ترجمة

بكاء وطني

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
يحقُّ للموت أن يغيِّب من حياتنا من يختاره الله إلى جواره، ويحق لنا أن نبكي خاصتنا فقط ومَن يؤلمنا رحيله، وهذه سنة الحياة، إلا أنه الآن يحق للوطن من البحر إلى البحر أن يبكي فقيده العم الفاضل والمعلم القدير الشيخ عثمان بن ناصر بن عبد المحسن الصالح الذي ترجل عن الحياة الدنيا بعد احتسابه وصبره على المرض الذي لازمه في السنوات الأخيرة من عمره المديد في خدمة هذه البلاد.
فرحيله مصاب جلل يماثل رحيل الرموز العظيمة التي يتداركها الموت من بين الأبناء والأصحاب، ونكابد من بعد هذه الرموز الحزن المهول والألم الفادح، فخسارتهم تفوق الأهل والأسر، وتغشى الوطن كاملاً الذي هو اليوم يعيش حزناً بالغاً على عَلَم من أعلام التربية والتعليم على مدى سبعة عقود من الزمان قضاها معلماً كريماً طيباً معطاء، تتعطر الألسن بذكره وإحصاء مناقبه الحسنة وفضائله الشماء.
نعم، كلنا نبكي رجلاً واحداً اجتمعت أمة كاملة على شهادة واحدة بأنه عبر من هنا فاضلاً بروح ستخلد فينا جميعاً. وإن هذا لمن دواعي الغبطة والسرور، إذ إن تلك الشهادة مبشرة برضا الله عزّ وجلّ الذي أحسن مقامه فينا وأجزل في أرواحنا الوفاء لهذا الرجل الفريد، فأحببناه حياً. ومصداقاً لهذا العرفان النبيل من الناس فقد أحبوه ميتاً، هذا حين توالت دموع الوداع عليه، وتقاطر الجميع شيباً وشباباً مواسين معزين ذوي هذا الرجل الصدوق.
نعم، تدافعت الوجوه بحزنها على المواساة والتعزية لأبنائه وبناته الذين يخلفونه في هذا الحب الكبير، وهم أهل لذلك أبداً، وهم على علم بأننا شركاء غرماء في هذا المصاب وهذه الخسارة البالغة، فليس لأسرته وحدها أن تحزن ولا لعشيرته، بل لهذا الوطن الكبير أن يعصب الرأس من فرط خسارته، وأن يقوم أهل هذا البلد بأداء الوفاء كاملاً وخالصاً في أبلغ صوره وأطهرها إلى الشيخ عثمان الصالح، فتكريم اسمه الجليل واجب وطني لا شك فيه، وهو ما يعرف عن هذه البلاد التي تحفظ لرموزها أسمى معانيهم وتخلدهم للأجيال القادمة.
والدي الفاضل عثمان الصالح: كأني بمدارسك ومعاهدك الأولى تبكي فراقك، فعقود الزمان من عمرك التي مضت في إعداد لبنات إنشاء تلك المدارس والمعاهد والتعليم فيها لم تذهب سدًى، ولن تذهب بموتك وقتاً قابلاً للنسيان، فأنت جذرها الذي لا يهرم، وأنت جذعها الوثيق ومنهلها الأول، فها هو غرسك يظهر طلعه من تلاميذك الذين صاروا رجالات دولة يرصُّون البناء الشامخ ويشيدون في صرح الوطن، نبراسهم في ذلك بذرة التربية التي وهبتها فيهم، وحرثك التعليمي والخلقي الذي نالوا منه الكثير. ولا تقلُّ المرأة شأناً في بقائها على وفاء عظيم لشخصك وما قدمته لها من سند وتقدير لدورها في الأمة.
والدي الراحل: المداد سينضب إن تتبَّع سماتك التي فاضت بها قلوب المحبين وارتجاها القاصي قبل الداني، فاليوم يقف الجميع صفاً واحداً في ذكر حميد لشخصكم الطاهر ولسان حالهم: إن فضل الله يؤتيه من يشاء، وفضله العظيم عليك أن رفع شأنك بينهم وطهَّر سمعتك، وهذا يحمل النفس التي تعرفك على التمني والرجاء أن تكون مثالها في السيرة الحميدة شرفاً وخلقاً وحفظ جميل لمن واكب عمرك تجاربهم في العلم والإصلاح والإرشاد.
