ترجمة

لمباني الحكومية المستأجرة: الاستنزاف غير المبرّر

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
على الرغم من التوجهات العامة للدولة الرامية إلى مشاركة القطاع الخاص في بناء التنمية السعودية، وعلى الرغم من صدور العديد من القرارات المؤكدة جدوى استخدام آلية البناء وتمويل وتشغيل المرافق الحكومية من قبل القطاع الخاص ومن ثم إعادة تمليك تلك المرافق للدولة بعد فترة زمنية معينة، وهو ما يسمى عقود ال BOT وعلى الرغم من الجدوى الاقتصادية لتطبيق آلية الإيجار المنتهي بالتمليك.
على الرغم من كل ذلك، إلا أننا لا نزال نشهد أن نسبة كبيرة من المباني والمرافق الحكومية في الوقت الحاضر لا تزال مستأجرة كالمدارس والمراكز الصحية ومقار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفروع وزارة الشؤون الإسلامية وفروع الإدارات البلدية ومراكز الشرط وإدارات المرور ومراكز الهلال الأحمر، وكذلك الإدارات الفرعية لمختلف الأجهزة الحكومية في المناطق والمحافظات والممثليات السعودية في الخارج.. إلخ.
فهل يعقل أن أعداد المراكز الصحية المستأجرة يبلغ 1550 مركزاً أي ما نسبته 86% من مجموع المراكز الصحية البالغة 1805 وهل يعقل أن أعداد مدارس البنين المستأجرة يبلغ 4679 مدرسة أي ما نسبته 56% من مجموع مدارس البنين البالغ 8344 مدرسة وهل يعقل أن مدارس البنات المستأجرة يبلغ 6220 مدرسة أي ما نسبته 73% من مجموع مدارس البنات البالغ 8478 مدرسة، وهل يعقل أن أعداد مقار هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المستأجرة يبلغ 397 مقراً أي ما نسبته 84% من مجموع مقار هيئات الأمر بالمعروف البالغ 436 مقراً، وهل يعقل أن أعداد المباني المستأجرة من قبل الأمن العام تبلغ نحو 700 مبنى مستأجر وهي تمثل النسبة الغالبة لمباني الأمن العام، وهل.. وهل.. وهل..؟؟
وإضافة إلى أن غالبية تلك المرافق الحكومية المستأجرة تمثل هدراً اقتصادياً واستنزافاً كبيراً للموازنة العامة للدولة وذلك من خلال ما تنفقه أجهزة الدولة المختلفة سنوياً كمبالغ إيجارية، فإن كثيراً من تلك المرافق المستأجرة ليست مشيدة وفقاً للمواصفات الفنية والصحية المناسبة لاحتياج الجهات الحكومية، ويظهر بوضوح أن كثيراً من المدارس المستأجرة (بنين وبنات) غير مناسبة لتقديم العملية التعليمية السليمة فيها، كما أن نسبة كبيرة من المراكز الصحية المستأجرة هي في وضع متردّ، ومن غير المناسب أن يتم تقديم الخدمات الصحية للمرضى من خلالها، وهذا الواقع ينطبق على الكثير من المرافق الحكومية المستأجرة، وما من شك أن بناء تلك المرافق التعليمية والصحية وغيرها من المرافق الحكومية الأخرى من خلال آلية البناء والتشغيل ثم التمليك سوف يكون وفقاً للمواصفات المناسبة لتقديم الخدمات الحكومية.
ومتى يتم وقف الهدر المالي السنوي الذي يتم استنزافه من خلال استمرار استئجار النسبة الغالبة من المرافق الحكومية الصحية والتعليمية والبلدية وغيرها فإنه من الأهمية أن تبادر وزارة المالية بشكل عاجل إلى وضع خطة يمكن من خلالها إلزام كل أجهزة الدولة بوقف العقود الإيجارية للمنشآت والمباني الحكومية التي أنهكت الموازنة العامة للدولة والعمل على استبدالها بواسطة عقود الإنشاء والتشغيل والتمليك بالنسبة للمرافق الجديدة، والعقود الإيجارية المنتهية بالتملك بالنسبة للمباني القائمة.
صرخة
متى فكرنا جميعاً في مصلحة الوطن، ومتى قدمنا مصلحة هذا الوطن على تحقيق المصالح الشخصية غير المشروعة للبعض منا.. متى تحقق ذلك فإنا على يقين بأن استنزاف الخزانة العامة للدولة من جراء استمرار الاستئجار غير المبرر للكثير من المباني والمرافق الحكومية سينتهي.. وعندها فقط سنفكر جدياً في تطبيق آلية (الإنشاء والتشغيل والتمليك) وكذلك آلية الإيجار المنتهي بالتمليك.
1 / 10 / 2005م                عدد 12056

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق