ترجمة

لقد طفح الكيل


الدكتور محمد بن عبد العزيز الصالح

 نشرت صحيفة الجزيرة يوم الأحد 16 المحرم 1428هـ خبراً يتضمن قيام بلدية البطحاء بضبط شاحنة كبيرة تقوم بتوزيع حمولتها من رؤوس الأغنام والكبود الفاسدة على محلات المندي وبوفيهات الكبدة. وقد قدرت الكمية بها يزيد على 3300 رأس غنم وكذلك 3300 كبدة غنم، واتضح من خلال الفحص عليها أنها غير صالحة للاستهلاك الآدمي. وقد تضمن الخبر تصريحاً لرئيس بلدية البطحاء يشير فيه إلى أنه قد تم إتلاف تلك الكميات الفاسدة من رؤوس الأغنام والكبدة وأنه قد تم تطبيق ما نصت عليه لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية ولكن دون أن يفصح أو يعلن عن تلك العقوبة المطبقة. في ظني أن ضعف العقوبة المطبقة وكونها غير رادعة بحق من يرتكب مثل تلك الجرائم الإنسانية بحق البشر هو ما يجعل المسؤولين في الأمانات البلدية لا يفصحون عن تلك العقوبات.
وفي نفس العدد من صحيفة الجزيرة، صرح وكيل وزارة التجارة والصناعة للتجارة الداخلية بأن أعضاء هيئة ضبط الغش التجاري قد تمكنوا من ضبط مجموعة من المخالفات منها:
- ضبط استراحة يديرها عمالة وافدة تقوم بتجميع الحلويات المنتهية الصلاحية وإعادة تعبئتها وبيعها مرة أخرى وقد تم مصادرة تسعين ألف كرتون.
- ضبط منزل شعبي معد لصناعة الشامبو المغشوش ومصادرة 12000 عبوة.
- ضبط مستودع به عدد 16000 عبوة غراء بانكس مغشوشة وعدد 1800 عبوة شامبو منتهي الصلاحية.
- ضبط 300 كرتون لحم فاسدة داخل شقة.
- ضبط مستودع يحتوي 5160 عبوة مشمش تركي منتهي الصلاحية.
- ضبط 90 جالون زيت زيتون وأيضاً 600 كرتون روبيان مجفف وجميعها منتهي الصلاحية.
وقد علق وكيل وزارة التجارة على تلك الجرائم الجنائية التي أودت بحياة الكثير من الضحايا والأبرياء بأن الوزارة قد اتخذت كافة الإجراءات النظامية اللازمة. ويلاحظ هنا بأن العقوبات المتواضعة والمخجلة التي تتضمنها أنظمة الغش التجاري هو ما جعل سعادة الوكيل لا يذكر تلك العقوبات في تصريحه.
أعزائي القراء، ما سبق ذكره من أمثلة تمكنت فيها الأمانات البلدية ووزارة التجارة من ضبط تلك الأغذية الفاسدة لا يعدو كونه نقطة في بحر من تلك الجرائم الإنسانية المنتشرة في مختلف أسواقنا التجارية، وذلك من خلال بيع وتسويق مختلف المواد الغذائية المنتهية الصلاحية وغير الصالحة للاستخدام الآدمي. وهذا بالطبع لم يتم إلا بمباركة وزارة التجارة وغيرها من الأمانات البلدية سواء من خلال ضعف الإشراف والرقابة على تلك المحلات التي تبيع السموم والأغذية الفاسدة، أو من خلال ضعف العقوبات التي تتضمنها أنظمة الغش التجاري، والتي تعتبر في ظني عقوبات مشجعة لعديم الذمة من التاجر بأن يستمر في ارتكاب مثل تلك الجرائم الإنسانية بدلاً من كونها رادعة له.
ختاماً، طالما أن المشروع الجديد لنظام الغش التجاري يخضع حالياً للدراسة من قِبل مجلس الشورى، فإنني أقترح ألا يقتصر التعامل مع تجاوزات هؤلاء التجار على أنها مخالفات تجارية فحسب وإنما يجب أن يتجاوز ذلك إلى اعتبار كونها جريمة جنائية. فمن يقدم على المتاجرة بأرواحنا وصحتنا إنما يعد مرتكباً جريمة وليس مجرد مخالفة تجارية، وبالتالي كان لزاماً أن يتم العمل على تضمين نظام الغش التجاري الجديد أقسى العقوبات بالقضاء على ذلك. وإذا كانت عقوبة من يقوم بتسويق أغذية فاسدة ومنتهية الصلاحية في الصين هي الإعدام، فإننا لا نملك أن نقول للجهات المسؤولة عن انتشار تلك الأغذية الفاسدة في أسواقنا سوى عبارة: (لقد طفح الكيل).


24 / 2 / 2007م        عدد 12567

تساؤلات حول التملك الوهمي العقاري..


تساؤلات حول التملك الوهمي العقاري..

تسويق الوهم في مخيمات كبرى.. ومجسمات دون تصاريح!

د. محمد بن عبد العزيز الصالح

أتساءل دائماً، لماذا تنعدم الثقة في أوساطنا التجارية؟ ولماذا تعج أسواقنا بالكثير من الممارسات الخاطئة كالغش التجاري والتدليس وعدم احترام الشيك.... إلخ.. خلال الأسطر التالية، سأسرد لكم أحداثاً واقعية تعرض لها أحد أصدقائي عندما رغب في شراء وحدة سكنية بمدينة الرياض من قبل أحد تجار العقار، وكيف تعرض هذا الصديق (وغيره المئات من الضحايا أمثاله) لكافة أوجه الغش والخداع والنصب من قبل ذلك التاجر دون حسيب أو رقيب.
وإليكم أحداث القضية:
عرضت المؤسسة العقارية التي يملكها هذا التاجر على صاحبي فرصة تملك وحدة سكنية في مشروع ويكون الدفع على دفعات. وتم توجيه الدعوة لصاحبي لزيارة مكان عرض وتسويق الوحدات والمجسمات السكنية، في مدينة الرياض، وتم اطلاع صاحبي على مجسمات الفلل والشقق التي سيتم تسويقها. فقرر صاحبي شراء وحدة سكنية بمبلغ (206) ألف ريال، دفع منها سبعون ألف ريال عند توقيع العقد على أن يتم دفع المتبقي من المبلغ عند استلام الوحدة السكنية مؤثثة. وقد تضمن العقد أن بداية تنفيذ المشروع ستكون خلال شهرين، وأن الإفراغ والتسليم لصاحبي سيكون خلال (18) شهراً، وتوجه صاحبي لموقع المشروع واطلع على المخططات وتم تزويده بكروكي للموقع.
وبعد شهرين، وحيث كان من المفترض أن يتم البدء في تنفيذ المشروع، بدأ مسلسل النصب والخداع، فالتاجر لم يبدأ في تنفيذ المشروع، وبدلاً من ذلك بدأ مسلسل المراوغة والمماطلة مستخدماً مختلف الحجج الواهية التي بسببها لم يتم تنفيذ المشروع.
بعد ثمانية أشهر فوجئ صاحبي بإزالة لوحات الشركة الموضوعة في الأرض حيث تم استبدالها بلوحات لملاك جدد، وعند مراجعة صاحبي للتاجر لاستيضاح الأمر لم يتمكن من رؤيته واستمر في مطاردته لعدة أشهر دون جدوى، ومع إلحاح صاحبي بالحصول على الوحدة السكنية المتفق عليها واستعادة ما دفعه من أموال لم يتردد ذلك التاجر من تحرير عدد من الشيكات، وعند مراجعة صاحبي للبنك لصرف تلك الشيكات، أفاد البنك بأن هناك العشرات من ضحايا ذلك التاجر ممن تم تحرير شيكات بدون رصيد لهم.. وعلى الرغم من تقدم صاحبي وبقية الضحايا بشكاويهم على ذلك التاجر لوزارة التجارة وغيرها من الجهات الأخرى، إلا أنه لم يتم اتخاذ شيء بشأنه.
تلك الممارسات غير الإخلاقية والتي أقدم عليها ذلك التاجر، والمليئة بمختلف أنواع الغش والخداع والتزوير، تطرح علينا جملة من التساؤلات ومنها:
- كيف يسمح لذلك التاجر بوضع لوحات كبيرة تشير إلى تملكه للأرض دون التأكد من تملكه الفعلي للأرض؟.
- وكيف يسمح له بإقامة مخيم كبير جداً في وسط الرياض من أجل تسويق ذلك المشروع السكني الوهمي على الرغم من عدم حصوله على الترخيص النظامي اللازم لذلك من وزارة التجارة؟.
- وكيف يسمح له بالإعلان عن مشروع سكني وهمي في مختلف الصحف مما أسهم في بيعه الوهم للمواطنين والاستيلاء على أموالهم دون حصوله على الترخيص اللازم من وزارة التجارة بنشر تلك الإعلانات؟.
- وكيف يسمح له بتصميم مجسمات تلك المدينة السكنية الوهمية وعرضها في أماكن عامة دون الحصول على موافقة الأمانة بذلك؟.
- وكيف يسمح له بتحرير عشرات الشيكات بدون رصيد دون أن يتعرض للمساءلة والتوقيف، علماً بأن عشرات المواطنين من ضحايا هذا التاجر قد تقدموا بشكاويهم لوزارة التجارة وغيرها من الجهات ذات العلاقة لإيقافه عند حده ولكن دون جدوى؟.
ما من شك أن تلك الممارسات والتجاوزات التي ارتكبها ذلك التاجر إنما تمثل قمة الفوضى وانعدام الثقة في التعاملات التجارية لدينا، كما إنها دلالة قوية على ضعف الجوانب التنظيمية والإشرافية والرقابية من قبل الإدارات المختصة بوزارة التجارة. وقد أسهم ذلك في تحفيز عديمي الذمم وضعيفي الوازع الديني بأن يعيثوا في الأرض فساداً ويسلموا أموال المواطنين الضعفاء دون وجه حق. والسؤال هنا متى ستتحرك وزارة التجارة لوضع التنظيمات الرادعة والكفيلة بإعادة الثقة لمختلف تعاملاتنا التجارية؟.

 
17 / 2 / 2007م             عدد 12560

سلمان والحدّ من الحوادث المرورية


د. محمد بن عبد العزيز الصالح

 نشرت صحيفة الجزيرة يوم الأربعاء الماضي (19-1-1428هـ) خبراً مفاده أن المحكمة الجزائية بالرياض أصدرت حكماً بالسجن لمدة سنتين ونصف والجلد 300 جلدة على أحد الشباب المفحطين، إضافة إلى تطبيق العقوبات الواردة في نظام المرور عليه، حيث تم إدانة ذلك الشاب بجريمة القتل شبه العمد جراء دهسه أحد المارة أثناء عملية التفحيط.الجدير بالذكر أن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض هو من سبق أن وجه بتطبيق عقوبتي السجن والجلد على كل من يمارس التفحيط حيث جاء توجيه سموه هادفاً إلى الحد من التجاوزات المرورية المتهورة التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء والإضرار بهم، كما يأتي هذا التوجيه لسمو الأمير سلمان امتداداً لتوجيهات سموه السابقة التي حدّت من الحوادث المرورية في منطقة الرياض؛ وبالتالي تقليص الخسائر البشرية المترتبة على ذلك. فسمو الأمير سلمان سبق أن وجّه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بالعمل على الارتقاء بالسلامة المرورية والحد من الحوادث المرورية، وقد وجه سموه بتشكيل لجنة عليا للسلامة المرورية بمدينة الرياض برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبد العزيز نائب أمير منطقة الرياض.كما يتضح حرص الأمير سلمان على القضاء على الحوادث المرورية عندما وجّه سموه مجلس إدارة الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بإقرار استراتيجية السلامة المرورية التي بذل فيها الكثير من الجهد والوقت من قبل الهيئة وكافة الجهات ذات العلاقة، وقد انعكس تطبيق تلك الاستراتيجية على مستوى السلامة المرورية في مدينة اليراض، ويتضح ذلك من خلال الانخفاض الملحوظ في أعداد الوفيات والإصابات الناتجة عن الحوادث المرورية عاماً بعد عام على الرغم من الازدياد الملحوظ في الحركة المرورية في مدينة الرياض.كما جاءت توجيهات سمو الأمير سلمان لرجال المرور في مدينة الرياض بنشر نقاط التفتيش والسرعة، وكذلك استمرار الحملات المرورية في مختلف طرقات العاصمة طوال الأربع والعشرين ساعة، وقد أدى استمرار تلك الحملات المرورية إلى الحد من السرعة والتهور والالتزام بالقواعد المرورية، وقد ترتب على ذلك انخفاض الحوادث في مدينة الرياض بما نسبته 50%.وإزاء تلك الجهود المباركة لسمو الأمير سلمان في الحد من الحوادث المرورية والقضاء عليها، فإننا نشيد ونقدر تلك المتابعة الحثيثة من قبل سموه، والتي أسهمت - بتوفيق من الله - في الحفاظ على الكثير من الأرواح من خلال الحد من الحوادث المرورية، كما نرجو من سموه الكريم التوجيه بما يلي:
1- توجيه المختصين بدراسة إمكانية تطبيق عقوبتي الجلد والسجن لمدة طويلة في حال ارتكاب مخالفة السرعة الجنونية وقطع الإشارة، وذلك على غرار ما وجّه به سموه من تطبيق تلك العقوبات على ممارسي التفحيط. هذا الرجاء ينطلق من حقيقة مفادها أن غالبية الحوادث المرورية القاتلة إنما تحدث بسبب السرعة الزائدة وقطع الإشارة، خاصة من قبل فئة المراهقين الشباب، علماً بأن عقوبة ارتكاب مخالفة السرعة الجنونية في إسبانيا تصل إلى السجن لمدة عامين.
2- توجيه المختصين بالعمل على إشهار تطبيق عقوبتي السجن والجلد على مرتكبي المخالفات المرورية، وأقترح في هذا الخصوص إشهار تلك العقوبات والإعلان عنها في الملاعب الرياضية في كافة مناطق المملكة أثناء إقامة المباريات الرياضية حيث تتواجد أعداد كبيرة من الشباب، وكذلك الإعلان عنها في التلفزيون بين شوطي المباراة؛ حتى تصل الرسالة إلى أكبر عدد من الشباب.
3- التوجيه بتعميم النجاحات التي حققتها منطقة الرياض في الحد من الحوادث المرورية على بقية مناطق المملكة، سواء من حيث إنشاء لجان السلامة المرورية في تلك المناطق أو من خلال تطبيق ما تضمنته استراتيجية السلامة المرورية التي ثبت نجاحها في مدينة الرياض على الرغم من كون مدينة الرياض أكثر المدن ازدحاماً بالحركة المرورية.
14/2/2007م                    عدد 12557

التقنيات النانية ودعم المليك


د. محمد بن عبد العزيز الصالح
 إذا كان العالم قد شهد خلال القرن الماضي تطورات لم تكن تخطر على بال البشرية ومن أمثلة تلك التطورات تقنية الطيران والفضاء وتقنية الحاسب الآلي التي أحدثت تغييراً جذرياً في حياة شريحة كبيرة من البشرية في مختلف بقاع الأرض، فإن الثورة التقنية التي يتوقع أن تشهدها البشرية خلال القرن الواحد والعشرين إنما تتمثل في ما يسمى بالتقنيات متناهية الصغر أو (التقنيات النانية)، ويقصد لها تلك التقنيات التي تتعامل مع كل من المادة والخلية الحية على مقياس يقارب حجم الذرة، حيث بالإمكان صف 3-6 ذرات في وحدة النانومتر. ومقياس النانو هو المقياس الذي خلق الله به لبنات الموجودات في الطبيعة، أي الذرة والخلية الحية وأجزاؤها.
ويرى العلماء في هذا المجال بأن المجتمعات التي ستتمكن من إتقان التصنيع عند المقياس النانوي ستكون مؤهلة للهيمنة على الإنتاج الصناعي العالمي على مدى القرن الحادي والعشرين. كما أنه من الأهمية بالنسبة لدول العالم النامي (ومنها المملكة) التي لا تزال في باكورة نشاطها التطويري للتقنيات النانوية، مما يعني فسح المجال لتلك الدول باللحاق بالركب التصنيعي العالمي إن هي أقدمت على مثل هذا التطوير.
وحتى تتمكن دولة كالمملكة العربية السعودية مواكبة هذا التطور البحثي في مجال التقنيات النانوية، فإن الدعم السياسي والمالي معاً إنما يمثل الجانب الأهم في هذا الجانب.
ولتحقيق ذلك، نجد بأن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - وبما يتمتع به من بُعد نظر - لم يتردد من تقديم الدعم المالي السخي الذي تحتاجه مؤسسات التعليم العالي في هذا الخصوص.
حيث تبرع - حفظه الله - بمبلغ 36 مليون ريال لثلاث جامعات لاستكمال التجهيزات الأساسية لمعامل متخصصة بتقنية النانو في تلك الجامعات.
وما من أدنى شك في أن هذا التبرع لخادم الحرمين الشريفين إنما يعكس حرصه على أن تكون جامعاتنا السعودية مواكبة لأحدث التقنيات العلمية، وبكل تأكيد فإن هذا الدعم سينعكس إيجاباً على تطوير قدرات أعضاء هيئة التدريس في مجال أبحاث التقنية النانية. كما يأتي هذا الدعم حافزاً للجامعات لإنشاء مراكز للتقنيات النانية حيث يتوقع أن تسهم تلك المراكز في نقل التقنيات متناهية الصغر للمملكة من خلال البحوث العلمية التطبيقية.
وإزاء هذا الدعم السخي لمؤسسات التعليم العالي من قبل خادم الحرمين الشريفين، حيث سيسهم ذلك في توفير بيئة عمل متميزة في التجهيزات المختبرية والخبرات الفنية في مجالات النانية، فإننا لا نملك سوى الدعاء لخادم الحرمين يطول العمر وأن يبقيه الله ذخراً لشعبه وأمته.


3 / 2 / 2007م             عدد 12546