ترجمة

العمليات الأمنية لمكافحة المخدرات ومروجيها



د. محمد بن عبد العزيز الصالح

أعلنت وزارة الداخلية يوم الأحد الماضي 13-5-1432هـ عن العديد من النجاحات الأمنية في مجال مكافحة المخدرات، وأشارت إلى أنه على الرغم من تعرض رجال الأمن في

المواجهات مع المهربين وتجار المخدرات للمخاطر، إلا أن وزارة الداخلية تمكنت بفضل الله ثم بفضل رجل الأمن الأول والساهر على راحة المواطن السعودي وأمنه الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية من صد العديد من محاولات التهريب وإدخال السموم إلى البلد، ولعل الأرقام التي أعلنتها الوزارة عن العمليات التي نجحت الوزارة في اكتشافها خير دليل على ذلك.

وبصفتي أحد المسؤولين عن التعليم في المملكة وخاصة المرحلة الجامعية، أجد هذا الإعلان مناسبة جيدة للحديث عن هذه الظاهرة وجهود الوزارة المشكورة لعلاجها، ويمكن القول إن موقع المملكة العربية السعودية الجغرافي، ومركزها السياسي، والاقتصادي، والديني البارز أوجد لها أعداء يسعون بكل قوة وجهد لتدمير مجتمع هذا البلد المسلم المسالم وتفكيك أواصره، وإضعاف مكانته على المستوى الإقليمي والدولي، إما بإشغاله وأجهزته الأمنية بمكافحة المخدرات، وإما بتدمير شبابه بتوفير هذه المواد السامة لهم ليكونوا غير قادرين على حمايته.

كما أن مساحة المملكة الكبيرة والواسعة وامتداد حدودها عبر عدد من الدول العربية المجاورة أوجد صعوبة كبيرة في الحفاظ على هذه الحدود، مما أوجد فرصة لمروجي المخدرات وتجار السموم لإدخال هذه المواد السامة إلى داخل المملكة، كذلك قرب المملكة من بعض مناطق زراعة أو توزيع المخدرات جعلها هدفاً لترويج المخدرات، إضافة إلى ذلك فإن انفتاح المملكة بحكم مركزها الديني ووجود بيت الله الحرام ومسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكونها مقصد المسلمين في شتى بقاع الأرض لأداء فريضة الحج أو العمرة أدى إلى زيادة القادمين إلى المملكة وربما استغلت هذه المناسبات لتكثيف نشاط المهربين وتجار المخدرات.

وإذا ما ألقينا نظرة بسيطة ورجعنا بأنفسنا إلى الوراء فإننا لا نلاحظ هذا النشاط المسموم في توزيع وتهريب المخدرات في السابق، ففي الماضي كانت قضايا المخدرات بسيطة ونشاط توزيعها وتهريبها محدود جداً، وكانت مقتصرة على الاستخدامات الشخصية أو بمعنى أصح لم تكن المملكة مستهدفة تجارياً من قبل تجار المخدرات، ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت ظاهرة المخدرات ظاهرة منتشرة ومؤثرة أشرت إلى بعض أسباب وجودها في بداية المقال.

ولكن إلى جانب هذا النشاط المسموم، وهذا التركيز الهائل على مجتمع المملكة من قبل تجار المخدرات، فإن جهود المكافحة التي تبذلها وزارة الداخلية والإدارات المختصة بها ملموسة، وقد حظيت المملكة بسمعة عالمية في مجال مكافحة المخدرات، ولعل قيام الأمم المتحدة بتقديم الأوسمة والشهادات التقديرية للمملكة خير شاهد على هذه الجهود، كما أن توصياتها لتعميم تجربة المملكة عالمياً لخير شاهد على ما وصلت إليه الأجهزة الأمنية بالمملكة من كفاءة وخبرة في هذا المجال، وذلك لكون الدور الذي تقوم به هذه الأجهزة يشمل جانبين: الأول دور احترازي لمنع هذه السموم للوصول إلى داخل البلاد، فهي تعمل بكامل طاقتها عبر الحدود البرية والبحرية وفي المطارات لاكتشاف هذه السموم على الرغم من استخدام الوسائل الذكية للتهريب. أما الجانب الآخر فهو دور مكافحة هذه السموم حين دخولها البلاد وتعقب المروجين لها من خلال الرجال المخلصين بوزارة الداخلية.

إن اهتمام وزارة الداخلية وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بهذه الآفة المضرة ينطلق من نظرة مبنية على موقف ديني يأتي بالدرجة الأولى، حيث يعلم الجميع بتحريم المخدرات بكافة أنواعها وأشكالها وأسمائها، وصدرت الفتاوى في ذلك حفظاً لكيان الإنسان في ضروراته الخمس: (الدين والعقل والمال والنفس والعرض).

لذلك نجد أن جهود الوزارة في هذا المجال تسير في اتجاهين: الأول فرض الرقابة الأمنية المشددة في كافة المنافذ لمنع تسرب هذه السموم إلى الوطن، ولتحقيق ذلك وفرت الوزارة القوى البشرية المدربة، واستخدام الوسائل المعينة من أجهزة إلكترونية، وكلاب بوليسية وغيرها لاكتشاف هذه السموم، كما أن فرق المكافحة انتشرت في السهول والبقاع والجبال والطرق الوعرة والمناطق النائية لملاحقة المهربين وتجار المخدرات، كما نشرت عددا من أفرادها خارج الحدود لمتابعة خطط التهريب في بلدانها وإحباط المؤامرات والصفقات التي تعقد لهذا الغرض في مهدها.

 

كذلك فإن جهود الوزارة لم تقتصر على هذا الجانب بل شملت إجراء الدراسات والبحوث وقامت بتنفيذ البرامج لدراسة ظاهرة الإدمان؛ لأنه يعتبر الوسيلة الوحيدة لترويج المخدرات وتوزيعها، كما أن علاج مدمني المخدرات وسيلة أخرى للحد من الطلب على هذه الآفة الخطرة، ولأهمية هذا الجانب صدرت الأوامر السامية بإنشاء مستشفيات متخصصة لعلاج الإدمان تحمل اسم (مستشفى الأمل) في معظم مناطق المملكة الرئيسة، كما أن الجانب التربوي لا يقل أهمية عن الوسائل التي تحدثنا عنها لمكافحة هذه الآفة الخطيرة، لذلك نجد الوزارة اهتمت بهذا الجانب لمعالجة هذه المشكلة والحد من خطورتها، وقامت بعقد اتفاقيات مع بعض الجامعات إما لإجراء بعض الدراسات أو البحوث لسبر أغوار هذه المشكلة، أو لإيجاد الحلول للحد من انتشارها بين الشباب، ولعل الخطوة التي أقدمت عليها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لإنشاء مركز لدراسات وأبحاث الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية الهدف منه توظيف المنهج العلمي لدراسة هذه الظاهرة في المجتمع السعودي بجوانبه الثلاثة: (الوقاية، والمكافحة، والعلاج)، كما أن الاتفاقية التي أبرمتها الجامعة مع المديرية العامة لمكافحة المخدرات كأول جامعة تتفاعل تفاعلاً ظاهراً حسياً ومعنوياً وشراكة فاعلة مع الجهة الرسمية المعنية بالدرجة الأولى بهذا الداء العضال والآفة المدمرة.

إضافة إلى ذلك فإن هناك جهوداً كبيرة تقوم بها وزارة الداخلية لإدخال مفردات ومفاهيم تربوية عن أضرار المخدرات لتضمينها المناهج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة، كل هذه الجهود لاشك أنها ساهمت في الحد من هذه الظاهرة، ولكن تبقى جوانب أخرى مهمة لها الدور البارز لحماية الشباب والبنات من هذه الآفة الخطيرة وهو دور الأسرة، والمدرسة، والأصدقاء، والبيئة المناسبة للشاب أو البنت وذلك حتى تؤتي هذه الفعاليات أكلها.

ختاماً، وإزاء تلك الجهود الجبارة التي يقوم بها المسؤولون في وزارة الداخلية وعلى رأسهم سمو الأمير نايف النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو الأمير أحمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية، وسمو الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية، وسعادة اللواء النشط عثمان المحرج مدير عام الإدارة العامة للمخدرات، وكافة العاملين تحت إدارتهم، فإننا نبتهل بالدعاء بأن يكلل الله جهودهم بالنجاح وأن يجعل ما يقومون به من جهد في موازين أعمالهم.

 

  28/4/2011م العدد 14091 

خصخصة الخطوط السعودية؟


د. محمد عبد العزيز الصالح

على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على إعلان الدولة خصخصة العديد من الخدمات المقدمة للمواطنين وصدور قرارات من مجلس الوزراء بذلك، إلا أن ذلك لم يتجاوز التنظير في العديد من تلك الخدمات، وعلى الرغم من إعلان مجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط السعودية منذ أكثر من عقد من الزمن على توجه المؤسسة الرامي إلى خصخصة جميع خدمات النقل الجوي وفق جدول زمني محدد، إلا أننا نلاحظ بأن تلك الخصخصة لم تشمل سوى بعض الخدمات المساندة كالشحن والتغذية (catering)، أما بقية الخدمات الجوية المباشرة المقدمة للراكب سواء في مكاتب المبيعات والحجوزات أو في المطارات أو في داخل الطائرات، فيبدو أن الخدمات التي كانت تقدمها لنا خطوطنا السعودية قبل عشر سنوات لا تختلف كثيراً عن الخدمات التي تقدمها خطوطنا السعودية في الوقت الحاضر.

علماً بأن الظروف الحالية التي تعيشها المؤسسة ليست كالسابقة، فالمنافسة حامية بين شركات الطيران الخليجية لكسب أكبر قسط ممكن من حصة الخطوط السعودية في النقل الجوي سواء بين مطارات المنطقة أو مع مطارات العالم. أما خطوطنا السعودية، فعلى الرغم من توجيهات سمو رئيس مجلس إدارة المؤسسة بالعمل على خصخصة المؤسسة قبل سنين طويلة، إلا أن ما يلاحظه جميع الركاب هو استمرار تقديم الخدمات لهم بأسلوب لا يتفق مع أبسط مبادئ الخصخصة، ومن تتح له الفرصة بالسفر على إحدى شركات الطيران الخليجية سيجد الفرق الكبير بين الخدمات التي تقدمها تلك الشركات وبين الخدمات المقدمة من خطوطنا السعودية في كافة مراحل الرحلة، وذلك ابتداء من عمل الحجوزات وشراء التذاكر وانتهاءً بالخدمات المقدمة في صالة مطار وصول الرحلة.

إشكالية خطوطنا السعودية في ظني أنها أغفلت العنصر الأهم في نجاح الخصخصة، وهو موظفي المؤسسة العاملين في مواجهة ركاب السعودية في جميع مراحل الرحلة سواء في المكاتب أو الصالات أو الطائرات أو غيرها. وما من شك أنه وعلى الرغم من الجهود المبذولة، إلا أن غالبية (ولا أعمم) موظفي الخطوط السعودية لا يزالون بعيدين كل البعد عن تقديم الخدمة المطلوبة منهم للمسافرين وفق أسس تجارية، نعم إن كثيرًا من موظفي الخطوط السعودية لا يزال يتعامل مع الركاب والمسافرين من خلال كونه موظف حكومي. ولا تزال البيروقراطية المنتشرة في الأجهزة الحكومية هي المسيطرة على ذهن غالبية موظفي الخطوط السعودية، واللوم كل اللوم هنا على موظفي المؤسسة من شاغلي الدرجات الوسطى والعليا الذين يتقاضون مرتبات عليا تفوق ما يتقاضاه وكيل الوزارة، أما بالنسبة لصغار الموظفين والذين تم تعيينهم خلال السنوات القليلة الماضية بمرتبات قليلة، فلا نتوقع منهم الخدمة المرجوة، حيث إن لسان الواحد منهم يقول (سأعطيكم على قدر ما تعطونني)، واللوم كل اللوم هنا على الإدارة التنفيذية للخطوط السعودية والتي اعتقدت بأن الخصخصة تعني تعيين الموظف الأقل كلفة وليس الأميز خدمة.

