ترجمة

الخصخصة وبيروقراطية المسؤول الحكومي

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
في الوقت الذي نشهد فيه توجه الدولة نحو الخصخصة، وفي الوقت الذي نجد فيه أن هناك بعض الأجهزة الحكومية التي إما تمت خصخصتها بالكامل أو أنها في المراحل الأخيرة لتخصيصها. على الرغم من كل ذلك، لا نزال نشهد انتشار الكثير من المسئولين والموظفين في تلك الأجهزة وكذلك في عدد من الأجهزة الحكومية من ذوي الممارسات والأنماط البيروقراطية التي أكل عليها الدهر وشرب التي مما لا شك فيها لها انعكاساتها السلبية على مستوى الخدمات التي تقدمها تلك الأجهزة للمواطنين. في ظني أن هناك عدداً من السبل والسياسات المرنة التي يتوجب على المسئولين في الأجهزة الحكومية الخدمية اتباعها بهدف تفعيل مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
من الأهمية أيضاً أن يتسم المسئول الحكومي والموظفون العاملون في إدارته بروح المنافسة والكفاءة، وإلا يسيطر عليهم الشعور باحتكار الخدمة، ومالم يتسم ذلك المسئول بروح المنافسة، فإن الجهاز الحكومي الذي يرأسه سيعاني مستقبلاً عند تقديم تلك الخدمات مقارنة بالخدمات التي يقدمها القطاع الخاص.
كما أنه من الأهمية أن يكون الهدف هو محور عمل واهتمام ذلك المسئول والموظفين العاملين تحت إدارته وليس مجرد التشبث باللوائح العقيمة ينسون تماماً الهدف الذي يفترض أن يعملوا من أجله، وبدلاً من خدمة الجمهور نجدهم يعملون لخدمة تلك اللوائح والتنظيمات. نعم أن يجنيها المواطنون من الخدمات التي تقدمها إدارته، لا أن يصب تركيزه على مجرد تنفيذ الأنظمة واللوائح التي قد يكون فيها ما يحد من تميز الخدمة المقدمة لجمهور المواطنين.
إن على كل إدارة ومؤسسة حكومية أن تحرص على خدمة عملائها بدلاً من خدمة بيروقراطيتها، ويلاحظ في هذا الخصوص أن هناك الكثير من الأجهزة الحكومية تهمل عملاءها، بل إنه يندر أن يكون هناك مواطن لم يمر بتجربة سلبية في تعامله مع الأجهزة الحكومية الخدمية، وهذا في ظني راجع للبيروقراطية من جهة ولغطرسة وتعالي بعض مسئولي وموظفي الحكومة من جهة أخرى. أعتقد أن التغلب على تلك المشكلة يتطلب أن يكون هناك آلية تركز على تقديم الحوافز والإعانات لموظفي الأجهزة الحكومية التي تنجح في خدمة عملائها وتلبية احتياجاتها.
وطالما أن توجه الدولة يرمي إلى خصخصة العديد من الخدمات التي تقدمها أجهزة الدولة، فإنه من ألاهمية أن يعمل المسئولون في تلك الأجهزة على التفكير في استثمار ما تقدمه أجهزتهم التي يديرونها من أجل خلق مصادر للكسب إذا كان في ذلك تحقيق نفع للوطن وللمواطن. فمن الأهمية ألا يركن المسئول الحكومي إلى مجرد الالتزام بالإنفاق والصرف الموجه.
وأخيراً فإنه ينبغي للمسئول الحكومي أن يستعين بالموظفين الذين لديهم معرفة وخبرة بالأمر الذي سوف يُتخذ قرار بشأنه بغض النظر عن الدرجة والمرتبة الوظيفية لهؤلاء الموظفين، حيث إن خبرة ومعرفة هؤلاء الموظفين قد تتسم بالدقة والدراية بدرجة تفوق معرفة وإلمام مديريهم البيروقراطيين الذين قد يكونون بعيدين عن صلب المشكلة؛ والمسؤول الحكومي يتوجب عليه أن يعمل على الإشادة بالمتميز من موظفي إدارته وأن يتيح لهم الفرصة في المشاركة في الإدارة واتخاذ القرار المناسب، ولكن في ظني أن ذلك لا يتم ما لم يكن ذلك المسؤول الحكومي على درجة من التميز ومدركاً لكل جوانب الإدارة غير البيروقراطية.
18 / 6 / 2005م           عدد 11951
 

