ترجمة

الأمل بمجلس الاقتصاد والتنمية: متى يصبح النفط منتجاً اعتيادياً وليس اعتمادياً ؟


 

ابتهج الجميع حينما اجتمعت شتات الاقتصاد والتنمية في مجلس واحد كي تصبح النظرة أشمل لحاضر الوطن ومستقبله وبالتالي حاضر المواطن ومستقبله, وهو المجلس الذي سيصبح قادراً على بحث الحلول للمشكلات والازمات قبل حدوثها, كذلك هو القادر على دراسات افضل سبل الاستثمار وجعلها بدائل جاهزة للانتقال من حال الى حال، مع ضمان عدم تأثر دخل الفرد او التأثير على احتياجاته من السلع والخدمات، لأن تأثر الفرد في ذلك سيؤثر على المجتمع ، فهو شريك تنمية وطنية وناتج محلي ونماء أسري.
إن المعول على مجلس الاقتصاد والتنمية ان يصبح اكثر قرباً للقضايا التنموية والاقتصاديه العالمية من خلال قراءاته للأحدث وتأثير الدول وتوجهاتها وقدرتها في التحكم على رواج السلع الاساسية او انخفاض قيمتها في السوق العالمي وبالتالي مدى تأثير ذلك على اقتصاديات المملكة وناتجها المحلي خاصة وان مصدر دخلها مرتبط بمنتج وحيد ، وقد سعت الكثير منالدول الى اختراع البدائل التي تغني عنه كي لا تكون أسيرة لتذبذباته ونجحت في ذلك كثيراً ولا زالت تصرف على البحوث والابتكارات والاختراعات ميزانيات ضخمة، ولا تتراجع في ذلك لأنها ستستفيد لاحقاً من هذا الصرف الضخم لإنتاج مبادرات بديله من اجل ان لا تقيد نفسها بمصدر طاقة واحد او سلعة يتحكم فيها المنتجون الكبار صعوداً وهبوطاً بمصالحهم البحتة.
هذا المدخل يقودنا الى الاستفسار من مجلسنا الشاب ونقول متى يصبح النفط مصدراً ومنتجاً اعتيادياً كأحد مصادر الدخل بدلا من كونه مصدراً اعتمادياً، حيث اننا نعتمد على اكثر من 90% من قيمة اقتصادنا وايراداتنا على النفط، وما من شك ان لذلك مخاطر جمه في مدى القدره على توفير السيولة اللازمة للصرف على مشاريع التنمية والبنى التحتية التي نفتقد بعضها في بعض مدننا, كما أن لذلك تأثير سلبي على الخطط الاستراتيجية التي تم بناء ارقامها على توقعات بسعر اصبح اليوم اشبه بالحلم, ويكفي ان نشير الى ان سعر برميل النفط حاليا قد انهار بما نسبته 60% من قيمته قبل عدة أشهر.
السؤال هنا: هل يمكن ان تتحقق تطلعاتنا التنموية في ظل منتج واحد حتى وان كنا بسببه نؤثر عَلى الاقتصاد العالمي، وحتى وان أصبحنا بسببه من الدول العشرين، اليس واقع الحال مع اسعار النفط الحالية يجعل اقتصادنا متذبذب مثلما هو سعره, ثم كيف سيكون الامر في الاشهر القادمة فيما لو واصلت أسعار النفط انحدارها ، لا نرغب ان نكون متشائمين ولكن المعطيات لا تدعو الى التفاؤل مطلقاً ، لأننا نعيش حرب اسعار سنكون اول ضحاياها لاعتمادنا الاستراتيجي الطويل عليها.
سوالي هنا ايضا: أهي المرة الأولى التي نقع فيها فريسة لذلك، ونبدأ بسياسة حزم البطن كي نتكيف مع انخفاض سعر النفط وتأثيراته, وما تضطر به الدولة إلى رفع بعض الاسعار او رفع الاعانة عن بعض السلع او اقرار رسوم للخدمات التي هي من حقوق المواطن على دولته او رفع لرسوم اخرى لمواكبة هذه الدورة المزعجة التي قيدتنا لها، لأننا نعتمد في اقتصادنا على منتج واحد، نصعد حين يصعد ونتأخر حين ينخفض، ونجعل انفسنا أسرى لضعف التخطيط وقراءة المستقبل وانتظار الأحداث المؤلمة حتى تقع.
سؤالي هنا أيضا، لماذا لا نأخذ العبرة من الآخرين في بناء اقتصادياتهم وهم الذين كانوا يعتمدون على النفط مثلنا، لقد حققوا ذلك لان تفكيرهم خارج الصندوق البيروقراطي، وقد حققوا ذلك لأنهم اتفقوا على رؤية واضحة وبمدة زمنية محددة بأن يكون اعتمادهم على النفط ثانوياً.
هل يمكن لنا أن نجعل من الصناعة ودعم التصدير للعالم الخارجي عاملاً مؤثراً في ناتجنا المحلي وايرادات ميزانيتنا العامة، وهل يمكن لمجلس الاقتصاد والتنمية أن يضع الخطط الكفيلة التي لا تتجاوز الخمس سنوات، ويمكن من خلالها بأن يعتمد اقتصادنا على الصناعة والتصدير وبحد أدنى لا يقل عن 30%, اين يقع الاهتمام باستثمار الغاز الذي تبشرنا شركة ارامكو كل فترة بالعثور على كميات تجارية منه كي يكون عاملاً مؤثراً في ناتجنا المحلي الاسير للنفط, هل يمكن ان نجعل من السياحة صناعة ونهتم بها كي تكون رافداً اقتصادياً أكثر فاعلية وتأثير, كيف لنا أن ندير الاستثمار الاجنبي وراس المال المستورد بفاعليه تحقق لنا مصدر دخل قومي مؤثراً بدلا من ان ندعمها لتكون مصدر دخل لاقتصاديات اجنبية,كيف لنا ان نقنن التحويلات المالية التي تجاوزت 150 مليار في اشد الاحصائيات تحفظاً، وهذه ليست دعوة لمنعها ولكن دعوة لاستثمارها بما ينفعنا ولا يضرهم , وكيف نحقق في الداخل معادلة التصدير النافع بدلاً من الاستيراد الضار لنصبح شركاء في دولة تتنوع فيها مصادر دخلها ، ويتفاعل معها مواطنوها بشراكة مثالية.
سؤالي الأخير، كيف لنا محلياً ان نقلل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للطاقة والعالم من حولنا يتمنى ان يجد الصحراء والشمس التي لدينا كي يعتمد على الطاقة الشمسية كمصد ر تنمية مستدامة, أليس هناك دول أخرى تنتج من الماء والتبخير طاقة كهربائية تعمل على تشغيل صناعتها بها وكذلك مدن سكنية شاسعة مأهولة بالبشر , ودول اخرى تستفيد من حرق النفايات واعادة تدويرها كمصادر للطاقة تقلل بها الاعتماد على النفط كمصدر وحيد , ونحن لا نزال على مصدر واحد بالرغم من انه يوجد لدينا شركات سعودية تقدم الطاقة الشمسية البديلة في دول كثيرة من العالم ولم تتح لها الفرصة هنا لعدم ايماننا بهذا البديل.
بهذه البدائل وغيرها الكثير الا نستطيع تشكيل الصناعة وتصدير تلك البدائل لتكون رافداً لناتجنا المحلي وايرادات ميزانياتنا السنوية حتى لا تتباطأ خططنا التي تحتاج الاجيال القادمة الى التسارع في تحقيقها لينعموا بها في وطنهم.
اخيراً المستقبل لا يرحم المتخاذلون أو غير المستعدون للأزمات، ولكن في كل منتج فرص ومخاطر ونواحي قوة وضعف ومن يستطيع قراءتها والاستعداد المبكر لها، فإنه دون شك سيحقق النجاح, ومن يدرس البدائل في اتخاذ القرار ويضع الالويات بأوزانها الدقيقة فإنه سيحقق الأفضل منها ثم ينتقل لما بعدها لأن الصورة واضحة وبياناتها دقيقة وهو الأمل الذي يحدونا في مجلس الاقتصاد والتنمية بقيادة أميرنا الشاب محمد بن سلمان، كما لا يفوتني ان أشير الى ان الحمل الاكبر في الخروج من الازمات يقع على عاتق وزارة التخطيط والاقتصاد لان هذا دورها الفعلي وتأثرنا الدائم او تذبذب اقتصادنا المحلي وايرادات الميزانية يقع دون شك على تلك الوزارة ودراساتها المستقبلية وتوأمتها مع الوزارات المؤثرة في هذا الهم الاستراتيجي للدولة المواطن.

   الجزيرة في 5/10/2015م    العدد 15712

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق