ترجمة

هل قصر تعليمنا العالي في تلبية حاجة سوق العمل؟


د.محمد عبد العزيز الصالح


ما إن يدور الحديث حول البطالة وارتفاع معدّلاتها في أوساط الشباب والفتيات السعوديات، إلاّ ونجد الأصوات تتعالى من قِبل القائمين على الكثير من مؤسسات وشركات القطاع الخاص، ملقين باللوم على مؤسسات التعليم العالي ومتّهمين الجامعات باتهامات بأنها تخرج شباباً وفتيات غير متمكّنين من المنافسة على فرص العمل في السوق، ومع احترامي لمن يذهب إلى طرح هذه الاتهام من قِبل رجال القطاع الخاص، إلاّ أنني أؤكد بأنّ هذا الاتهام يجانب الحقيقة، بل إنني لا أبالغ القول إذا قلت إنّ بعض أصحاب المؤسسات والشركات وتهرباً منهم عن واجبهم الوطني بتوظيف شبابنا وفتياتنا، نجد أنهم يرمون التهم جزافاً تجاه مؤسسات التعليم العالي.
وبكل أمانة فلقد خطا كلٌ من مجلس التعليم العالي ووزارة التعليم العالي، خطوات جبارة في سبيل تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وحاجة سوق العمل، وذلك في ظل المعطيات الخيّرة التي بذلتها وتبذلها الدولة ـ وفّقها الله ـ في سبيل توفير فرص التعليم، ومن تلك الجهود ما يلي:      
1- لقد نجح مجلس التعليم العالي في التوسع في إنشاء العديد من مؤسسات التعليم الجامعي، حيث ارتفع عدد الجامعات الحكومية من (7) إلى (24) جامعة، يندرج تحتها المئات من الكليات والأقسام العلمية، ومن الأهمية الإيضاح بأنّ جميع الكليات والأقسام العلمية التي تم إنشاؤها تحت مظلّة الجامعات الجديدة، هي كليات علمية تطبيقية أو صحية، إضافة لبعض الكليات في التخصصات المالية والاقتصادية والتي هناك حاجة لمخرجاتها في سوق العمل.        
2- بالنسبة للجامعات القديمة، قام مجلس التعليم العالي في ظل توجيهات رئيس المجلس خادم الحرمين الشريفين، بإعادة هيكلة الكثير من الكليات والأقسام العلمية في تلك الجامعات، حيث تم التركيز على التخصصات التي تتواءم مع حاجة السوق، والحد من التخصصات التي هناك فائض لمخرجاتها.   
3- بتوجيه من مجلس التعليم العالي، نجد بأنّ جميع الجامعات قامت خلال السنوات الماضية بتطوير منهجيتها وخططها الدراسية، لتكون أكثر مواءمة لاحتياجات السوق، وقد طوّرت الجامعات خططها الدراسية بالتنسيق مع الجهات الموظِّفة في سوق العمل كوزارة العمل والغرف التجارية وغيرها.       
4- فيمــــا يتعلق بالتعليم العالي الأهلي، فإنّ مجلس التعليم العالي وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين رئيس المجلس، وافق على إنشاء عشر جامعات أهلية وما يزيد على ثلاثين كلية أهلية خلال السنوات القليلة الماضية. الجدير بالذِّكر أنّ جميع التخصصات التي تم تبنِّيها من قِبل تلك الجامعات والكليات الأهلية، هي تخصصات تتواءم مع احتياجات سوق العمل. إضافة لذلك، فإنّ جميع الحوافز التي أقرّها مجلس التعليم العالي للجامعات والكليات الأهلية من قروض ميسّرة ومنح طلابية مقتصرة على التخصصات التي هناك حاجة لمخرجاتها في سوق العمل.        
5- فيما يتعلّق ببرامج الابتعاث، فقد تم ابتعاث ما يزيد على المائة والخمسين ألف مبتعث ومبتعثة خلال السنوات القليلة الماضية، علماً بأنّ جميع التخصصات التي تم قصر الابتعاث عليها، هي تخصصات تلبّي احتياج سوق العمل.        
6- غالبية الجامعات في المملكة بدأت خلال السنوات القليلة الماضية تتبنّى برامج السنة التحضيرية لجميع التخصصات، علماً بأنّ هذه البرامج تركِّز على تزويد الطالب بمختلف المهارات التي يتطلّبها سوق العمل، مثل مهارة اللغة الإنجليزية وعلوم الحاسب ومهارة الاتصال وغيرها.  
ختاماً، وبعد تلك الجهود المتواصلة التي بذلها كلٌ من مجلس التعليم العالي ووزارة التعليم العالي في سبيل سد الفجوة بين مخرجات المؤسسات التعليمية وحاجة سوق العمل، لذا أعتقد بأنه لم يَعُد من المناسب على بعض رجال القطاع الخاص، إلقاء اللوم على مؤسساتنا الجامعية.


                الجزيرة 17 /10 /2011م     العدد 14263

مسؤولية الناخب ونجاح التجربة


د.محمد عبد العزيز الصالح

ونحن نسير بهذا الوطن إلى تجارب أكثر تقدماً وأكثر فاعلية في ميزان التحضر والرقي, وذلك من خلال عملية انتخاب مجالس البلديات, نقف هذه الأيام أمام المحك الحقيقي لنجاح هذه التجربة وانطلاقها على أسس من الوعي والمعرفة اللازمين كشرط أساسي لحصاد مثمر ولائق بهذا الوطن وأهله, فخلال اليومين الماضيين, و فتح المجال لكل مواطن أن يدون صوته في قائمة الناخبين وأن يشارك المشاركة الحقة في بناء لبنة من لبنات هذا الوطن وأن يكون أهلاً لما قررته الحكومة الرشيدة لصالحه ونظمته حقاً قائماً له.      
لقد جاءت اليومين الماضيين لتمثل الصورة الحقيقية للمواطن الصالح صاحب الصوت الناخب, والوطن بكافة مؤسساته انتظر من هذه الناخب أن يتقدم بصوته ليختار العضو الذي سيمثل حقوقه ومطالبه في مجلس البلدية.
ولا شك أن هذا الحق في الاختيار لم يوضع إلاً من أجل هؤلاء الناخبين, وإنني على يقين بأنهم قد التزموا بتقديم مصالح الوطن على المصالح الشخصية, كما أنني على يقين بأن اختياراتهم لم تتأثر بأهواء شخصية أو قبلية, وأنهم قد تجاوزوا المفاهيم التقليدية التي تعيق هذه التجربة وتنحاز لتكتلات غير خادمة ولا نافعة للصالح العام, كما أنني على يقين بأن أهداف الناخبين قد اتسمت بالعمومية وخدمة المجتمع كاملاً, متجاوزين في ذلك المكاسب الفردية, وأنا على يقين أيضاً بأن عملية التصويت لم تتحكم بها العوامل القبلية أو الفكرية أو المذهبية, لقد استثمر الناخبين التصويت استثماراً حضارياً تحكمه قيم أخلاقية في المقام الأول, ومن تلك القيم التي يحضّ عليها ديننا الإسلامي الأمانة, وقد قال الله في محكم تنزيله: (إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال, فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان, إنه كان ظلوماً جهولا), و قال الرسول المصطفى (ص): (لاَ إيمَانَ لِمَنْ لاَ أمَانَة لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ).     
فالأمانة قيمة راسخة في النفس تهذب الإنسان, وهذه القيمة السامية تُؤدى في عملية الانتخاب على عدة مستويات, أولها أمانة أمام الله, حيث لا رقيب غيره سبحانه وتعالى, فعملية التصويت أو الاقتراع عملية سرية يقوم بها الناخب ولا يشاركه فيها أحد وبالتالي لن يكون هناك حسيب في أول الأمر سوى الله عز وجل والخبير بما تخفي الصدور, فعلى الناخب أن يراقب عند التصويت خالقه وأن يختار من هو أهلٌ لذلك, ففي هذا مرضاة لله أولاً وأخيراً, وهناك أمانة على الناخب أمام وطنه, فلا بد من أدائها له على الوجه الحسن, وذلك من خلال الاختيار الأمثل للعضو المناسب صاحب البرنامج الانتخابي الذي يتوافق وطموحاته, وهناك أمانة تقع على عاتق الناخب أمام نفسه ومواطنيه, فهو عندما يعطي صوته للمنتخب الكفء, فإنه بذلك يحقق أهداف عملية الانتخاب ويضع الأمور في نصابها من حيث وصول الأعضاء المستحقين إلى المجالس البلدية والتي هي قناة عمل الجميع, فمتى كان ممثلو المواطنين في هذه المجالس أكفاء وذوي أهداف مشتركة ومتجانسة, فإنهم حتماً سيعكسون الصورة الحقيقية لعملية الاقتراع النزيهة والصحيحة التي قام بها المقترعون, كما أن ذات الناخب سيلمس مصداقيته وأمانته في العائد عليه من أعمال المجالس وعلى الوطن من شعب ومؤسسات.    
إن عملية الانتخابات البلدية تعد بمثابة التمحيص الحقيقي للحسّ الوطني لدى المواطن الناخب والذي بدوره لم يصوت لغير كفاءة وطنية عالية يتسم بها العضو المنتخب ولديه من الرأي السديد ما يؤهله ليكون واجهة المواطنين الناخبين له, وسيظهر أثر ذلك على أداء الأعضاء المنتخبين ونتاجهم في الأعمال المتعددة داخل المجالس, وكل هذه المنجزات ستصب في حقول الوطن الأخرى, وإن كانت الأعمال في هذه المرحلة قاصرة على بعض الخدمات, فالغد منتظر ليكون لهذه المجالس أدوار واسعة في شتّى المجالات الخدمية للمواطنين من تعليم وصحة وغذاء ومواصلات وترفيه, لذا على المواطن الناخب اليوم أن يعي قدر مسؤوليته أمام الله ثم وطنه ومواطنيه.


     الجزيرة  3 / 10 / 2011م     العدد 14249