ترجمة

مدى استعداد القطاع الخاص لمنظمة التجارة

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
تمخضت الزيارة التاريخية التي قام بها الأسبوع الماضي صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني للولايات المتحدة الأمريكية عن العديد من النتائج الإيجابية. ومن أهم تلك النتائج إعلان البيت الأبيض الصريح بدعم ملف انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية. إن حرص القيادة السعودية على دعم انضمام المملكة إلى منظمة التجارة إنما يأتي من الحرص على تحقيق جوانب متعددة، منها إيمان تلك القيادة بأن المملكة لا يمكن أن تعيش بمفردها خارج المجتمع الاقتصادي والتجاري العالمي؛ حيث بلغ عدد الدول التي انضمت إلى تلك المنظمة (148) دولة، ولم يتبقَّ من الدول ذات الثقل الاقتصادي التي لم تنضم بعدُ سوى المملكة وروسيا كما يأتي حرص القيادة على دعم ملف الانضمام إلى تلك المنظمة الدولية انطلاقاً من إدراك تلك القيادة لعدد من المكتسبات الاقتصادية التي سيجنيها المواطن السعودي، خاصة أن الانضمام سيترتب عليه فتح أسواق المملكة للكثير من السلع والخدمات الأجنبية دون حواجز جمركية؛ مما يعني زيادة معروض تلك السلع والخدمات في أسواق المملكة، وبالتالي انخفاض تكلفة شرائها واقتنائها وفي سبيل تحقيق ذلك الانضمام، ومن ثَمَّ تحقيق تلك المكتسبات الاقتصادية للمواطن السعودي، نجد أن الدولة قد خاضت جولات تفاوضية متعددة مع العديد من الأطراف الأمريكية واليابانية والأوروبية وغيرها، كما عملت على تعديل الكثير من الأنظمة واللوائح، إضافة إلى تحرير الكثير من السياسات الاقتصادية والتجارية بهدف تسهيل عملية الانضمام، وبالتالي فإذا كانت الدولة قد قامت بالكثير من الجهود في سبيل إزاحة الكثير من العقبات السياسية والاقتصادية والتنظيمية التي كانت تعترض ملف انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، ويأتي آخر تلك الجهود ما تمخضت عنه قمة كراوفورد بين سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي، وبعد أن أصبحت المملكة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك الانضمام، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا يتمثل فيما إذا كان القطاع الخاص قد أنهى استعداده فعلياً لخوض غمار التحدي والمنافسة الجديدة التي ستبدأ مع انضمام المملكة إلى تلك المنظمة العالمية فهل تدارس المعنيون من رجال القطاع الخاص كافة التحديات والآثار الإيجابية والسلبية على المنظور القريب والبعيد التي ستلحق بتجارتهم من جراء الانضمام إلى منظمة التجارة؟ وهل أعدوا العدة لمواجهة تلك التحديات؟ وهل تم نشر الوعي لدى كافة منسوبي القطاع الخاص؟ وهل تم إجراء القدر الكافي من الدراسات المخصصة لذلك وهل أدرك رجال الصناعة أن المزيد من الاندماجات والتكتلات بين أصحاب الصناعات الواحدة سيكون هو الملاذ الوحيد لكسب المنافسة القادمة، خاصة إذا ما علمنا أن أكثر من 75% من المؤسسات التجارية والصناعية لدينا هي مؤسسات صغيرة ومحدودة ويصعب عليها المنافسة؟
وهل أدرك رجال التجارة في مجال تجارة التجزئة أن مصيرهم محفوف بالمخاطر في ظل المنافسة القادمة ما لم يعملوا من الآن على الاندماج والاتحاد لمواجهة تلك المخاطر؟
