ترجمة

الدكتور العيسى وعالمية عدالة التوثيق


د. محمد عبد العزيز الصالح

عندما يكون تقييم أي من القطاعات التنموية أو الجوانب الإجرائية في المملكة صادر عن مؤسسة محلية (أهلية أو حكومية) أو إقليمية, فهذا أمر, ولكن عندما يأتي هذا التقييم من قبل جهة دولية محايدة بحجم البنك الدولي فهذا أمر آخر, وبالتالي فإنه عندما يحقق هذا القطاع أو الإجراء مركز الصدارة على المستوى العالمي ومن قبل البنك الدولي, فإننا هنا لا نملك سوى أن نقف وقفة تقدير واحترام للقائمين على هذا القطاع والذين جعلوا سمعة وطنهم رهانهم الأكبر, لقد أخلصوا العمل وأرضوا الضمير, فانتصر الوطن.  
أكتب ذلك بمناسبة تمكن وزارة العدل من وضع اسم المملكة العربية السعودية في مركز الصدارة عالمياً بالنسبة لسرعة تسجيل الملكية العقارية وذلك بحسب التقرير الذي أصدره البنك الدولي الخاص ببيئة الأعمال لعام 2009 - 2010, ويكفي أن نشير في هذا الخصوص للزيارات التي قامت بها تلك الوفود الممثلة للبنك الدولي لمكتبات العدل بالمملكة وذلك للتحقق من مصداقية الأرقام والإجراءات المعلنة على أرض الواقع.    
إن ما يميز هذا الإنجاز العالمي الذي حققه رجال وزارة العدل أنه جاء متزامناً مع الانطلاقة الفعلية لمشروع الملك عبدالله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء, هذا المشروع الذي خصص له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (7) مليارات ريال لدعم المرافق القضائية والعدلية وتسهيل إجراءتها واختصار خطواتها, ولذا أبدع معالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى, وكافة الرجال المخلصين الذين يعملون تحت إدارته عندما لم يكتفوا بتحقيق النقلات النوعية في كافة المحاكم وكتابات العدل فحسب, وإنما نجد أنهم تمكنوا أيضا من رد الجميل والعرفان لخادم الحرمين الشريفين عندما تمكنوا من وضع اسم المملكة في طليعة التصنيف العالمي بين الدول في سرعة تسجيل الملكية العقارية.          
لم يأتي تبؤ المملكة لمركز الصدارة العالمي في تسجيل الملكية العقارية من فراغ, وإنما جاء نتيجة جهود حثيثه بذلها المخلص من الرجال في فترة زمنية قصيراً جداً قياساً بما تحقق من إنجاز ليس لوزارة العدل فحسب وإنما للوطن بأكمله.
نعم لقد جاء هذا الإنجاز العالمي كتأكيد على تمكن وزارة العدل من تطوير بيئة العمل داخل كتابات العدل, كما يأتي هذا الإنجاز شاهداً على تميز وزارة العدل في مجال تطبيقات الحكومة الإلكترونية والتي طالما وجه بها خادم الحرمين الشريفين, وما من شك أن الاستخدام الأمثل للتقنية الحديثة في وزارة العدل قد أدى إلى اختصار الكثير من الخطوات في سير الأعمال القضائية والعدلية, وإذا كان خادم الحرمين الشريفين قد طرح الثقة في معالي وزير العدل لكي يحدث تطوير نوعي للقطاعات القضائية والعدلية, فإن الدكتور العيسى قد أحسن في طرح الثقة في العديد من الرجال المخلصين عندما وُفق في اختيار الكفاءت القيادية التي تُسير دفة كتابات العدل بأمانة وإخلاص, كما حرص معاليه على تطوير قدرات تلك الكفاءت البشرية عندما وجه باعتماد أكثر من مائة برنامج تدريبي لأكثر من أربعة الآف كاتب عدل وموظف من منسوبي الأجهزة القضائية والعدلية, فكانت النتيجة, سرعة في الإنجاز, وتذليلاً في الإجراء, واختصاراً للخطوات, وقبل ذلك كله, انتصاراً للوطن.     
وما من شك أن هذا الكسب العالمي الذي أسهمت وزارة العدل في تحقيقه للوطن سيكون له انعكاسه الإيجابي على البيئة الاقتصادية والاستثمارية في المملكة, حيث يتوقع أن يسهم ذلك في دفع الكثير من المستثمرين الأجانب لضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع العقاري وغيره من القطاعات الاستثمارية الأخرى في السوق السعودي, نعم إن اختصار الخطوات وتذليل الإجراءات الناتج عن الاستخدام الأمثل للتقنية سيسهم في إنهاء إجراءت المستثمرين لنقل ملكية عقاراتهم (بيعاً أو شراءً) في وقت قياسي, مما يعني دعماً لحركة بيع وشراء الأصول العقارية مما سيسهم معه في حل مشكلة الإسكان وذلك نتيجة جذب المطورين العقاريين.            
ختاماً, خالص التهنئة لكافة الرجال المخلصين والذين في وزارة العدل وكتابات العدل كانوا محل ثقة ولاة الأمر بهم, وخالص التهنئة لنا جميعاً كسعوديين على هذا الإنجاز العالمي الذي حققته وزارة العدل وسجل باسم الوطن بأكمله.


في  24/1/2011م                    العدد 13997

متى سيقتنع رجال الأعمال بخريجي الجامعات

               
د. محمد عبد العزيز الصالح

يقوم عدد من كبار رجال الأعمال من وقت لآخر وعبر وسائل الإعلام المختلفة بتوجيه كامل اللوم إلى مؤسسات التعليم العالي، متهمينها بأنها لا تأخذ في الاعتبار المتغيرات في سوق العمل، وأن مخرجاتها لا تناسب حاجة السوق.
وفي الحقيقة، لو أن مثل هذا اللوم وهذا الاتهام لمؤسسات التعليم العالي موجه من أي رجل أعمال صغير لا صفه لهم، لهان الأمر، ولكن أن يأتي هذا الاتهام من قبل رجال أعمال كبار، فهذا ما لا يمكن تقبله. حيث إن إطلاق مثل هذا الاتهام جزافاً لمؤسسات التعليم العالي إنما يعني حث رجال الأعمال في المملكة على عدم توظيف شبابنا وبناتنا خريجي الجامعات لعدم اقتناع هؤلاء التجار بكفاءاتهم، كما يعني ذلك تفضيلهم للعمالة الوافدة لا لشيء سوى لرخص تكلفتها، ولقد كان على أمثال هؤلاء التجار وقبل أن ينالوا من مؤسسات التعليم العالي أن يطلعوا على الكثير من المستجدات الإيجابية الهيكلية والمنهجية التي شهدتها الجامعات السعودية خلال السنوات القليلة الماضية.
فهل يعلم هؤلاء التجار بأن عدد الجامعات السعودية ارتفع خلال العشر سنوات الماضية من ثمان إلى ثلاث وعشرين جامعة، وأن الجامعات الجديدة (15 جامعة) تحتضن أكثر من (250) كلية جديدة جميعها تركز على تخصصات متوائمة مع حاجة سوق العمل.
وهل يعلم هؤلاء التجار بأن كافة الجامعات في المملكة قد تم إعادة هيكلتها لتكون مخرجاتها موائمة لسوق العمل، وهل يعلمون أن الكليات والأقسام العلمية بالجامعات تقوم بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل قبل اعتماد أي خطة أو منهجية لتلك الأقسام والكليات. وهل يعلمون بأن وزير العمل ووزير الخدمة المدنية أعضاء في مجلس التعليم العالي وأنهما لا يوافقان على إنشاء أي كليات أو تخصصات جديدة ما لم تكن ملبية لحاجة سوق العمل.
وهل يعلمون بأن هناك لجنة تم إنشاؤها منذ عدة سنوات في مجلس التعليم العالي ممثلة بوكلاء الوزارات الأعضاء في المجلس، وأن مهمة هذه اللجنة التأكد من حاجة سوق العمل لأي كلية أو تخصص جديد.
وهل يعلم هؤلاء التجار بأن الجامعات السعودية بدأت خلال السنوات القليلة الماضية بإدراج السنة التحضيرية لجميع طلبة الجامعات، حيث يدرّس فيها ما يحتاجه سوق العمل من لغات أجنبية ومهارات الحاسب ومواد عن أخلاقيات العمل.
وهل يعلمون بأن العشر سنوات الماضية شهدت إنشاء حوالي عشر جامعات أهلية وأكثر من أربعين كلية جميعها تقدم برامج وتخصصات تتواءم مع حاجة سوق العمل.
وهل يعلمون بأن الدولة - حفظها الله - ابتعثت خلال الست سنوات الماضية أكثر من مائة ألف مبتعث ومبتعثة للخارج جميعهم في تخصصات يحتاجها السوق، وسنرى إن كان هؤلاء التجار سيتيحون لهم الفرصة لأبناء وبنات الوطن بالعمل لديهم أم أن استمرار توظيف العمالة الأجنبية الرخيصة والأقل تكلفة سيكون هو المسيطر عليهم.

في 17/1/2011م                                 العدد 13990

أربع سلع فاسدة سنويا لكل مواطن

                                          
د. محمد عبد العزيز الصالح

جاء التقرير السنوي لوزارة التجارة والصناعة لعام 1431هـ والخاص بنتائج أعمال هيئات ضبط الغش التجاري متضمناً قيام وزارة التجارة والصناعة بإتلاف أكثر من سبعة وخمسين (57) مليون سلعة من المواد الغذائية الفاسدة التي لا تصلح للاستخدام الآدمي, كما تضمن التقرير إحالة (887) قضية غش تجاري لهيئة التحقيق والادعاء العام. وإزاء هذا الخبر المفجع, اسمحوا لي أعزائي القراء أن أطرح بعض المرئيات ومنها:
- على الرغم من أن موضوع تفشي الغش التجاري في أسواقنا من الموضوعات التي تم تغطيتها بكثافة في مختلف وسائل الإعلام, كما أنها من الموضوعات التي طالما شهدت نقداً وتذمراً من مختلف شرائح المجتمع, وقد أدى ذلك إلى إنشاء عدة أجهزه متخصصة لحماية المواطنين من جرائم الغش التجاري التي يقوم بها البعض من التجار ومنها هيئة حماية المستهلك وجمعية حماية المستهلك, هذا بالإضافة إلى ما تقوم به الإدارات ذات العلاقة بوزارة التجارة وكذلك في مصلحة الجمارك, وقد كنا نعتقد أن تلك الجهود ستؤول إلى تنظيف أسواقنا من انتشار تلك السلع الفاسدة, إلا أن الطامة تمثلت في تضاعف حجم تلك السلع غير الصالحة للاستخدام الآدمي, فهل يعقل بعد كل تلك الجهود أن يبلغ عدد السلع الفاسدة التي تم ضبطها في عام واحد فقط (1431هـ) أكثر من (57) مليون سلعة فاسدة, مما يعني أن نصيب كل مواطن منها (4) سلع فاسدة.*         
- تضمن التقرير إحالة (887) قضية غش تجاري لهيئة التحقيق والادعاء العام, والسؤال المطروح هنا, ماذا تمخض عن تلك القضايا وهل صدر عنها عقوبات رادعة كفيلة بالقضاء نهائياً على السلع المغشوشة ووقف بعض التجار عديمي الذمم عند حدهم الذين لا يترددون في المتاجرة بحياة المواطنين من خلال تسويقهم لتلك السلع الغذائية الفاسدة. وهل صدرت أحكاماً بالتشهير بهؤلا التجار وسجنهم والتشهير بهم وإقفال محلاتهم طالما أنهم يرتكبون جرائم إنسانية من خلال متاجرتهم بحياة المواطنين من خلال تسويق تلك السلع الفاسدة.
الجواب بكل تأكيد لا, لم يصدر مثل تلك الأحكام الرادعة, ولو تم ذلك لما وصل حجم السلع الغذائية المنتشرة في أسواقنا وغير الصالحه للاستخدام الآدمي سنوياً إلى (57) مليون سلعة. وللمعلومية فقط, إذا كان حجم السلع الفاسدة التي تم ضبطها في أسواقنا (57) مليون سلعة على الرغم من محدودية إمكانات وقدرات جهات ضبط الغش التجاري, فهذا يعني بأن السلع التي لا تصلح للاستخدام الآدمي والتي لم يتم ضبطها وإنما تم التهامها وأكلها من قبل المواطنين تتجاوز المئات من الملايين من السلع الفاسدة سنوياً, مما يعني زيادة الأنفس البريئة التي تُقتل سنوياً من جراء ذلك, فإلى متى السكوت على ذلك, وإلى متى المرونة غير المبررة في التصدي لتلك الجرائم الإنسانية. وإذا كانت وزارة التجارة قد ضمنت تقريرها السنوي ضبط (57) مليون سلعة في عام 1431هـ على أنه أحد إنجازات الوزارة, فإنني أعتقد بأن ضبط تلك الكميات الهائلة من السلع التي لا تصلح للاستخدام الآدمي سنوياً في أسواقنا لا يعتبر إنجازا وإنما هو إدانة وتقصير من قبل كافة الجهات ذات العلاقة.        

* (57 مليون سلعة ÷ 16 مليون نسمة = 4 سلع تقريباً).

 في 3/1/2011م                    العدد 13976