والدي الذي غادرنا:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمول
وعلى أكتافنا التي عزَّ عليها حملك إلى فراق دنيوي أخذناك إلى مثوى كلنا بالغوه، أخذناك إلى فراق يفطر القلب، ويغرب الروح، هذا وكلنا أمل أن نتسع لهذا الحزن، وأن نكون كباراً كشخصك، فلا تكسرنا حسرة، ولا يخذلنا ألم، فعذرك إن بكينا جميعاً، وعذرك أن اشتقنا ليديك، فنحن كما ربَّيتنا على هدى قويم، يأسر قلبنا ميثاق سماوي، ولخطواتنا صراط مستقيم ارتضاه لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال عند موت ابنه إبراهيم: (والله إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، فكيف بنا يا والدي الرحيم أمام فراقك؟!
والدي: إننا نقف اليوم شاكرين لله عزّ وجلّ حامدين، وسبحانه الذي لا يُحمد على مكروه سواه.. نحمده ونشكره على أن اصطفانا بك واختارنا لهذا البلاء، فنحن أهل للصبر عليه واحتسابه، ونحن أولى بالسؤال أن يثقل الله ميزان حسناتنا حين اعتصمنا به - سبحانه القدير - ولجأنا إليه، فثبَّتنا أمام مصابنا فيك.
والدي: نعدك أولاداً، تلاميذ، أهلاً، عشيرة، وطناً، أن نكون كما ارتضيت لنا في عزة ومنعة من كل مكدر لهذه الأمة النقية، وأن نكون نجباءك الذين لا يخذلون وصاياك، وسواعدك التي لا تهون في هذا الوطن، وسيرتك الخالدة التي لا تنقطع بصروف الزمن.
والدي: هذا عهد منا ووعدنا ما بقينا من بعدك كثيراً أو قليلاً في هذا العمر، ف{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَي أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} صدق الله العظيم.
والدي الذي لم يمت: إلى عليين في جوار رب العالمين، وعسى الله أن يلحقنا إلى رفقة الصالحين؛ إنه سميع مجيب.
28 / 3 / 2006م         عدد 12234

ما يُفترض على المتداولين في السوق القيام به

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
مع التذبذب الحاد الذي يشهده مؤشر سوق الأسهم حالياً، ومع القلق الذي ينتاب المتداولين في السوق خاصة الصغار منهم ترقباً للمستوى الذي سيستقر عليه المؤشر، ومع استمرار التهم المتبادلة حيال من تقع عليه مسؤولية ما حدث للسوق، وهل تتحمله هيئة السوق أم كبار المستثمرين، أم أن الجميع بما فيهم صغار المتداولين يشتركون أيضاً.
وحيث تطرقت في زاوية الأسبوع الماضي إلى ما يفترض على هيئة السوق أن تقوم به من خطوات قد تسهم في الحد من تكرار ما تعرض له السوق من انتكاسة فإنني سأستعرض اليوم عدداً من الجوانب التي أرجو أن يأخذها المتداولون في السوق، وخاصة الصغار منهم، حتى يجنبوا أنفسهم ويلات ما قد تجرهم السوق إليه، ومن تلك الجوانب ما يلي:
- يجب تجنب اقتناء أسهم الشركات الخاسرة مع أهمية اقتناء أسهم الشركات ذات العوائد الربحية، نعم يجب الابتعاد عن شراء أسهم الشركات التي يكون سعرها السوقي لا يعكس المركز المالي الحقيقي للشركة، ومن السهل لكل متداول في السوق أن يطلع على المركز المالي للشركة عن طريق الإنترنت، إضافة إلى ما تعلنه جميع الشركات كل ثلاثة أشهر، أما أن نعمي أبصارنا ونتجاهل كل ذلك ونقوم بالشراء في أسهم شركات خاسرة، وعندما تأتي (الفاس بالراس) نأتي ونوجه اللوم على الهيئة أو على غيرها، ففي ظني أن ذلك غير مقبول على الإطلاق، ويجب أن نتعلم مما تعرضت له السوق.