متى ستكفون عن تلك الممارسات؟

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
إلى متى سنستمر نشهد يومياً تلك المشاهد المقززة أمام أعيننا؟ وإلى متى سيستمر البعض منا يسيء للكل من خلال تلك الممارسات التي لا تتواكب مع المستوى المتحضر الذي بلغه هذا الوطن؟ وإلى متى ستستمر تلك الفئة في إعطاء صورة لا تتفق مع أخلاقنا كمسلمين وسعوديين؟
نعم إلى متى سيستمر البعض منا (من مشاة أو سائقي سيارات) في البصق على الطرقات العامة وإلى متى سيستمر البعض منا في رمي أعقاب السجائر والعلب الفارغة والمناديل بعد استخدامها وغيرها من النفايات الأخرى في مختلف طرقنا وشوارعنا؟.
شهد الأسبوع الماضي انطلاقة حملة مكثفة في أكثر من ست عشرة مدينة ومحافظة سعودية، تستهدف توعية أكثر من مليون قائد سيارة بأهمية الحفاظ على البيئة وعدم إلقاء النفايات من المركبات باعتباره سلوكاً غير حضاري ومخالفةً يعاقب عليها النظام. وقد حرصت تلك الحملة، التي نظمها مشكوراً كل من نادي الصافي لأصدقاء البيئة والإدارة العامة للمرور، على تعويد مستخدمي المركبات على عدم رمي المخلفات من المركبة من خلال توزيع أكثر من مليون مادة إعلامية توعوية على شكل نشرات وكذلك أكياس بلاستيكية لاستخدامها في جمع النفايات داخل السيارة، حيث قصد من ذلك ترسيخ مفهوم الوعي البيئي والمروري لدى مستخدمي السيارات.
وإذا كنا نشيد بتلك الحملة التوعوية ونثني على الجهود المبذولة من قبل الجهات التي قامت بتنظيمها، فإننا نتساءل عن السبب الذي يجعلنا نسلك مرونة غير مبررة تجاه تلك الفئة التي أساءت لنا جميعاً. أين العقوبات التي تضمنتها الأنظمة التي بلغ على صدورها أكثر من ثلاثة عقود زمنية، التي يفترض أن تطبق على مرتكبي تلك الممارسات غير المتحضرة؟.
لقد أوضح مدير الإدارة العامة للمرور في حديثه لصحيفة الرياض أن المادة (18) من نظام المرور تحظر رمي النفايات في الشارع والبصق في الطريق، وأن نظام المرور يُعاقب كلَّ مَنْ يقوم بذلك بغرامة مالية تصل إلى 300 ريال، وبالتالي فإذا كانت مختلف الطرق والشوارع العامة تشهد وباستمرار تلك الممارسات المقززة من مخلفات وبصق وغيرها، فلماذا لم يتم تطبيق تلك العقوبة المالية التي تضمنها النظام الصادر منذ أكثر من 35 سنة؟. في ظني أن التعاون المنشود بين رجال المرور ورجال الأمانات البلدية للتصدي لتلك الممارسات غير الحضارية يجب أن يكون فاعلاً ومكثفاً ومستمراً، وألا يكون ردة فعل فقط لتلك الحملة بحيث ينتهي ذلك التعاون بانتهاء الحملة.
وفي تصريح لأحد مسؤولي مدينة الرياض (صحيفة الوطن 18-3-1426هـ) أشار التصريح إلى عزم الأمانة بالتعاون مع الإدارة العامة للمرور إلى تطبيق نظام الغرامات الجزائية من خلال حملة تسمى (عين النظافة السرية) بحيث يتم الرصد السري لأرقام لوحات السيارات والمركبات التي ترمي المخلفات في الشوارع وتتم معاملتها معاملة المخالفة المرورية. وفي الوقت الذي نؤكد فيه على أهمية التشدد تجاه تلك الممارسات المقززة وتطبيق العقوبات عليها، إلا أنني أؤكد بأن تطبيق ذلك لا يجب أن يكون سرياً، وبدلاً من التدوين السري لرقم السيارة وتحرير المخالفة المالية سراً، فإن الإجراء الأكثر مناسبة هو العلنية في التطبيق من خلال إيقاف المخالف وإشعاره بمخالفته وبالعقوبة التي ستطبق عليه. في ظني أن تطبيق مبدأ السرية في ذلك لا يحقق سوى دخول مالية إضافية لخزينة الأمانة، أما العلنية في ذلك فتحقق بالإضافة إلى ذلك تثقيف البشر وردعهم عن ارتكاب تلك المخالفات مستقبلاً، وهذا في ظني هو الأهم.
للمعلومية:
ذكر تقرير إخباري أن سيدة في هونج كونج قد تم تغريمها بغرامة مقدارها (192) دولاراً أمريكياً بعد أن سقط منها مفتاح شقتها دون قصد، وفجأة وجدت نفسها محاطة بأربعة من موظفي دوريات القمامة. وقد ذكرت السيدة بأنها عندما انحنت لالتقاط مفتاحها قام هؤلاء الموظفون بمنعها من التقاطه، ظناً منهم أنها قد ألقت قمامة على الأرض بصورة متعمدة.
11 / 6 / 2005م       عدد 11944

المراعي..والريادة الدائمة

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
لا ريب أن التّقدم والتّطور، هما نتيجة التخطيط السليم والرؤى الصائبة، وحين تكون مقومات أي مشروع على مثل هذا الوعي الواسع، والإدراك الحصيف بأهمية التخطيط والمنهج العلمي القويم، فإنه مما لا شك فيه أن النجاح سيكون حليفاً دائماً لكافة توجُّهات ذلك المشروع.
واليوم نقف على شاهد حاضر لما سبق ذكره وهو شركة المراعي المحدودة، والتي استطاعت في بضع عقود من الزمن أن تحفل بمنجزات سبقت الكثير من الشركات القائمة والمنافسة، وما ذلك السبق الفريد في مجالات التصنيع والإنتاج إلا نتيجة حاصلة، نظراً لوجود أُسس النجاح لهذه الشركة، ونشاطها الحيوي، وهدفها الإستراتيجي الذي يتفق، ومتطلبات كافة المراحل. فهذه الشركة لم تتوقف عند المكاسب الاقتصادية البحتة، التي هي الهدف الأساس للمشاريع الخاصة، بل تجاوزت هذا المكسب بكثير، حيث عملت على تحقيق أهداف أخرى تخدم الحركة العلمية والبحثية، فضلاً عن الأنشطة الخيرية والاجتماعية والثقافية التي ترعاها، وهذا يعود في تقديري لوعي الإدارة التي أدركت القيمة الحقيقية من ذلك، كما أن في رعايتها مثلاً للباحثين في مجالات البحوث التطبيقية الخادمة لكفاءتها الإنتاجية المتعددة في مجال تصنيع الغذاء وتسويقه على مستوى العالم. وما يشهد على هذا السعي الصحيح، شواهد كثيرة، منها ذلك التعاون المستمر بين شركة المراعي، وبين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ذلك التعاون الذي أثمر عن جائزة المراعي للإبداع العلمي، التي كانت بادرة وطنية بحتة لدعم وتشجيع العلماء في بحوثهم ودراساتهم العلمية التطبيقية في المملكة العربية السعودية، وتقدِّم الشركة هذه الجائزة سنوياً لتكريم الرواد في مجالات البحث المحققة لأهدافها. هذا ما ألفناه من هذه الشركة الوطنية ومن جهودها المستمرة، ولم يتوقف دورها عند ذلك الحد من التعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز، بل أبدت إدارة الشركة الواعية أفكاراً جديدة نيّرة في ذات السياق المرسوم، حيث وقَّع مؤخراً صاحب السمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير، رئيس مجلس إدارة الشركة مع مكتب التربية العربي لدول الخليج اتفاقية تقضي بتمويل الشركة لجائزة التفوق العلمي لطلاب الدول الأعضاء في المكتب لمدة ست سنوات، وذلك دعماً منها للحركة التربوية والتعليمية في المنطقة. وهذا الدور الذي تلعبه شركة المراعي لم يأت مصادفة، وإنما لكونها مستثمراً فاعلاً في المنطقة، ومستثمراً قادراً على التوسع والوصول إلى أكبر رقعة من المستهلكين والمستفيدين من نتاجها وإسهاماتها الفاعلة في التنمية الوطنية والإقليمية، فهذه الجائزة التي سترعاها الشركة لمدة سنوات خير دليل على كونها حاضرة في الأسواق العالمية، وقادرة على استقطاب الكفاءات العلمية المتميزة على مستوى العالم، لذلك فهي أهل لرعاية طلاب الخليج المتميزين.. محققة بذلك هدفاً جديداً من أهدافها النبيلة، وهو المساهمة في تحقيق تنمية مجتمعية منشودة على المستوى المحلي والإقليمي، والحثّ على البحوث النافعة وتمويلها. وإن كررت في إشادتي الدائمة بهذه الشركة الرائدة فإنه لمن دواعي سروري بذلك لمعرفتي بالإدارة القائمة عليها، وبالمسؤول الأول الذي يدرك تماماً دوره أمام وطنه ومواطنيه، فلم يتحقق هذا النجاح إلا بقدرة هذا الرجل الذي كان أهلاً ومحلاً لكل تقدُّم وريادة، وهو صاحب السمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير، الذي جنى ثمار كل الجهود الصادقة، وحققت مساعيه المراد المطلوب على أحسن أوجه، ولا أبالغ ان رأيت بأن منهج هذا الرجل القيادي أدعى للاحتذاء به، كما أنه من بليغ الامتنان ان يشكر رجال العلم والمعرفة هذه الشركة التي ترعاهم دائماً وأبداً، كما أنه من جميل العرفان أن تكون هذه الشركة مثالاً متميّزاً لكافة شركات ومؤسسات القطاع الخاص، لكونها لبنة من لبنات الاقتصاد الوطني، ولما تميّزت به من تأهيل الكوادر الوطنية، وتعزيز الميزان التجاري لصالح المملكة ودول الخليج، ولما لها من خطط مستقبلية محفّزة لنجاحات أكبر وأوسع.
4 / 6 / 2005م         عدد 11937