وهل أدرك المعنيون في القطاع الخاص أهمية البدء في تطبيق آلية التجارة الإلكترونية التي يمكن من خلالها تسويق البضائع وخدمة العملاء في منازلهم في مختلف دول العالم بأقل تكلفة؟
وهل أدرك أصحاب المؤسسات الزراعية أن انضمام المملكة سيترتب عليه خفض الدعم المحلي الذي تقدمه الدولة لهم بواقع 13.3% سنوياً؛ مما يعني توقُّف ذلك الدعم الحكومي المقدَّم لهم تماماً خلال فترة لا تزيد على عشرة أعوام؟ كما أن انضمام المملكة سيؤدي إلى زيادة الواردات الزراعية الأجنبية بواقع 14% سنوياً، فهل أعدَّت مؤسساتنا وشركاتنا الزراعية العُدَّة لمواجهة تلك التحديات؟
وهل أدرك تجار الخدمات أن اتفاقية تجارة الخدمات (GATS) سوف تسمح لمورِّدي الخدمات الأجانب بدخول السوق المحلية ومنافستهم دون حواجز، وبالتالي لن يكون هناك مجال للتمييز بين تجار الخدمات السعوديين والأجانب؟
خلاصة القول، إذا كانت القيادة السعودية عملت كل ما في وسعها من أجل تذليل العقبات التي تعترض انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية من أجل تحقيق المكاسب للاقتصاد السعودي وللمواطن السعودي على حدٍّ سواء، فإن ما يتوجب وضعه في الاعتبار من قِبل رجال القطاع الخاص في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والزراعية والخدمية أن يُدركوا أن المكاسب التي يمكن أن يحققوها من جراء هذا الانضمام هو أمر مرهون بما يقومون به من جهود لتحقيق ذلك، وما عدا ذلك فإن المستقبل قد لا يكون مطمئناً لهؤلاء التجار.
 
30 / 4 / 2005م          عدد 11902

كيف تميزت أجهزتنا الأمنية؟

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
تعرض وطننا الحبيب على امتداد العامين الماضيين لأعمال إرهابية غاشمة لم يكن حدوث تلك الأعمال الإرهابية مقتصراً على منطقة معينة من مناطق المملكة، وإنما طالت أضرارها عدداً من المناطق والمحافظات، ومما زاد الأمر حيرة وتعقيدا أن من قام بتلك الأعمال الإجرامية هم من أبناء هذا البلد ومواطنيه، وعلى الرغم من فظاعة تلك الأحداث التي تعرضت لها مملكتنا الغالية، إلا أننا لا يمكن أن ننكر تلك المواقف المشرفة لرجال الأمن في سبيل القضاء عليها، وما من شك أن أجهزتنا الأمنية تميزت وبشكل لافت في التعامل مع والتصدي لتلك الأحداث. ومن الجوانب التي يمكن الإشارة إليها لتأكيد تميز أجهزتنا الأمنية ما يلي:
- أن أجهزتنا الأمنية لم تكن في يوم متسرعة في كشف الحقائق عند حدوث أي حدث أو اعتداءات إرهابية، وعلى الرغم من قيام بعض القنوات الفضائية ببث بعض المعلومات المغلوطة عما وقع من اعتداءات وذلك بأسلوب قد يكون فيه مساس وانتقاص من أجهزتنا الأمنية، إلا أن القائمين على تلك الأجهزة قد تعاملوا مع ذلك بكل هدوء كما هي عادتهم، فلم يكن يصدر بيان من تلك الأجهزة حتى تتضح كامل الحقيقة، وما من شك أن هذا الأسلوب قد أعطى الجميع مصداقية متناهية في ما يصدر عن تلك الأجهزة حيال ما وقع من أحداث.
- على الرغم من فظاعة تلك الأعمال الإرهابية التي لم يسبق أن شهدتها المملكة، إلا أننا كنا نرى رجال الأمن وهم في منتهى الأدب ودماثة الخلق في تعاملهم مع الجميع وذلك في مختلف المواقع ومراكز التفتيش؛ مما أسهم في بث الطمأنينة والسكينة في نفوس المواطنين والمقيمين، فوربي أن هذا ليحسب لرجال الأمن، كما أنه قد أسهم في تميز أجهزتنا الأمنية في تعاملها مع تلك الأحداث.