- نظراً لارتفاع حدة المخاطرة في أسواق الأسهم فإنه ينصح بعدم استثمار كل ما يملكه الشخص في سوق الأسهم، فمن الحكمة أن يتم توزيع رأس مال الشخص (مهما صغر حجمه) إلى قنوات استثمارية متعددة، كما أن من الحكمة أن يبقي الشخص جزءا من ماله كسيولة في حسابه يستفيد منه عند تعرض السوق لهبوط حاد.
- من الأهمية أيضاً أن لا يضع الشخص أمواله المستثمرة في سوق الأسهم في شركة واحدة أو اثنتين، فمن الحكمة أن يتم توزيع المال المستثمر في السوق على الشركات الرابحة في قطاعات مختلفة، وذلك من خلال اقتناء سهم الشركات الرابحة في مختلف قطاعات السوق الصناعية والبنكية والخدمات والاتصالات... وهكذا.
- من الأهمية أن يتجنب المتداولون في السوق، وخاصة الصغار منهم، الحصول على أي تسهيلات بنكية بأي حال من الأحوال. إن درجة المخاطرة والتذبذب في سوق الأسهم مرتفعة جداً، وقد شاهدنا كيف أن بعض الشركات فقدت أكثر من 70% من قيمتها السوقية خلال أقل من شهر، وإذا كنت ذكرت سابقا أن قيام الشخص باستثمار كل مدخراته الأساسية التي يأكل بها قوت عيشه في سوق الأسهم ضرب من الجنون، فإنني أؤكد أن دخول الشخص في تسهيلات بنكية إنما هو قمة الجنون.
- من الأهمية أن يبتعد المتداولون في السوق عن الإشاعات وأيضاً تجنب بعض المواقع ومنتديات الإنترنت التي تقوم بخدمة بعض المحافظ الكبيرة في السوق، وعلى صغار المتداولين عدم الاعتماد على أي معلومة عن السوق أو عن إحدى شركات السوق إلا إذا كانت تلك المعلومة موثوقا من مصدرها.
25 / 3 / 2006م             عدد 12231

ما يُفترض على هيئة السوق القيام به

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
لا أعلم هل لنا أن نطلق على ما تعرَّض له سوق الأسهم خلال الأيام الماضية تصحيحاً أم انهياراً؟
لا أعلم هل نفرح على ما تعرَّض له سوق الأسهم من نزيف حاد حيث سيكون ذلك في صالح كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى أم أننا نبكي على ما تعرَّض له البعض من أقربائنا وأصدقائنا المضاربين في السوق، الذين طارت منهم تحويشة العمر، أو أوشكت أن تطير؟
لا أعلم هل نلقي اللوم في ما تعرض له السوق على هيئة السوق أم على كبار المستثمرين أم على صغارهم وهم الذين أقحموا أنفسهم في تسهيلات بنكية محرمة ومضاربات مجنونة أودت بهم إلى المجهول أم أن الجميع يشترك في المسؤولية؟
في الوقت الذي نرجو من الله سبحانه وتعالى أن لا يتعرَّض مؤشر السوق لذلك النزيف الحاد مرة أخرى فإنني ومن خلال هذه الزاوية سأستعرض عدداً من الخطوات التي أتمنى أن تؤخذ في الاعتبار من قبل القائمين على هيئة السوق ومن تلك الخطوات ما يلي:
- قد لا أتفق على مع من يرى بأن قرار الهيئة بخفض نسبة تذبذب السهم من 10% إلى 5% أو أن توقيت هذا القرار بأنه سبب في ما تعرَّض له السوق من هبوط، لكنني اتفق مع من يحمِّل الهيئة مسؤولية التضخم غير المبرر الذي بلغته أسعار غالبية أسهم السوق فكيف تسمح الهيئة بتضاعف سعر سهم شركة عشرات المرات على الرغم من علم الجميع بالخسائر القادمة التي تعيشها تلك الشركة.
- على الهيئة أن تكون أكثر حزماً وصرامة في معاقبة المتلاعبين في السوق.. على الهيئة ألا تكتفي بمجرد تطبيق الغرامات المالية وإنما يتوجب عليها أيضاً تطبيق عقوبة السجن أيضاً، كما أن على الهيئة أن تدرج عقوبات التشهير أيضاً بحق هؤلاء المتجاوزين وذلك على غرار ما يتم تطبيقه في سوق دبي.
وقد لا نتفق مع المتحدث الإعلامي للهيئة، الذي أشار في إحدى القنوات الفضائية إلى عدم إمكانية تطبيق عقوبة التشهير بحجة عدم نص لوائح الهيئة على ذلك وأن لا عقوبة إلا بنص.. نعم ما ذكره المتحدث الإعلامي صحيح، لكن كان على الهيئة أن تبادر ومنذ زمن إلى اقتراح إدراج تلك العقوبة ورفع ذلك للجهات صاحبة الصلاحية لإقرارها إضافة إلى ذلك فإن على الهيئة أن تحدد المدة الزمنية التي تجاوز فيها هؤلاء المتلاعبون حتى يمكن لكل متضرر منهم مقاضاتهم.
- على الهيئة أن تمارس الصلاحيات المخولة لها بموجب نظام ولوائح السوق والتي تقضي بحق الهيئة في خفض نسبة الارتفاع أو الهبوط اليومي لمؤشر السوق إلى ما دون ال (5%) وذلك في الحالات التي يتعرض فيها السوق إلى ارتفاعات حادة وتضخم غير مقبول في أسعار الشركات أو في حالة تعرُّض السوق إلى انهيار حاد له انعكاساته السلبية على اقتصادنا الوطني وعلى صغار المتداولين مع التأكيد على عدم لجوء هيئة السوق إلى مثل هذا الخفض إلا في أضيق الحدود.
- على الهيئة التنسيق مع الجهات الآلية ذات العلاقة من أجل إعادة النظر في التسهيلات البنكية التي تقدمها البنوك للمتداولين وبحث مدى ملاءمة القيود المتبعة في ذلك، وكذلك العمل على الحد من التسهيلات البنكية التي تقدمها البنوك للمضاربين في السوق خاصة عندما يكون التداول على أسهم الشركات الخاسرة ذات المضاربات الحادة.
- على الهيئة التنسيق مع الجهات المالية ذات العلاقة من أجل توجيه وإلزام البنوك بخفض العمولة التي تتقاضاها على المتداولين والمقدرة بخمسة عشر في الألف (15%) نظراً لضخامة أعداد المتداولين وكذلك كبر حجم المبالغ التي يتم تدويرها يومياً التي تبلغ المليارات.
وأقترح في هذا الخصوص أن يتم قصر فرض تلك العمولة على حالة الشراء فقط دون البيع مع إمكانية خفض تلك النسبة إلى عشرة في الألف بدلاً من خمسة عشر في الألف.
- ما زالت الهيئة بطيئة جداً في معالجة الكثير من الأمور أو البت في العديد من القضايا فلماذا تأخرت الهيئة في السماح لمواطني دول المجلس بشراء وبيع الأسهم في السوق على الرغم من صدور موافقة الجهات الرسمية العليا منذ زمن على ذلك ولماذا تأخرت الهيئة في تنظيم الصناديق العقارية والتي سبق أن اُنيط تنظيمها للهيئة منذ زمن.
18 / 3 / 2006م         عدد 12224

أسهم المضاربة جنون في جنون

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
وبدأت الحركة التصحيحة للسوق، وبدأ تهاوي الشركات (الخشاش) كما يحلو لبعض المضاربين تسميتها.. نعم بدأت أسعار تلك الشركات تتجه في المسار الذي يعكس حقيقتها وإن كانت تلك الأسعار لا تزال بعيدة كل البعد عن عكس المركز المالي المتردي الذي تعيشه تلك الشركات.
لقد تمادى الكثير من المضاربين في السوق في التهافت على اقتناء وشراء أسهم تلك الشركات المتردية على الرغم من التحذيرات المتكررة منها سواء من قِبل مسؤولي هيئة سوق المال أو من قِبل عدد قليل من المحللين الماليين العقلاء من خلال القنوات الفضائية والصحافة المقروءة.
لقد تهافت الكثير من المضاربين في السوق على شراء أسهم تلك الشركات (الخشاش) وبأسعار مرتفعة على الرغم من علمهم بالخسائر الفادحة التي تعيشها تلك الشركات، نعم لقد تمنى الكثير من المضاربين في السوق التجاهل بأنهم يعلمون بأن تلك الأسعار العالية لا تعكس المركز المالي الحقيقي لتلك الشركات.
