%, اين يقع الاهتمام باستثمار الغاز الذي تبشرنا شركة ارامكو كل فترة بالعثور على كميات تجارية منه كي يكون عاملاً مؤثراً في ناتجنا المحلي الاسير للنفط, هل يمكن ان نجعل من السياحة صناعة ونهتم بها كي تكون رافداً اقتصادياً أكثر فاعلية وتأثير, كيف لنا أن ندير الاستثمار الاجنبي وراس المال المستورد بفاعليه تحقق لنا مصدر دخل قومي مؤثراً بدلا من ان ندعمها لتكون مصدر دخل لاقتصاديات اجنبية,كيف لنا ان نقنن التحويلات المالية التي تجاوزت 150 مليار في اشد الاحصائيات تحفظاً، وهذه ليست دعوة لمنعها ولكن دعوة لاستثمارها بما ينفعنا ولا يضرهم , وكيف نحقق في الداخل معادلة التصدير النافع بدلاً من الاستيراد الضار لنصبح شركاء في دولة تتنوع فيها مصادر دخلها ، ويتفاعل معها مواطنوها بشراكة مثالية.
سؤالي الأخير، كيف لنا محلياً ان نقلل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للطاقة والعالم من حولنا يتمنى ان يجد الصحراء والشمس التي لدينا كي يعتمد على الطاقة الشمسية كمصد ر تنمية مستدامة, أليس هناك دول أخرى تنتج من الماء والتبخير طاقة كهربائية تعمل على تشغيل صناعتها بها وكذلك مدن سكنية شاسعة مأهولة بالبشر , ودول اخرى تستفيد من حرق النفايات واعادة تدويرها كمصادر للطاقة تقلل بها الاعتماد على النفط كمصدر وحيد , ونحن لا نزال على مصدر واحد بالرغم من انه يوجد لدينا شركات سعودية تقدم الطاقة الشمسية البديلة في دول كثيرة من العالم ولم تتح لها الفرصة هنا لعدم ايماننا بهذا البديل.
بهذه البدائل وغيرها الكثير الا نستطيع تشكيل الصناعة وتصدير تلك البدائل لتكون رافداً لناتجنا المحلي وايرادات ميزانياتنا السنوية حتى لا تتباطأ خططنا التي تحتاج الاجيال القادمة الى التسارع في تحقيقها لينعموا بها في وطنهم.
اخيراً المستقبل لا يرحم المتخاذلون أو غير المستعدون للأزمات، ولكن في كل منتج فرص ومخاطر ونواحي قوة وضعف ومن يستطيع قراءتها والاستعداد المبكر لها، فإنه دون شك سيحقق النجاح, ومن يدرس البدائل في اتخاذ القرار ويضع الالويات بأوزانها الدقيقة فإنه سيحقق الأفضل منها ثم ينتقل لما بعدها لأن الصورة واضحة وبياناتها دقيقة وهو الأمل الذي يحدونا في مجلس الاقتصاد والتنمية بقيادة أميرنا الشاب محمد بن سلمان، كما لا يفوتني ان أشير الى ان الحمل الاكبر في الخروج من الازمات يقع على عاتق وزارة التخطيط والاقتصاد لان هذا دورها الفعلي وتأثرنا الدائم او تذبذب اقتصادنا المحلي وايرادات الميزانية يقع دون شك على تلك الوزارة ودراساتها المستقبلية وتوأمتها مع الوزارات المؤثرة في هذا الهم الاستراتيجي للدولة المواطن.

   الجزيرة في 5/10/2015م    العدد 15712