لا أريد أن أطيل عليكم أعزائي القراء، فالحديث يطول ويطول عن الخصخصة التي نسمع عنها ولا نراها في خطوطنا السعودية، ويكفي أن كل منا قادر على طرح عشرات المواقف التي تعرض لها مع خطوطنا السعودية والتي تؤكد بأن الخصخصة في طريق والخدمات المقدمة للمسافرين في طريق آخر، ولكنني سأختم حديثي بالتأكيد على أن خطوطنا السعودية لم تنجح في تقديم خدماتها وفق أسس تجارية، ولم تنجح في تهيئة وتدريب موظفيها لتقديم خدماتها وفق أسس تنافسية، ولم تنجح في جلب مشرفين ومراقبين خبراء غير سعوديين وتكليفهم بتدريب موظفي المؤسسة في المكاتب والصالات والطائرات وتقويم ما يقدمونه من أعمال تجاه عملاء المؤسسة، كل ذلك جعل موظفي المؤسسة يعتقدون أنهم يقدمون الخدمة الأفضل، وكل ذلك جعلهم يعتقدون أنهم لن يتعرضوا للمساءلة عن تقصيرهم في خدمة عملاء السعودية.

ختاماً، لن تتحسن الخدمات التي يقدمها موظفو الخطوط السعودية للمسافرين ما لم يقتنع هؤلاء الموظفين بأن ما يتقاضونه شهرياً من راتب أو مكافآت مدفوعة من قبل هؤلاء المسافرين، وأن راتب الموظف عرضه للمساس في حال تقصيره في خدمتهم. ولن تتحسن الخدمات التي تقدمها الخطوط السعودية ما لم تنجح الهيئة العامة للطيران المدني في صنع نقل جوي داخلي قائم على المنافسة وليس على الاحتكار.

18/4/2011م           العدد  14081 
 

إلى متى تستمر معاناتنا مع شركات الطيران المحلية؟


د. محمد عبد العزيز الصالح

أوصى مجلس الشورى مؤخراً بفتح المجال أمام شركات الطيران الخليجية بالنقل داخل المملكة، وتلك التوصية لمجلس الشورى قامت على مرتكزات اجتماعية واقتصادية على حد سواء، فالمجلس من جهة يدرك حجم معاناة المجتمع السعودي من سوء الخدمة المقدمة من شركات النقل الوطنية سواء من حيث صعوبة الحصول على مقعد، أو من حيث قصور وعدم احترافية الخدمة المقدمة للمسافر سواء في مكاتب المبيعات والحجوزات أو في المطارات، وكذلك في الطائرات، أما من حيث المرتكز الاقتصادي الذي انطلق منه مجلس الشورى في تلك التوصية فيتمثل في دعم جذب الاستثمارات الأجنبية للمملكة، ناهيك عن تلك الأرباح الطائلة التي تحققها شركات النقل الخليجية والتي يطلع عليها الجميع في موازناتها المالية السنوية، وما من شك أن تلك الأرباح لم تكن لتحقق لولا تلك الخدمة المميزة التي تقدمها تلك الشركات الخليجية لعملائها وذلك بسبب التطبيق الأمثل للأسس التجارية التي يفترض أن تقوم عليها شركات النقل الجوي، والتي وللأسف تفتقدها شركات النقل الجوي الوطنية لدينا الحكومية منها والخاصة.

تأتي تلك التوصية الهامة لمجلس الشورى والتي سيترتب عليها الكثير من المكاسب الاقتصادية التي سيجنيها الوطن والمواطن على حد سواء، أقول تأتي تلك التوصية ونحن نسمع تأكيدات المسؤولين في الخطوط السعودية وفي هيئة الطيران المدني برفض فتح المجال للشركات الخليجية بالنقل داخل المملكة. وفي هذا الخصوص يقول معالي مدير الخطوط السعودية ما يلي: (.... لا توجد دولة بالعالم تأتي بشركات عالمية كي تستلم الطيران، ولا بد أن تكون الشركة محلية، مشيراً إلى أن قطاع الطيران غير مربح وخسائره ضخمة ولن يغامر أحد ويخوض مجاله كاستثمار..)، أما هيئة الطيران المدني فتؤكد بأن قرار السماح لشركات الطيران الخليجي للنقل داخل المملكة غير وارد في حسابها في الوقت الراهن، وفي هذا يقول المدير العام للتنمية التجارية والممتلكات بالهيئة العامة للطيران المدني المهندس علاء سمان: (.. إن السماح لشركات نقل جوي غير سعودية للنقل بين مدن المملكة غير وارد إطلاقا لما له من تأثيرات سلبية كبيرة على الناقلات الوطنية، وكذلك على صناعة النقل الجوي بالمملكة ...).

وإزاء تلك التصريحات التي يطلقها المسؤولون في الخطوط السعودية وهيئة الطيران المدني اسمحوا لي أعزائي القراء أن اعلق عليها بما يلي:

1- إنها تصريحات تقوم على التنظير، كما أنها بعيدة كل البعد عن ما يعانيه المواطن السعودي ولسنوات طويلة من قسوة ومعاناة نتيجة لعدم احترافية النقل الداخلي في المملكة، كما أنها تصريحات لا تأخذ في الاعتبار الخسائر الاقتصادية التي يتحملها الوطن والمواطن منذ زمن، وفوق هذا كله فهي تصريحات تتجاهل تماماً أن قطاع النقل الجوي بالمملكة لا يواكب التطورات التنموية التي حققتها المملكة في كثير من القطاعات، كما أنها تصريحات تغض النظر عن ما يعانيه المقيمون في المملكة من معاناة النقل الداخلي، مما قد يسيء إلى سمعة المملكة.

2- إن تلك التصريحات أغفلت فشل الخطوط السعودية وشركتي ناس وسماء في تطبيق القواعد السليمة للخصخصة مما انعكس على عدم قدرتها على تقديم الخدمة المتأمل منها بأقل تكلفة للمواطن السعودي.

3- إن نجاح صناعة النقل الجوي الداخلي لا يمكن أن يتم طالما تم قصر المنافسة على ناقل حكومي لا يزال تحكمه البيروقراطية بعيداً عن الأسس التجارية في تقديم الخدمة، وعلى شركتين أهليتين جديدتين يستحيل أن تقدمان الخدمة المرجوة منهما نظراً لارتفاع تكاليف مرحلة التأسيس من شراء طائرات وإنشاء بنية تحتية متكاملة، وكان المفترض على هيئة الطيران المدني أن تبادر بفتح المجال أمام شركات الطيران الخليجية والتي تتمتع بأساطيل جوية وإمكانات هائلة ناهيك عن تميز تلك الشركات باحترافيتها في تطبيق الأسس التجارية وقواعد الخصخصة مما انعكس على خدمتها المميزة لعملائها من جهة، وتحقيقها لأرباح طائلة من جهة أخرى.

4- على هيئة الطيران المدني عدم تكريس احتكار النقل الداخلي على شركات الطيران المحلية وذلك بحجة تخوفها من التأثيرات السلبية المتوقعة على شركات الطيران المحلية وعلى صناعة النقل الجوي في المملكة، كما صرح بذلك مدير عام التنمية التجارية والممتلكات لهيئة الطيران المدني، فالمفترض على الهيئة أن تجعل هدفها الأساسي هو تقديم الخدمة الجوية الأميز بأقل التكاليف لكل مواطن ومقيم على أرض المملكة.

ولكن الملاحظ أن الهيئة تتناسى هذا الهدف الاستراتيجي وتكرس جهودها لحماية شركات النقل الجوي المحلية بغض النظر عن معاناة المواطنين من الخدمات المقدمة من تلك الشركات.

11 – 4- 2011م     العدد  14074

سعودة الوكالات السياحية

                           

د. محمد عبد العزيز الصالح

عندما أفصح خادم الحرمين الشريفين بأن مشكلة البطالة إنما تمثل الهم الأكبر لديه, فإن ذلك لم يأت من فراغ, فالبطالة لدينا تنطلق من حقيقة مفادها أن أسواقنا تحتضن ما بين 7-10 ملايين عامل أجنبي غالبيتهم للأسف غير مؤهلة, ومن تأهل منهم اكتسب مهاراته في أسواقنا. عندما أصبحت قضية البطالة القضية الأهم لدى خادم الحرمين الشريفين, فإنه -حفظه الله- يدرك ما يمكن أن تجره تلك القضية على مجتمعنا من ويلات اقتصادية واجتماعية وأمنية وأخلاقية وغيرها.

كنت قد تطرقت الأسبوع الماضي لمحلات التجزئة, وقد اعتبرتها السبب الرئيسي في تفشي البطالة بين أولادنا وبناتنا لكون تلك المحلات تحتضن ما لا يقل عن 4-5 ملايين عامل أجنبي, إلا أن ذلك يجب أن لا ينسينا أن هناك الكثير من المؤسسات والشركات الكبرى لا زالت ترفض توظيف الشباب السعودي, وتفضل العمالة الأجنبية على الرغم من عدم وجود فوارق بينهما في التأهيل بل إن الشباب السعودي قد يكون أكثر تأهيلاً, وما من شك أن وكالات السياحة تأتي في مقدمة تلك المؤسسات والشركات الرافضة لأي تواجد لشباب الوطن للعمل فيها. من المؤسف حقاً أن تجد, ومن زمن, بأن هناك جملة من القرارات والتوجيهات التي صدرت من عدد من ولاة الأمر ومن جهات علياً تؤكد على إلزام وكالات السياحة بالسعودة وفق نسب متدرجة, وعلى الرغم من ذلك أبدت الوكالات تجاهلا تاما متناسية في ذلك المكاسب المادية الكبيرة التي هيئتها الدولة لها, ومتناسية أيضاً الدور الوطني الذي يفترض أن تقوم به تلك الوكالات تجاه الدولة والمواطن وذلك من خلال إحلال شباب الوطن بدلاً من العمالة الأجنبية العاملة لديها. ويكفي أن أشير هنا أنه في عام 2004م, أصدر سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز وهو رئيس مجلس إدارة هيئة الطيران المدني عدة قرارات تقضي بقصر التوظيف في وكالات السياحة على السعوديين, إلا أن غالبية تلك الوكالات لم تكترث لتلك التوجيهات, وبتاريخ 22-9-1424هـ, أصدرت إمارة منطقة الرياض وبتوجيه من سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز, أصحاب وكالات السياحة والسفر بالمنطقة مهلة ثلاثة أشهر حتى يتم الإحلال الكامل للشباب السعودي بدلاً من العمالة الأجنبية التي تفيض بها تلك الوكالات, ولتنفيذ ذلك وجه سمو أمير منطقة الرياض المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني, بعقد دورات تدريبية للشباب السعودي الراغب بالعمل في تلك الوكالات, وأيضا لم تكترث وكالات السياحة بكل تلك التوجيهات.

وبعد أن انتقل ملف الإشراف والتنظيم على وكالات السياحة من هيئة الطيران المدني إلى الهيئة العليا للسياحة قبل عدة سنوات, كنت أعتقد بأن هيئة السياحة ستفرض السعودة على تلك الوكالات, ولكن يبدو أن المقاومة العنيفة من قبل تلك الوكالات ضد السعودة قد نجحت, ولا أدل على ذلك من سيطرة العمالة الأجنبية على تلك الوكالات حتى يومنا هذا ودون أن يكون هناك أي تواجد لشباب الوطن فيها.

أعود للقضية الأهم عند خادم الحرمين الشريفين, وهي قضية البطالة, فأوجه رسالة مباشرة لكل من سمو رئيس الهيئة العليا للسياحة الأمير سلطان بن سلمان ومعالي وزير العمل المهندس عادل فقيه, فأقول لهما أنتما تعلمان بأن أعداد العمالة الأجنبية في وكالات السياحة يتجاوز الخمسين ألف عامل تقريباً, وأنتما تعلمان أن شباب وفتيات الوطن أحق بتلك الوظائف, وأنتما تعلمان بأن العمل في الوكالات السياحية لا يحتاج لمؤهلات عالية وكل ما يحتاجه دورة تدريبية مكثفة تتراوح بين 3-6 أشهر, وأنتما تعلمان بأن معدل الرواتب التي تتقاضاها العمالة الأجنبية في تلك الوكالات لا تقل عن ثلاثة أو أربعة ألاف ريال, وأنتما تعلمان بأنكما قادران على تحقيق السعودة الكاملة في تلك الوكالات في مدة لا تتجاوز العامين أو الثلاثة أعوام على أكثر تقدير.

أليس بمقدور سمو رئيس الهيئة العليا للسياحة عدم تجديد ترخيص وكالة السياحة التي لا تعمل على إحلال العمالة السعودية بدلاً من العمالة الأجنبية فيها, أليس بمقدور وزير العمل عدم إصدار أي تأشيرة استقدام لأي وكالة سياحة طالما أن تلك الوكالة لا تسير وفق جدول زمني محدود لسعودة جميع العاملين فيها, لذا فأنني أؤكد لكما بأن خادم الحرمين الشريفين وكافة أفراد المجتمع بانتظار ما ستقومان به لتحقيق سعوده كاملة في تلك الوكالات وفي أقصر مدة زمنية ممكنة.

 4/4/2011م     العدد  14067