فهل يعقل أن يصل سعر شركة غارقة في الخسائر مثل شركة بيشة إلى حوالي الخمسة آلاف ريال (حيث تم قسمة السهم لسهمين عندما كان سعر السهم 2000 ريال) في الوقت الذي كان سعر السهم لا يتجاوز الخمسين ريالاً قبل عامين فقط. وهل يعقل أن يصل سعر المواشي إلى أكثر من 270 في الوقت الذي كان سعر السهم لا يتجاوز 15 ريالاً قبل ثلاثة أعوام فقط، ونحن جميعاً نعلم بالوضع المالي المتردي للشركة، وهل يعقل أن تتضاعف أسهم بعض الشركات لعدد من المرات خلال فترة وجيزة مثل شركة السيارات والتعمير ونحن نعلم أن الأرباح التي أعلنتها تلك الشركات أرباح غير تشغيلية وإنما جاءت نتيجة بيع أراضٍ تملكها تلك الشركات، هذا بالإضافة للعديد من الشركات الأخرى التي حققت أرباحها نتيجة قيامها بعمليات مضاربة في أسهم الشركات الأخرى في السوق.
نعم الجميع يعلم بالوضع المتردي المالي الذي تعيشه الكثير من شركات السوق ومع ذلك سمح المضاربون لأنفسهم بأن يرفعوا أسعار تلك الشركات بشكل غير مقبول على الإطلاق، وللأسف أن بعض الصناديق قد أسهمت في ذلك.
لقد انساق هؤلاء المضاربون خلف ما يتحفنا به بعض من يسمون أنفسهم بالمحللين أو الخبراء في السوق، نعم ففي الوقت الذي يدرك الجميع بالمبالغة في أسعار أسهم تلك الشركات الخاسرة نجد من يتحفنا في بعض القنوات الفضائية بأن تلك الشركات لا يزال أمامها الكثير من الصعود ويذهب هؤلاء المحللون إلى التركيز على السيولة الهائلة التي يتم ضخها في السوق وكذلك الارتفاع الملحوظ لسعر برميل البترول، مع تعمد هؤلاء المحللين تجاهل الاوضاع المالية المتردية التي تعيشها تلك الشركات.
وإنني لأتعجب من أولئك المضاربين الذين يلقون باللوم على الدولة وعلى هيئة سوق المال بعدم التدخل من أجل وقف أي نزول تصحيحي للسوق، فهؤلاء المضاربون لا تسمع لهم صوتاً عند استمرار الصعود المبالغ فيه، أما عند نزول السوق فالاتهامات توجه للجميع.
قد لا تروق كتابتي اليوم للبعض من المضاربين في السوق، لكنني أعتقد أنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح، وبمعنى أكثر وضوحاً فإن سعر السهم الذي يعكس المركز المالي الحقيقي للشركة لا يعتبر سهماً استثمارياً وإنما هو سهم مضاربة، وكما هو معلوم فإنه يستحيل أن يستمر سهم المضاربة على وتيرة تصاعدية واحدة ولا بد له من نزول بحجم صعوده، والطامة أن غالبية أسهم الشركات في السوق السعودي، قد أصبحت أسهم مضاربة والذكي من يستوعب الدرس الآن ويخرج بالمقسوم من السوق أو أن يتخلص من أسهم المضاربة في محفظته ويتحول إلى الأسهم القيادية في السوق قبل أن يطرده السوق.
وللمعلومية فإنه ومن خلال هذه الزاوية أعود وأكرر بأن مؤشر الناسداك وهو أحد أهم مؤشرات الأسهم في السوق الأمريكي قد وصلت أسعار الأسهم فيه عام 2000م إلى أسعار خيالية لا تعكس المركز المالي لتلك الشركات، وقد حذَّر خبراء السوق من ذلك إلا أن المضاربين لم يعيروا تلك التحذيرات أي أهمية، فكانت النتيجة أن انحدر مؤشر السوق بما نسبته 80% تقريباً حيث هوى من حوالي ستة آلاف نقطة إلى حوالي ألف ومائة وخمسين نقطة.. فهل يستفيد المضاربون في سوقنا السعودي مما تعرض له غيرهم من المضاربين في أسواق المال الأخرى الأكثر نضجاً من أسواقنا.
خاتمة:
من يشتري سهم شركة دون معرفة الوضع المالي لتلك الشركة، في ظني أن ذلك يُعتبر ضرباً من الجنون، لكن الأكثر جنوناً أن يقوم الشخص بذلك من خلال مدخراته الأساسية التي يأكل بها قوت عيشه وعائلته، أما قمة الجنون فتتمثل في ذلك الشخص الذي يقوم بذلك من خلال دخوله في تسهيلات بنكية.
11 / 3 / 2006م         عدد 12217

دعمنا للبحث العلمي خطوة للأمام وعشر للخلف

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
كشف تقرير صادر عن جامعة الدول العربية أن هناك نحو أربعمائة وخمسين ألفاً من العلماء والأطباء والمهندسين ذوي الكفاءات العالية من العرب موجودون حالياً في الدول الأوروبية والأمريكية بسبب أن مجتمعاتهم أصبحت طاردة بالنسبة لهم مما جعل ظاهرة هجرة العقول العربية للخارج كارثة حقيقية. كما أعد مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية دراسة أوضحت أن نسبة كبيرة من الطلاب العرب في الخارج لا يعودون لأوطانهم، وذكرت الدراسة أن نحو 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب.
وفي اثنينة عبدالمقصود خوجة حيث تمت استضافة الدكتور زغلول النجار أستاذ علوم الأرض ورئيس لجنة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنّة النبوية في مصر ذكر الدكتور النجار أن أعداد العقول العربية التي تهاجر إلى العالم الغربي تقدر بألف عالم وتقني في اليوم الواحد، مشيراً إلى أن سبب ذلك يعود إلى غياب البيئة المناسبة للعلماء في العالمين الإسلامي والعربي.
كما تضمن تقرير اقتصادي بثته إحدى الفضائيات العربية مؤخراً أن هناك أكثر من مائتي وثمانين ألف عالم عربي متميز في مجالات الطب الأساسي الذي يعود إلى القصور الواضح والضعيف الملحوظ في المناخ البحثي وبيئة العمل العربية التي لا تحفز على الإنتاج ولا تهتم بالمبدعين.
ومن الإحصائيات التي ذُكرت أثناء استضافة المملكة للعالم المسلم العربي الأصل والأمريكي الجنسية أحمد زويل أن ما يزيد على الخمسمائة ألف من المتميزين في المجال العلمي والبحثي في الدول الإسلامية قد هاجروا خلال العشرين عاماً الماضية إلى دول العالم الغربي.
كما سبق أن صرح مدير مكتب براءات الاختراع في دول مجلس التعاون الخليجي بأن (5%) فقط في طلبات إصدار براءات الاختراع المرفوعة لمكتب براءات الاختراع في دول مجلس التعاون الخليجي هي من مواطني دول المجلس في حين أن بقية طلبات إصدار براءات الاختراع الأخرى (95%) هي من أشخاص لا ينتمون لأي من دولنا العربية والإسلامية بأي صلة.
وأمام تلك الأرقام والإحصائيات المخصصة لا نملك أن نقول سوى أن عالمنا العربي والإسلامي قد خسر الكثير من الباحثين والعلماء نتيجة أننا استخسرنا أن نوفر لهم احتياجاتهم البحثية بتقصيرنا غير المحمود في دعم البحث العلمي؛ ويكفي أن نعرف أن نسبة ما يتم تخصيصه للبحث العلمي في موازنات الدول ما تخصصه الدول الصناعية لذلك ما بين (2.5 - 2.9%) وقد نتج عن ذلك أن نسبة المتفرغين للبحث العلمي التقني في عالمنا الإسلامي لا يتجاوز ما نسبته 1.18% من مجموع المتفرغين للبحث العلمي في العالم.
وأمام تلك الحقائق المريرة فيما يخص قصورنا في دعم البحث العلمي الذي نتج عنه هجرة الكثير من العقول العربية والإسلامية، فإننا نتساءل عما إذا كان الدور السلبي في دعم البحث العلمي سيستمر سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى القطاع الخاص، ولكن في ظني أننا سنظل نعاني كثيراً وطويلاً قبل أن نتمكن من الإجابة عن هذا التساؤل.
4 / 3 / 2006م         عدد 12210