- إن مما يزيد من تميز أجهزتنا الأمنية في تصديها لتلك الأحداث أن تلك الأحداث لم تكن محصورة في منطقة بعينها، فالمملكة تتكون من ثلاث عشرة منطقة ومئات المحافظات والهجر، علماً بأن بعض المدن السعودية تفوق في حجمها وسكانها بعض الدول المجاورة، وعلى الرغم من ضخامة الرقعة الجغرافية والكثافة السكانية وتباعد أطراف المدن والمحافظات، إلا أن ذلك لم يثنِ أجهزتنا الأمنية عن التميز من خلال سيطرتها على مختلف تلك الأحداث.
- إننا لم نكن متعودين في المملكة على مثل تلك الجرائم والأعمال الإرهابية، فقد عرف عن المملكة - ولا تزال - أنها أكثر البلاد أمنا وطمأنينة، وفي ظني أن أجهزتنا الأمنية قد تميزت في تعاملها مع تلك الأعمال الإرهابية التي انتشرت بشكل مفاجئ وفي مناطق مختلفة من المملكة.
- إن مما زاد القائمين على أجهزتنا الأمنية بعداً آخر من التميز، أنهم تعاملوا مع تلك الفئة الضالة من الإرهابيين من موقع المسؤولية وبعد النظر، ويتضح ذلك عندما أعلنت الدولة - حفظها الله - منحها مهلة زمنية لمن يرغب من تلك الفئة الضالة العودة إلى رشده ومن ثم التنازل عن الحق العام بحقه، وقد أدى ذلك إلى قيام بعض الإرهابيين بتسليم نفسه.
- أيضاً ومما يؤكد على تميز أجهزتنا الأمنية والقائمين عليها في تعاملها مع تلك الأحداث الإرهابية، تمكن وإجادة تلك الأجهزة في الجوانب الإعلامية سواء من حيث سرعة ودقة التغطية أو من خلال عمق البرامج الإعلامية الأمنية المتخصصة، أو من خلال ما تبثه مختلف القنوات الإعلامية لدينا من حلقات نقاش لمختلف الدعاة والتربويين وطلبة العلم.
- وأخيراً فإن مما يؤكد تميز أجهزتنا الأمنية في تعاملها مع تلك الأحداث الإجرامية هو أن الإرهابيين والمجرمين ليسوا معروفين وليسوا واضحي المعالم حتى يمكن السيطرة والقضاء عليهم، فهم ليسوا أجانب أو من فئة محددة، وإنما هم منا وفينا، نعم هم من أبناء هذا البلد - وبكل أسف - وهذا مما زاد الأمر صعوبة على رجال الأمن. ويكفي أن نشير هنا إلى أن الولايات المتحدة ومعها الكثير من الدول لم تنجح حتى هذا الوقت في القضاء على ابن لادن في أفغانستان أو على الزرقاوي في العراق على الرغم من مرور سنوات، أما لدينا فقد تمكنت أجهزتنا الأمنية من السيطرة والقضاء - إن شاء الله - على تلك الفئات الإرهابية غامضة المعالم.
كلمة تقدير يجب أن تسجل بحق كل رجل من رجال الأمن أياً كان موقعه، ونخص بالذكر رجل الأمن الأول نايف بن عبد العزيز ونائبه أحمد بن عبد العزيز ومساعده محمد بن نايف بن عبد العزيز، وجميع الرجال المخلصين العاملين تحت قيادتهم.
حفظ الله هذا البلد من شر الحاقدين وعبث العابثين.
23 / 4 / 2005م     عدد 11895

وماذا بعد ظهور نظام البيع بالتقسيط؟

 
د. محمد بن عبد العزيز الصالح
قرر مجلس الوزراء الموقر خلال جلسة الأسبوع الماضي الموافقة على مشروع نظام البيع بالتقسيط والذي تم الرفع به من قبل وزارة التجارة والصناعة، وقد جاء الخبر متضمناً ان من أبرز ملامح هذا النظام قصر مزاولة عمليات البيع بالتقسيط على الشركات والمؤسسات المرخص لها من قبل الوزارة، كما جاء مشترطاً على المشتري بالتقسيط أن يقدم للبائع رهناً او كفالة غرم إلى ان يتم سداد كامل الاقساط.
من الملاحظ أن ظاهرة الشراء عن طريق التقسيط وإن كانت توحي بجدواها الإيجابية على الشخص المشتري إلا أنها تحمل داخل طياتها العديد من الجوانب السلبية والتي يتأثر بها هؤلاء المشترون، ولذا فإننا نتمنى ان يتضمن النظام الجديد مواد توفر الحماية للمشترين بالتقسيط وذلك في مواجهة جشع بعض شركات البيع بالتقسيط.
نتمنى مع صدور نظام البيع بالتقسيط الجديد أن تركز وزارة التجارة على السياسات الدعائية المتبعة من قبل شركات التقسيط والتي توحي بتوفير كل ما يحتاجه المشتري من سلع ودون أن يدفع مبالغ عند الشراء إضافة إلى الاقساط المريحة للسداد مع إيهامه بتحميله عمولة قليلة جداً، مما يدفع الكثير من التهافت إلى تلك العمليات التقسيطية المريحة طالما أنها لن تكلفهم سوى القليل خاصة وأن تلك العمليات سوف تجنب المشترين من الدخول في متاهات الفوائد الربوية، والحقيقة أنه في الوقت الذي تعلن فيه شركة التقسيط انها لن تحقق أكثر من 10% نسبة عمولة على البيع بالتقسيط، ولكن في واقع الأمر نجد أن تلك العمولة تبلغ 30% إن لم تتجاوز ذلك، وذلك بسبب غفلة أو تغافل من قبل المشتري في ظل حاجته الملحة لشراء سلعة ما من خلال التقسيط.. وإن ما يفترض أن يدركه الإخوة في وزارة التجارة هو أن عمليات البيع بالتقسيط إنما هي عمليات جاء بها كبار رجال المال والاقتصاد من خلال وضعها في سياسات ذكية ومدروسة بحيث يندفع المشتري معها دون أن يعير أي حساب للعواقب الوخيمة المترتبة على ذلك، وبالتالي كان لزاماً على الوزارة أن تفرض على شركات التقسيط بأن توضح كافة الجوانب التفصيلية للعملية التقسيطية ابتداءً خاصة فيما يتعلق بايضاح نسب العمولة الحقيقية التي يتوجب على المشتري الالتزام بها.
وأن ما يفترض على وزارة التجارة أن تدركه وتتصدى له ايضاً من خلال النظام الجديد ولوائحه التفسيرية ما تقوم به شركات التقسيط من فرض لنسب عمولة على كامل المبلغ طوال مدة التقسيط (والتي قد تصل إلى سنوات)، في الوقت الذي يفترض أن يكون مبلغ العمولة متناقصاً متناقصاً عاماً بعد الآخر نتيجة لسداد المشتري ما عليه من أقساط مستحقة وبصورة منتظمة.ما نتمنى على وزارة التجارة أن تعالجه مع ظهور النظام الجديد للبيع بالتقسيط هو أن الشخص المشتري لا يستطيع الحصول سوى على ثلثي المبلغ الذي يريد اقتراضه ولكن مع هذا نجد أن استغلال شركات التقسيط لظروف الحاجة التي يمر بها الشخص المشتري يصل إلى الزامه بدفع نسبة العمولة على كامل المبلغ وليس على ثلثي المبلغ الذي حصل عليه فعلاً، مما يعني أن المشتري سيقوم بدفع نسب عمولة لشركة التقسيط لقاء مبالغ لم يتسلمها اساساً، ويتضح من ذلك أن شركات التقسيط لم تكتف بالزام المشتري بدفع عمولة على المبلغ الذي استلمه فعلا فقط، وإنما قامت بالزامه ايضا بدفع نسب عمولة عن كامل المبلغ المستلم وغير المستلم منه، وفي ظني أن ذلك لا يمكن قبوله مطلقاً، وبالتالي فإننا نكرر مطالبنا لوزارة التجارة ومع ظهور النظام الجديد للبيع بالتقسيط أن تعمل على حماية حقوق الأفراد من التعسف الذي تقوم به بعض شركات التقسيط من خلال إعلانها عن التسهيلات المزعومة التي تقدمها تلك الشركات.ختاماً نتوجه بالنصح إلى كل من ينظر إلى عملية التقسيط على أنها عملية ذات مردود إيجابي بحت من خلال ما تعلنه شركات التقسيط من توفير العديد من المزايا والتسهيلات بألا يستعجل في اتخاذ قراره باللجوء إلى تلك الشركات إلا بعد إلمام كامل بكل ما قد يترتب على عمليات البيع بالتقسيط من عمولات عالية مما ينعكس على ارتفاع الاقساط الشهرية التي يتوجب عليه دفعها لسنوات طويلة، ولذا فإنني اعتقد أنه يتوجب على من يريد شراء سلعة معينة بسعر يزيد على قدرته المالية أن يلجأ إلى عملية الادخار التدريجي بدلاً من الدخول في متاهات العمليات التقسيطية خاصة وان البنوك الإسلامية وشركات التقسيط الوطنية تفرض على المغترضين عمولات تفوق وللاسف في حجمها تلك الفوائد الربوية التي تفرضها البنوك الأخرى.
16 / 4 / 2005م       عدد 11889

ضحايا تتساقط يا مرورنا العزيز

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
نشرت صحيفة الوطن قبل عدة أيام (العدد 1637) خبراً مفاده أن حكماً أصدرته المحكمة الجنائية في البحرين بسجن شاب سعودي لمدة خمس سنوات بسبب قيادته لسيارته بسرعة جنونية حيث تسبب ذلك في وفاة خمسة أشخاص، ولذا تم تطبيق عقوبة القتل غير العمد بحقه. كما نشرت صحيفة الرياض (العدد 13015) خبراً مفاده أن الشرطة في فنلندا قد حكمت على أحد الاغنياء بدفع غرامة مالية بلغت مائة وسبعين ألف يورو (813 ألف ريال) بسبب قيادته السيارة بسرعة جنونية داخل المدينة. وأنا اقرأ تلك الاخبار، تبادر إلى ذهني تلك السرعة الجنونية لدينا في كافة الطرق داخل وخارج المدن على حد سواء، دون وجود رادع لذلك ودون أن نلمس تحركا فاعلا من قبل الإدارات المرورية لإيقاف ذلك.
وأنا أقرأ تلك الاخبار تبادر لذهني مسلسل إزهاق الأرواح البريئة في ظل تساهل بعض أولياء الأمور بالسماح لأبنائهم بارتكاب مثل تلك الجرائم اللامسؤولة والنابع من خلل ما في تربية هؤلاء الشباب، وتجاهل ملحوظ من قبل إدارات المرور، وعدم تعامل أمثل من قبل القضاء الشرعي مع مرتكبي الجرائم المرورية.
أليس ظلماً أن نشهد الكثير من الأرواح التي تزهق يومياً نتاجاً للسرعة الجنونية والتي فشلت الإدارات المرورية في الحد منها، ويكفي أن نشير إلى أن عدد الوفيات السنوي لدينا يبلغ حوالي الخمسة آلاف ضحية أي ما يزيد على الخمس عشرة ضحية كل يوم، وقد اشارت الدراسات إلى أن عنصر السرعة يمثل السبب الرئيسي في وقوع تلك الحوادث المرورية المميتة، حيث تسببت السرعة في حدوث61% من تلك الحوادث، مما يعني بأن القضاء على الحوادث المرورية والتي ظللنا نعاني من ويلاتها سنوات طويلة إنما يكون من خلال تركيز جهود الإدارات المرورية في القضاء على ظاهرة السرعة. وفي ظني أن الإدارة الحالية للمرور مطالبة من قبل الجميع بالقضاء على ظاهرة السرعة خاصة في ظل وضوح المشكلة وسهولة طرح الحلول المناسبة لها وتطبيقها.
إنني أتساءل حقاً عن أسباب فشل الإدارات المرورية في القضاء على ظاهرة السرعة!! ولماذا تعجز تلك الإدارات عن السيطرة على المستهترين من الشباب على الرغم من وضوح وخطورة مخالفاتهم المرورية.. نعم، لماذا يسمح لهم بالسير بسرعة تفوق المائة وأربعين كيلومتراً بالساعة في الكثير من الطرق الرئيسية داخل المدن وأمام أنظار رجال المرور دون أن يعنيهم الأمر، وهم يدركون أن الحوادث المميتة هي نتاج لتلك السرعة.
صدقوني لقد طفح الكيل ونحن نشهد بشكل يومي تلك الأعداد الكبيرة من جنائز أقربائنا وأصدقائنا الذين هم ضحايا للحوادث المرورية الناتجة عن السرعة الجنونية، وليعلم الإخوة منسوبو الإدارات المرورية أنهم مسؤولون أمام الله ثم امام المجتمع إزاء تفشي تلك الفوضى المرورية الناتجة عن السرعة والتي تسببت في قتل الكثير من الضحايا والأبرياء، وإنني أدعوهم إلى تطبيق مختلف العقوبات الرادعة وعلى الجميع من أجل التصدي لذلك.
أخيراً، أتألم كثيرا عندما أرى قيام رجال المرور بتدوين المخالفات المرورية (المالية) بحق ذلك السائق الذي لم يربط الحزام وذلك بشكل خفي، ودون ان يعلم السائق بذلك وكأن القصد من ذلك هو جمع أكبر قدر من المال لخزينة المرور، وليس تثقيف السائق مرورياً ويزيد ألمي عندما أرى ذلك التجاهل التام من قبل نفس رجل المرور تجاه العشرات من سائقي السيارات الذين يسيرون بسرعة جنونية داخل طرقات المدينة، خاصة إذا ما علمنا أن الأضرار الناتجة عن عدم ربط الحزام تقتصر على نفس السائق فقط في حين تصل الأضرار الناتجة عن السرعة للغير وإلحاق الضرر بهم وبأرواحهم وأجسادهم وممتلكاتهم.
9 / 4 / 2005م       عدد 11881

خوش عقوبة

د محمد بن عبد العزيز الصالح
نشرت صحيفة المدينة (12 صفر 1426هـ) خبراً مفاده أن وزارة التجارة والصناعة تحقق مع مجموعة من المستوردين السعوديين الذين قاموا باستيراد كميات من إطارات السيارات وإدخالها للسوق المحلية وتوزيعها على محلات بيع الإطارات والبناشر؛ مما أسهم بشكل كبير في كثرة الحوادث المرورية المميتة. وأضافت الصحيفة تقول بأن فريق هيئة ضبط الغش التجاري بالوزارة قد قام بجولات ميدانية على محلات البناشر ومحلات بيع الإطارات في محافظة جدة، وقد تم ضبط أكثر من سبعة وأربعين ألف إطار غير صالح للاستخدام، وقد تم إحالة مَن ثبتت إدانته إلى مكتب الفصل في المنازعات التجارية التابع للوزارة لتطبيق ما ينص عليه النظام الذي يشتمل على تغريم التاجر بغرامة مالية تتراوح بين (5.000 - 100.000 ريال) والتشهير به على حسابه الخاص. وبعد أن انتهيتُ من قراءة هذا الخبر الصاعق أودُّ أن أعلق عليه بجملة من التعليقات:
- إنني أتعجب كيف يكون هناك تجار سعوديون عديمو الذمم أعماهم الجشع والطمع إلى الدرجة التي لا يترددون فيها من اتباع مختلف طرق الغش التي تؤدي إلى قتل الكثير من إخوانهم وأقربائهم الأبرياء.
- إنني أتعجب من ذلك الموقف السلبي لوزارة التجارة تجاه تلك الجرائم الجنائية، فكيف يمكن أن تكتفي وزارة التجارة بعقوبة الغرامة المالية بخمسة آلاف تصل إلى مائة ألف بحق تجار يستوردون أكثر من سبعة وأربعين ألف إطار مغشوش في محافظة واحدة من محافظات المملكة ويحققون ملايين الريالات أرباحاً من جراء ذلك؟!
في ظني أن العقوبة التي يرى الإخوة في وزارة التجارة مناسبتها إنما هي عقوبة مشجعة لكل تاجر عديم ذمة أن يبادر إلى ارتكاب مثل تلك المخالفات والجرائم، خاصة أن هذه الغرامة المالية لا تعادل سوى نقطة في بحر من حجم الأرباح الطائلة التي يحققها التجار من جراء ارتكاب تلك الجرائم، فلماذا تكتفي وزارة التجارة بتلك الغرامة المالية البسيطة بحق من يرتكب مثل تلك الجرائم غير الأخلاقية التي أودت بحياة أعداد كبيرة من الأبرياء؟! وهل يعتقد إخواني المسؤولون بالوزارة أن تلك الغرامة المالية البسيطة ستكون رادعة بالفعل لبعض رجال الأعمال عديمي الذمة وتدفعهم بالفعل إلى احترام ما ورد في نظام مكافحة الغش التجاري من أحكام؟!
إن ما تم ارتكابه من قِبل هؤلاء التجار عديمي الذمم يجب ألا يقتصر على كونه مخالفة تجارية، وإنما يجب أن يتجاوز ذلك إلى كونه جريمة جنائية، فمَن يقدم على المتاجرة بأرواحنا من خلال استيراده وتسويقه لإطارات مغشوشة وغير صالحة للاستخدام يجب أن يتم التعامل معه على أنه مرتكب جرماً جنائياً دون الاقتصار على كونها مخالفة تجارية.
- في ظني أنه لا اختلاف بين مَن يسوِّق سلعاً مغشوشة منتهية الصلاحية تودي بحياة الناس ومَن يرتكب جريمة القتل العمد، بل إنني أجزم أن القاتل العمد قد يكون تحت تأثير حالة من الغضب أو غيره من المؤثرات الأخرى، بينما نجد أن مرتكب جرائم الغش التجاري يتعمد قتل المستهلكين تدريجياً دون وازعٍ ديني أو أخلاقي، ومع ذلك نجد أن عقوبة القتل تكون للقاتل عمداً، بينما نجد أننا نستكثر تطبيق حتى عقوبة السجن لعدد من السنوات على مثل هؤلاء التجار. إذا كانت أعداد الإطارات المغشوشة غير الصالحة للاستخدام في محافظة واحدة من محافظات المملكة تبلغ أكثر من سبعة وأربعين ألف إطار، فكم سيبلغ أعداد تلك الإطارات في مختلف مناطق ومحافظات المملكة؟!عندها سيتضح السبب في ارتفاع قتلى وضحايا الحوادث المرورية في المملكة، خاصة إذا ما علمنا أن العديد من الحوادث المرورية تحدث نتيجة انفجار إطار السيارة وفقاً للعديد من الدراسات المرورية.
 
2 / 4 / 2005م     عدد 11874