ترجمة

مدى استعداد القطاع الخاص لمنظمة التجارة

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
تمخضت الزيارة التاريخية التي قام بها الأسبوع الماضي صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني للولايات المتحدة الأمريكية عن العديد من النتائج الإيجابية. ومن أهم تلك النتائج إعلان البيت الأبيض الصريح بدعم ملف انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية. إن حرص القيادة السعودية على دعم انضمام المملكة إلى منظمة التجارة إنما يأتي من الحرص على تحقيق جوانب متعددة، منها إيمان تلك القيادة بأن المملكة لا يمكن أن تعيش بمفردها خارج المجتمع الاقتصادي والتجاري العالمي؛ حيث بلغ عدد الدول التي انضمت إلى تلك المنظمة (148) دولة، ولم يتبقَّ من الدول ذات الثقل الاقتصادي التي لم تنضم بعدُ سوى المملكة وروسيا كما يأتي حرص القيادة على دعم ملف الانضمام إلى تلك المنظمة الدولية انطلاقاً من إدراك تلك القيادة لعدد من المكتسبات الاقتصادية التي سيجنيها المواطن السعودي، خاصة أن الانضمام سيترتب عليه فتح أسواق المملكة للكثير من السلع والخدمات الأجنبية دون حواجز جمركية؛ مما يعني زيادة معروض تلك السلع والخدمات في أسواق المملكة، وبالتالي انخفاض تكلفة شرائها واقتنائها وفي سبيل تحقيق ذلك الانضمام، ومن ثَمَّ تحقيق تلك المكتسبات الاقتصادية للمواطن السعودي، نجد أن الدولة قد خاضت جولات تفاوضية متعددة مع العديد من الأطراف الأمريكية واليابانية والأوروبية وغيرها، كما عملت على تعديل الكثير من الأنظمة واللوائح، إضافة إلى تحرير الكثير من السياسات الاقتصادية والتجارية بهدف تسهيل عملية الانضمام، وبالتالي فإذا كانت الدولة قد قامت بالكثير من الجهود في سبيل إزاحة الكثير من العقبات السياسية والاقتصادية والتنظيمية التي كانت تعترض ملف انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، ويأتي آخر تلك الجهود ما تمخضت عنه قمة كراوفورد بين سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي، وبعد أن أصبحت المملكة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك الانضمام، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا يتمثل فيما إذا كان القطاع الخاص قد أنهى استعداده فعلياً لخوض غمار التحدي والمنافسة الجديدة التي ستبدأ مع انضمام المملكة إلى تلك المنظمة العالمية فهل تدارس المعنيون من رجال القطاع الخاص كافة التحديات والآثار الإيجابية والسلبية على المنظور القريب والبعيد التي ستلحق بتجارتهم من جراء الانضمام إلى منظمة التجارة؟ وهل أعدوا العدة لمواجهة تلك التحديات؟ وهل تم نشر الوعي لدى كافة منسوبي القطاع الخاص؟ وهل تم إجراء القدر الكافي من الدراسات المخصصة لذلك وهل أدرك رجال الصناعة أن المزيد من الاندماجات والتكتلات بين أصحاب الصناعات الواحدة سيكون هو الملاذ الوحيد لكسب المنافسة القادمة، خاصة إذا ما علمنا أن أكثر من 75% من المؤسسات التجارية والصناعية لدينا هي مؤسسات صغيرة ومحدودة ويصعب عليها المنافسة؟
وهل أدرك رجال التجارة في مجال تجارة التجزئة أن مصيرهم محفوف بالمخاطر في ظل المنافسة القادمة ما لم يعملوا من الآن على الاندماج والاتحاد لمواجهة تلك المخاطر؟
وهل أدرك المعنيون في القطاع الخاص أهمية البدء في تطبيق آلية التجارة الإلكترونية التي يمكن من خلالها تسويق البضائع وخدمة العملاء في منازلهم في مختلف دول العالم بأقل تكلفة؟
وهل أدرك أصحاب المؤسسات الزراعية أن انضمام المملكة سيترتب عليه خفض الدعم المحلي الذي تقدمه الدولة لهم بواقع 13.3% سنوياً؛ مما يعني توقُّف ذلك الدعم الحكومي المقدَّم لهم تماماً خلال فترة لا تزيد على عشرة أعوام؟ كما أن انضمام المملكة سيؤدي إلى زيادة الواردات الزراعية الأجنبية بواقع 14% سنوياً، فهل أعدَّت مؤسساتنا وشركاتنا الزراعية العُدَّة لمواجهة تلك التحديات؟
وهل أدرك تجار الخدمات أن اتفاقية تجارة الخدمات (GATS) سوف تسمح لمورِّدي الخدمات الأجانب بدخول السوق المحلية ومنافستهم دون حواجز، وبالتالي لن يكون هناك مجال للتمييز بين تجار الخدمات السعوديين والأجانب؟
خلاصة القول، إذا كانت القيادة السعودية عملت كل ما في وسعها من أجل تذليل العقبات التي تعترض انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية من أجل تحقيق المكاسب للاقتصاد السعودي وللمواطن السعودي على حدٍّ سواء، فإن ما يتوجب وضعه في الاعتبار من قِبل رجال القطاع الخاص في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والزراعية والخدمية أن يُدركوا أن المكاسب التي يمكن أن يحققوها من جراء هذا الانضمام هو أمر مرهون بما يقومون به من جهود لتحقيق ذلك، وما عدا ذلك فإن المستقبل قد لا يكون مطمئناً لهؤلاء التجار.
 
30 / 4 / 2005م          عدد 11902

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق