ترجمة

شين وقواية عين (أو) كفاية يا هيئة الطيران


د.محمد عبد العزيز الصالح

قبل عدة أشهر، ومن خلال هذه الزاوية، طالبت كما طالب الكثير غيري من الكتّاب، هيئة الطيران المدني بأن تسمح لشركات الطيران الخليجية بالنقل بين مطارات المملكة، خاصة وأن المواطنين قدا عانوا كثيراً من شركات الطيران السعودية المرخصة أثناء تنقلهم بين مطارات المملكة من جهة، إضافة إلى المكتسبات الاقتصادية التي ستعود على الوطن من جراء السماح لتلك الشركات الخليجية بالاستثمار في سوق النقل الداخلي بالمملكة.     
وما إن تم نشر تلك المطالبات حتى تصدى لها عدد من المسئولين في هيئة الطيران المدني وفي المؤسسة العامة للخطوط السعودية موجهين الاتهام لنا معشر الكتاب بأن مطالباتنا لا تتفق مع مصلحة الوطن، كما ذهبوا إلى وصف مطالباتنا بإفساح المجال لشركات الطيران الخليجية بالنقل الداخلي بين مدن المملكة بأنها مطالبات تمس سيادة الوطن، وفي ذلك نجد أن معالي مدير المؤسسة العامة للخطوط السعودية المهندس خالد الملحم قد علق قائلاً: (لا يوجد دولة بالعالم تأتي بشركات عالمية كي تستلم الطيران المحلي، ولا بد أن تكون الشركة محلية .....إلخ) فكيف يصرح معاليه بذلك في الوقت الذي نجد أن الدول الأوروبية تطبقه منذ أكثر من 20 سنة حيث نجد أنه يجوز للشركات الأجنبية (بموجب اتفاقيات معينة) أن تنقل داخل المدن الأوروبية.       
أما هيئة الطيران المدني فقد أكدت بأن إقرار السماح لشركات الطيران الخليجي للنقل داخل المملكة غير وارد في حسابها، وفي هذا نجد أن المدير العام للتنمية التجارية والممتلكات بالهيئة العامة للطيران المدني المهندس علاء سمان قد صرح للصحف قائلاً: (إن السماح لشركات نقل جوي غير سعودية للنقل بين مدن المملكة غير وارد إطلاقاً لما له من تأثيرات سلبية كبيرة عن الناقلات الوطنية، وكذلك على صناعة النقل الجوي بالمملكة.... إلخ).   
وعلى الرغم، أعزائي القراء، من أن تلك التصريحات لمسئولي الخطوط السعودية وهيئة الطيران المدني تقوم على التنظير وتتجاهل ما يعانيه المواطن السعودي منذ سنوات طويلة من ممارسات شركات الطيران المحلية، وعلى الرغم من كونها تصريحات لا تأخذ الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي يتحملها الوطن والمواطن منذ زمن من شركات النقل الجوي المحلية، كما أنها تصريحات أغفلت حقيقة مفادها أن نجاح صناعة النقل الجوي الداخلي لا يمكن أن يتم طالما تم قصر المنافسة على ناقل حكومي لا يزال تحكمه البيروقراطية بعيداً عن الأسس التجارية في تقديم الخدمة، وعلى شركتين أهليتين جديدتين يستحيل أن تقدمان الخدمة المرجوة منهما نظراً لارتفاع مرحلة التأسيس من شراء طائرات وإنشاء بنية تحتية متكاملة.
أقول على الرغم من عدم مناسبة توجه هيئة الطيران المدني طوال السنوات الماضية بإقفال الباب أمام دخول شركات الطيران الخليجية للنقل الجوي الداخلي في مدن المملكة، إلا أن ما لا يمكن قبوله مطلقاً هو ذلك التصريح الذي أطلقه المتحدث الرسمي لهيئة الطيران المدني خالد خيبري للصحف خلال الأيام الماضية عندما صرح لوسائل الإعلام بأنه لا صحة لما كتب في الصحف بأن هيئة الطيران المدني ترفض السماح لشركات الطيران الخليجية بتقديم خدمات النقل الجوي الداخلي بين من المملكة، فكيف يصرح المتحدث الرسمي للهيئة بذلك والجميع يعلم بأن المدير العام للتنمية التجارية والممتلكات بالهيئة سبق أن صرح للصحف بأن السماح لشركات الطيران الخليجية غير وارد إطلاقاً.
والسؤال هنا، هل يعمل هذان المسئولان في هيئتين مختلفتين!!! ثم كيف يذهب المتحدث الرسمي إلى تكذيب ما نشرته الصحف من تصريحات لمسئولين يعملون في نفس الهيئة التي يعمل فيها، ألا يكفي أن الهيئة طوال السنوات الماضية لم تحرك ساكناً إزاء ما يتعرض له المواطن من جراء سوء خدمات النقل الجوي المقدم من شركات الطيران المحلية وإقفالها الباب في وجه شركات الطيران الخليجية، ثم بعد ذلك يأتينا المتحدث الرسمي للهيئة لينفي في تصريحه ما سبق أن صرح به للصحف مسئول آخر في نفس الهيئة، ولكن لا نقول سوى (شين وقواية عين).


      الجزيرة 22 / 8 / 2011م        العدد 14207

تساؤل للمبتعثين والمبتعثات هل ستحققون أماني خادم الحرمين الشريفين؟


                               د.محمد عبد العزيز الصالح

لا شــك أن برنامـــج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي يُعدُّ من المشروعات الطموحة التي سعى الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- من خلاله بعزم لا يعرف الكلل لبناء مجتمع المعرفة، حيث انفقت الدولة ولا زالت تنفق بسخاء على التعليم والتدريب الذي يشكل عنصرًا مهمًا من عناصر بناء المستقبل للوطن والمواطن وخصوصًا في هذه الفترة من الزمن التي واجه فيها معظم دول العالم أزمة طاحنة في المجال الاقتصادي، حيث إن معظم الدول، حتى الكبرى منها تواجه كسادًا اقتصاديًا وإفلاسًا في بعض مؤسساتها المالية، وانهيارًا في سوقها العقاري. لذلك يحق لنا كسعوديين أن نفخر بهذه القيادة التي تسير على خطى ثابتة في بذل الغالي والرخيص من أجل شباب هذا الوطن وتطوير قدراته، ومن خلال هذه المعطيات، نستطيع القول إن الدولة أدت دورها على الوجه المطلوب، ولكن بقي دورنا نحن كمواطنين، وخصوصًا ممن أُتيحت لهم فرصة الابتعاث والاستفادة من هذه العطاءات الخيّرة التي تقدمها الدولة لأبنائها وبناتها.   
أعزائي المبتعثون والمبتعثات: إن البرنامج الذي تتفيؤون ظلاله، وتنهلون من عطاءاته، يُعدُّ أكبر برنامج بعثات علمية بتمويل حكومي كامل على مستوى العالم، وأن ما يميز هذا البرنامج أن الاختصاصات قد تم اختيارها وفق الاحتياجات التنموية الوطنية، لذلك ووفقًا للخطط الإستراتيجية الموضوعة لهذا البرنامج، سوف تحصد الدولة هذا الغرس المبارك بمخرجات إبداعية قوامها الإنسان السعودي الذي أكتمل بناؤه وتأهيله ليأخذ موقعه في ميادين العمل والتنمية المستدامة.   
أعزائي المبتعثون والمبتعثات: لست في حاجة إلى التركيز على دوركم كمبتعثين في تجسيد أهداف الابتعاث عبر الاجتهاد الطموح نحو العلم والابتكار وقيامكم بالدور الثقافي الإيجابي، ومحافظتكم على هويتكم الإسلامية والعربية والسعودية، وبذل ما تستطيعون لأن تكونوا جسرًا للصداقة والتواصل الحضاري بين الشعب السعودي وشعب الدولة التي تدرسون فيها، وأن تمثلوا بلدكم خير تمثيل، وأن تستفيدوا من معطيات الحضارة في البلدان المتقدمة التي تم ابتعاثكم إليها.
أعزائي المبتعثون والمبتعثات: إن وجود أكثر من (100.000) مائة ألف مبتعث ومبتعثة إلى دول العالم المتقدم ضمن برامج الابتعاث لأمر يدعو إلى التفاؤل وخصوصًا إذا نظرنا إلى المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ حينما تعودون إلى أرض الوطن وقد تسلحتم بالعلم والمعرفة والتجربة، حيث سنرى مجتمعنا السعودي يقطف ثمار هذا الغرس الطيب، وسنرى أفواج الخريجين منكم قد عادوا وأسهموا في دفع عجلة التنمية في المملكة إلى الأمام وأصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع، فالله الله بالالتزام بالتخصص الذي ابتعثتم من أجله لأنكم كما تعلمون قد تم تحديد تخصصاتكم بناءً على دراسات دقيقة، واحتياجات قائمة، فأي تغيير لهذه التخصصات سوف يحدث خللاً في هذه الخطط.  
إننا إذا نظرنا إلى الدول الآسيوية وتحديدًا إلى تجربة كوريا الجنوبية، وكيف استفادت من تجربة الابتعاث والتدريب، هذا البلد الفقير في موارده الطبيعية، المصنف في منتصف القرن الماضي ضمن أفقر ثلاث دول في آسيا، وكيف تحول اقتصادها بفضل التنمية البشرية بالتعليم، والتدريب، والابتعاث، وكيف أصبحت في المرتبة الثالثة في قارة آسيا بعد اليابان، والصين، وفي المرتبة العاشرة بين أغنى دول العالم.     
لذلك، ولكي ينجح برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث وغيره من برامج الابتعاث الأخرى، لا بد أن يقدر المبتعثون هذه الفرص ويستفيدون منها، لأن برامج الابتعاث لدينا تتميز عن غيرها من الدول أن تكلفة البرنامج مغطاة بالكامل من قبل الدولة، فهي التي تتحمل تكاليف الدراسة، وتصرف المكافآت للطلاب، وتقدم مصاريف العلاج والكتب والملابس والتذاكر السنوية للمبتعث وأسرته، فكل هذه الميزات قل أن يتمتع بها الطلاب المبتعثون من قبل كثير من دول العالم.     
أخيرًا أتمنى للجميع التوفيق، وأن تعودوا لوطنكم مكللين بالنجاح، حاصلين على المؤهلات التي ابتعثتم من أجلها لترفعوا رأس أهلكم ووطنكم، ولتحققوا أماني مهندس هذا البرنامج وراعية وداعمه بكل قوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ أطال الله في عمره وألبسه ثوب الصحة والعافية.


       الجزيرة    15 / 8 /2011م      العدد 14200

الرحلة الميدانية لسعادة الوكيل



د.محمد عبد العزيز الصالح

نشرت الصحف خلال الأيام القليلة الماضية خبراً مفاده أن وكيل وزارة التجارة والصناعة لشؤون المستهلك قد تخلَّى عن كرسي مكتبه في وزارته ليمارس الرقابة الميدانية على أسعار السلع الغذائية في بعض المحلات التجارية، وقد تمكَّن سعادته أن يرصد مخالفة محل تجاري مما يستدعي إخضاع هذا المحل للعقوبات المالية.
وأنا أقرأ هذا الخبر، تبادر إلى ذهني مرئيات وتساؤلات عدة منها:
- هل يعتقد سعادة الوكيل أن قيامه بالرقابة الميدانية بنفسه واكتشافه لبعض التجاوزات كفيل بتنظيف محلاتنا التجارية من مختلف أنواع الغش التجاري والتجاوزات السعرية التي تطفح بها الكثير من تلك المحلات المنتشرة في جميع مناطق ومحافظات وهجر ومراكز المملكة.   
- ماذا يقصد سعادة الوكيل من تلك الرحلة الميدانية، وماذا يعني اصطحابه لمصورين معه في تلك الرحلة، هل كان يقصد مجرد الظهور الإعلامي، أم كان يعتقد بأن نزوله شخصياً وتفتيشه للأسواق كفيل بتنظيف مئات الآلاف من المحلات التجارية التي تعج بالكثير من المبالغة في الأسعار.       
- صدقوني بعد تلك الرحلة الميدانية لسعادة الوكيل، أدركت سر الفشل الذريع لوزارة التجارة طوال السنوات الماضية في التصدي لجرائم الغش التجاري وكذلك فشلها في كبح جماح التجار من المغالاة في الأسعار والتي راح ضحيتها المواطنون.
- سنوات طويلة ووزارة التجارة تتملص من المسؤولية في قضية حماية المستهلكين من الغش التجاري والمغالاة في الأسعار بحجة عدم توافر أعداد كافية من المراقبين، وقد كنا ننادي الوزارة ومنذ زمن بأنها لن تتمكّن من تطهير الأسواق من تلك الجرائم والمخالفات التجارية التي يرتكبها بعض التجار ما لم تدرك الوزارة بأن غالبية أفراد المجتمع لديهم الرغبة في التعاون مع الوزارة كمراقبين ومفتشين على السلع المغشوشة والتجاوزات التجارية، وقد أكَّدنا مراراً أن الأمر لا يتطلب من وزارة التجارة سوى استصدار عقوبات مالية رادعة بحق أي تجاوزات أو غش تجاري، وأن يعلن للجميع وعبر مختلف وسائل الإعلام بأن كل مواطن أو مقيم سيتم منحه مكافأة مالية لا تقل عن 25% من أي عقوبات مالية يتم تطبيقها بحق أي تاجر متجاوز أو مرتكب مخالفة الغش التجاري، وقد أكَّدنا مراراً أن وزارة التجارة لن تتمكَّن من التصدي لجرائم الغش التجاري إلا إذا أقرت هذه الآلية.
إلا أن سعادة وكيل وزارة التجارة لشؤون المستهلكين وبدلاً من طرق هذا التوجه وتطبيق هذه الآلية والكفيلة بتواجد وانتشار الآلاف من المراقبين من مواطنين ومقيمين في مختلف الأسواق التجارية بمناطق ومحافظات المملكة، نجد أن سعادته قد تصدى للمهمة بنفسه عندما ترجّل عن كرسيه ليتولى مهمة التفتيش الميداني على المحلات التجارية بنفسه. والطريف في الأمر أن سعادته لم ينس أن يأخذ معه مصوراً حتى يوثّق تلك الرحلة الميدانية على الأسواق. عندها أدركت سبب فشل وزارة التجارة طوال السنوات الماضية في حماية المستهلكين من جرائم الغش والمغالاة في الأسعار، وعندها أيضاً أيقنت بأن المستهلك لدينا يحتاج إلى قرون من الزمن حتى تتمكّن وزارة التجارة من توفير الحماية اللازمة له.

 

            الجزيرة  9 / 8/2011م       العدد  14194