ترجمة

أسهم المضاربة جنون في جنون

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
وبدأت الحركة التصحيحة للسوق، وبدأ تهاوي الشركات (الخشاش) كما يحلو لبعض المضاربين تسميتها.. نعم بدأت أسعار تلك الشركات تتجه في المسار الذي يعكس حقيقتها وإن كانت تلك الأسعار لا تزال بعيدة كل البعد عن عكس المركز المالي المتردي الذي تعيشه تلك الشركات.
لقد تمادى الكثير من المضاربين في السوق في التهافت على اقتناء وشراء أسهم تلك الشركات المتردية على الرغم من التحذيرات المتكررة منها سواء من قِبل مسؤولي هيئة سوق المال أو من قِبل عدد قليل من المحللين الماليين العقلاء من خلال القنوات الفضائية والصحافة المقروءة.
لقد تهافت الكثير من المضاربين في السوق على شراء أسهم تلك الشركات (الخشاش) وبأسعار مرتفعة على الرغم من علمهم بالخسائر الفادحة التي تعيشها تلك الشركات، نعم لقد تمنى الكثير من المضاربين في السوق التجاهل بأنهم يعلمون بأن تلك الأسعار العالية لا تعكس المركز المالي الحقيقي لتلك الشركات.
فهل يعقل أن يصل سعر شركة غارقة في الخسائر مثل شركة بيشة إلى حوالي الخمسة آلاف ريال (حيث تم قسمة السهم لسهمين عندما كان سعر السهم 2000 ريال) في الوقت الذي كان سعر السهم لا يتجاوز الخمسين ريالاً قبل عامين فقط. وهل يعقل أن يصل سعر المواشي إلى أكثر من 270 في الوقت الذي كان سعر السهم لا يتجاوز 15 ريالاً قبل ثلاثة أعوام فقط، ونحن جميعاً نعلم بالوضع المالي المتردي للشركة، وهل يعقل أن تتضاعف أسهم بعض الشركات لعدد من المرات خلال فترة وجيزة مثل شركة السيارات والتعمير ونحن نعلم أن الأرباح التي أعلنتها تلك الشركات أرباح غير تشغيلية وإنما جاءت نتيجة بيع أراضٍ تملكها تلك الشركات، هذا بالإضافة للعديد من الشركات الأخرى التي حققت أرباحها نتيجة قيامها بعمليات مضاربة في أسهم الشركات الأخرى في السوق.
نعم الجميع يعلم بالوضع المتردي المالي الذي تعيشه الكثير من شركات السوق ومع ذلك سمح المضاربون لأنفسهم بأن يرفعوا أسعار تلك الشركات بشكل غير مقبول على الإطلاق، وللأسف أن بعض الصناديق قد أسهمت في ذلك.
لقد انساق هؤلاء المضاربون خلف ما يتحفنا به بعض من يسمون أنفسهم بالمحللين أو الخبراء في السوق، نعم ففي الوقت الذي يدرك الجميع بالمبالغة في أسعار أسهم تلك الشركات الخاسرة نجد من يتحفنا في بعض القنوات الفضائية بأن تلك الشركات لا يزال أمامها الكثير من الصعود ويذهب هؤلاء المحللون إلى التركيز على السيولة الهائلة التي يتم ضخها في السوق وكذلك الارتفاع الملحوظ لسعر برميل البترول، مع تعمد هؤلاء المحللين تجاهل الاوضاع المالية المتردية التي تعيشها تلك الشركات.
وإنني لأتعجب من أولئك المضاربين الذين يلقون باللوم على الدولة وعلى هيئة سوق المال بعدم التدخل من أجل وقف أي نزول تصحيحي للسوق، فهؤلاء المضاربون لا تسمع لهم صوتاً عند استمرار الصعود المبالغ فيه، أما عند نزول السوق فالاتهامات توجه للجميع.
قد لا تروق كتابتي اليوم للبعض من المضاربين في السوق، لكنني أعتقد أنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح، وبمعنى أكثر وضوحاً فإن سعر السهم الذي يعكس المركز المالي الحقيقي للشركة لا يعتبر سهماً استثمارياً وإنما هو سهم مضاربة، وكما هو معلوم فإنه يستحيل أن يستمر سهم المضاربة على وتيرة تصاعدية واحدة ولا بد له من نزول بحجم صعوده، والطامة أن غالبية أسهم الشركات في السوق السعودي، قد أصبحت أسهم مضاربة والذكي من يستوعب الدرس الآن ويخرج بالمقسوم من السوق أو أن يتخلص من أسهم المضاربة في محفظته ويتحول إلى الأسهم القيادية في السوق قبل أن يطرده السوق.
وللمعلومية فإنه ومن خلال هذه الزاوية أعود وأكرر بأن مؤشر الناسداك وهو أحد أهم مؤشرات الأسهم في السوق الأمريكي قد وصلت أسعار الأسهم فيه عام 2000م إلى أسعار خيالية لا تعكس المركز المالي لتلك الشركات، وقد حذَّر خبراء السوق من ذلك إلا أن المضاربين لم يعيروا تلك التحذيرات أي أهمية، فكانت النتيجة أن انحدر مؤشر السوق بما نسبته 80% تقريباً حيث هوى من حوالي ستة آلاف نقطة إلى حوالي ألف ومائة وخمسين نقطة.. فهل يستفيد المضاربون في سوقنا السعودي مما تعرض له غيرهم من المضاربين في أسواق المال الأخرى الأكثر نضجاً من أسواقنا.
خاتمة:
من يشتري سهم شركة دون معرفة الوضع المالي لتلك الشركة، في ظني أن ذلك يُعتبر ضرباً من الجنون، لكن الأكثر جنوناً أن يقوم الشخص بذلك من خلال مدخراته الأساسية التي يأكل بها قوت عيشه وعائلته، أما قمة الجنون فتتمثل في ذلك الشخص الذي يقوم بذلك من خلال دخوله في تسهيلات بنكية.
11 / 3 / 2006م         عدد 12217

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق