ترجمة

يا رجال الشورى .. اقسوا علينا

د.محمد بن عبد العزيز الصالح
بدأ مجلس الشورى مؤخراً في مناقشة مواد مشروع نظام المرور الجديد، ونحن جميعاً نتطلع إلى أن نتمكن من خلال هذا النظام الجديد السيطرة على الكثير من الحوادث والمشكلات المرورية بالغة الخطورة. وحيث تُعَدُّ المملكة في مقدمة الدول من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة عن الحوادث المرورية، لذا فإنّنا نتأمَّل بل ونرجو الإخوة أعضاء المجلس أن يضعوا في الاعتبار عند مناقشتهم لمشروع النظام المروري جملة من الحقائق منها:
- أنّ أعداد المخالفات المرورية لدينا وباعتراف مدير عام الإدارة العامة للمرور، تتجاوز الثمانية ملايين مخالفة في العام، في ظني أنّ ذلك مؤشر قوي على ما نعيشه من فوضى مرورية.
- إنّ هناك استنزافاً كبيراً للموارد الاقتصادية بسبب الحوادث المرورية، وقد كشفت الدراسات أنّ تلك الحوادث تستنزف أكثر من 5% من معدل الناتج المحلي، وهذه خسارة كبيرة بكلِّ المقاييس.
- إنّ نسبة كبيرة من مرتكبي الحوادث المرورية هم من الشباب دون السن النظامية المسموح لها بقيادة السيارة، وهذا أمر لا يمكن أن يحدث في أيِّ دولة من دول العالم باستثناء المملكة!!!
- إنّ بعض أصحاب الفضيلة قد أفتى باعتبار قاطع الإشارة المتعمِّد بمثابة القاتل، فإذا كان القاتل في المملكة يطبَّق عليه شرع الله وهو القتل، فكيف نقبل بتلك المرونة غير المبررة مع من يتجاوزون الإشارات الضوئية، وكيف نرضى بتطبيق أخف العقوبات بحق مخالفين تسبب فعلهم في إزهاق أرواح بريئة .. في ظني أنّ الحبس ولمدد ليست بالقصيرة هو ما يجب أن يتضمَّنه النظام الجديد من عقوبة لكلِّ من يتجاوز الإشارة الضوئية، إضافة للعقوبات المالية الأخرى.
- إنّ الكثير من رجال المرور لا يترددون في تسجيل مخالفة مرورية على كلِّ سائق لا يربط الحزام، بل ودون أن يعلم السائق المخالف بتلك المخالفة، وكان القصد من تلك المخالفة هو جمع أكبر قدر ممكن من الأموال من هؤلاء المخالفين، بغض النظر عن توعيتهم وتنبيههم لتلك المخالفة، وفي الوقت نفسه نجد تجاهلاً كبيراً من رجال المرور لمن يتجاوز السرعة المحددة أو الإشارة المرورية وكأنِّي برجل المرور يقول (اربط الحزام وافعل ما تشاء).
- إنّ الكثير منا يستخدم هاتفه الجوال أثناء قيادة السيارة، وقد كشفت العديد من الدراسات أنّ نسبة كبيرة من الحوادث المرورية هي بسبب انشغال السائق بالهاتف الجوال .. وللمعلومية فإنّ كافة الدول (باستثناء المملكة) تفرض عقوبات رادعة لمن يستخدم جواله أثناء قيادته للسيارة. - إنّ من الجوانب التي ولَّدت شيئاً من الإحباط لدى رجال المرور، انتشار الشفاعة والواسطة والتي يمكن للمخالف من خلالها التحرُّر من أيِّ عقوبة أو مخالفة مرورية تسجَّل بحقه. ونحن نتأمَّل من رجال الشورى أن ينحوا منحى متشدداً في هذا الجانب، نرجو أن نراه في مشروع النظام الجديد.
- إنّ احترام النظام الجديد للمرور سيكون مرهوناً بمدى تضمُّن هذا النظام لعقوبات رادعة كفيلة باحترامه. وانطلاقاً من الفوضى المرورية التي نعيشها، وإدراكاً بأنّ هناك البعض ممن قد لا تؤثِّر فيه الغرامات المالية وعقوبة حجز السيارة، لذا فإنّني اقترح أن يتضمَّن النظام الجديد إقراراً لعقوبة الحبس والتوقيف لمدد زمنية تتفاوت بحسب جسامة المخالفة المرورية المرتَكبة .. وللمعلومية فقد صدر في مملكة البحرين مؤخراً قرار بسجن شاب سعودي لمدة خمس سنوات تسبب سرعته الجنونية بمقتل عائلة بأكملها. أمّا لدينا فنجد أنّ السائق الذي يتسبب تهوُّره واستهتاره في قتل أرواح بريئة قد يخرج من الحبس قبل انتهاء أيام العزاء في من قام بقتلهم .. وللمعلومية فإنّ عدد من تم قتلهم بسبب الحوادث المرورية وتمّت الصلاة عليهم خلال شهر واحد فقط (رمضان 1424هـ) في مسجدين فقط (مسجد الراجحي ومسجد عتيقة)، قد بلغ (606) قتيل، وبعملية حسابية بسيطة يتضح أنّ عدد قتلى وضحايا الحوادث المرورية في مدينة واحدة قد يصل في تلك السنة إلى (606?12 = 7272 قتيل) .. ولمجرد العلم فهذا الرقم من ضحايا الحوادث المرورية في سنة واحدة يفوق مجموع ضحايا الانتفاضة الفلسطينية منذ بدايتها. وفي ظني أنّ أحد أسباب تلك المجازر البشرية بسبب الحوادث المرورية، أنّ نظام المرور المعمول به حالياً يعود صدوره لأكثر من خمس وثلاثين عاماً (1391هـ)، ناهيك عن عدم تضمُّن هذا النظام لعقوبات رادعة تفرض احترام هذا النظام.
.. خلاصة الحديث يا رجال الشورى، الأوضاع المرورية لدينا محبطة، وتحتاج إلى انتشال، وقد لا تتعدَّل تلك الأوضاع ما لم تقسوا علينا في مشروع النظام المروري الجديد والذي هو بأيديكم حالياً .. ولذا فإنّنا نرجوكم كلَّ الرجاء بأن تقسوا علينا.
21 / 5 / 2005م        عدد 11923

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق