ترجمة

السرقة الكبرى

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
نشرت صحيفة الوطن يوم الثلاثاء الماضي 27-1-1426هـ موضوعاً بعنوان (ضبط أخطر عصابة لسرقة المواد البترولية من خطوط حيوية بالخرج)، حيث نشرت الصحيفة أن قسم البحث السري والسلامة بالدفاع المدني بالرياض قد ألقى فجر يوم الاثنين الماضي (26-1-1426هـ) القبض على إحدى الشبكات المتخصصة في سرقة المواد البترولية من أحد المرافق الحكومية المهمة في الخرج، وقد أشرف على ضبط العصابة مدير عام الدفاع المدني،......الخ).
وإزاء هذا الخبر الذي يبدو في ظاهره أنه إنجاز للدفاع المدني، إلا أنني أعتقد أن هناك العديد من الثغرات التي تستدعي منا التوقف طويلاً إذا ما أردنا بالفعل تطهير بلدنا -حفظه الله- والقضاء على مثل تلك الجرائم والعصابات.
لقد تضمن الخبر تصريحاً لأحد ضباط الدفاع المدني بأنه قد تم ضبط العصابة بعد مراقبة الموقع من قبل البحث السري لمدة زادت عن الشهر، وقد نتج عن مداهمة الموقع القبض على أربعة من العمالة الهندية بعد عملية درامية، وأثناء المداهمة والتحقيق داخل الاستراحة، دخل سائق أحد الصهاريج دون علمه بوجود رجال الدفاع المدني داخل الاستراحة، وقد تم القبض عليه مباشرة من قبل رجال الدفاع المدني، وفي ظني أن تلك الإجراءات التي اتبعها المعنيون بالدفاع المدني في هذه القضية هي إجراءات بدائية جداً ولا توحي بأن هناك عملاً مدروساً ومنظماً للقضاء نهائياً على مثل تلك الشبكات الإجرامية. فهل تتكون تلك الشبكة الإجرامية من هؤلاء الهنود الخمسة فقط، أليس من المفترض خلال فترة التحري والتي امتدت لأكثر من شهر أن يتم اكتشاف كافة خيوط تلك الجرائم المنظمة، وكل من له علاقة بتلك الشبكة الإجرامية من مواطنين وأجانب؟.
ويكفي للدلالة على بدائية تلك الإجراءات أن نشير إلى أن أحد العاملين المقبوض عليهم قد أكد خلال التحقيق معه بأن صاحب العمل على علم واطلاع بكل ما تقوم به تلك العصابة، ووالد صاحب العمل الذي يعمل في شركة أرامكو على علم بنشاط تلك العصابة، أيضاً (كما نشرت الصحيفة) وذلك وفقاً لما أدلى به العامل الهندي خلال التحقيق معه، وقد نشرت صحيفة الوطن بأنه عندما تم استدعاء صاحب العمل من قبل أحد ضباط الدفاع المدني أنكر معرفته بالأمر وأنه لا يأتي مساءً للاستراحة لبعدها عن منزله.
وبعد هذا ألا نتفق جميعاً على تواضع إجراءات التحري والتحقيق التي قام بها رجال الدفاع المدني إزاء تلك الجريمة الخطيرة.. أليس من المفترض أن تكون تلك الإجراءات أكثر دقة وتنظيماً، ثم إذا كانت تلك الإجراءات قد فشلت في معرفة مدى ضلوع صاحب العمل ومدى مشاركته في أعمال تلك العصابة، فمن البديهي أنه سيكون من الصعب أن يتم اكتشاف أي خيوط قد تفيد في معرفة شبكات إجرامية أخرى قد تكون لها علاقة بتلك الشبكة.
مجرد تساؤلات..
- أشار أحد السائقين بأن العصابة تبيع المواد البترولية المسروقة بأسعار رخيصة جداً على كل من المغاسل الأتوماتيكية وبعض محطات البنزين الصغيرة، ألا يفترض أن يشمل التحري والتحقيق كافة هؤلاء المستفيدين، ألا يمكن اعتبارهم مشاركين في تلك الشبكة الإجرامية ومتسترين عليها.
- ألا نعتقد بأن الهنود الخمسة المقبوض عليهم لا يمكن أن يقوموا بمثل تلك الجريمة الفنية المنظمة ما لم يهيأ لهم الدعم اللازم من بعض ضعاف النفوس من المواطنين. فلماذا يعطى الإذن بالمداهمة قبل اكتمال عمليات التحري وضبط كل من له علاقة بتلك الشركة الإجرامية؟
- تضمن الخبر المنشور بأن ممن شارك في عملية المداهمة أحد الأفراد الذي خرج للتو من المستشفى إثر تعرضه لحادث قطع أصابع يده اليمنى في قضية أخرى قبل خمسة أيام، علماً بأن هذا الفرد لا يزال يتمتع بإجازة طبية ولكنه أبى ألا أن يشارك الفرقة في هذا الكمين، وفي الوقت الذي نناشد بتكريم هذا الفرد على وظيفته، إلا أن ذلك يؤكد على أن الإجراءات المتبعة في التحري وحتى في المداهمة أيضاً من قبل المعنيين بالدفاع المدني هي إجراءات ارتجالية غير مدروسة.
ختاماً يظل السؤال الأهم: (من هي الجهة المسؤولة والمعنية بالتحري والمتابعة عن مثل تلك الشبكة الإجرامية وفي مثل تلك القضايا الأمنية؟ هل هو جهاز الدفاع المدني، أم أنها إحدى الجهات الأمنية الأخرى؟ إن كانت الجهة المعنية هي الدفاع المدني، فتلك مصيبة نظراً لبدائية وتواضع كافة الإجراءات المتبعة في تلك القضية. وإن كانت الجهة المعنية جهازاً آخر غير الدفاع المدني فالمصيبة ستكون أعظم نظراً لأن جهاز الدفاع المدني قد أقحم نفسه في اختصاصات أجهزة أمنية أخرى أكثر اختصاصاً، وبالتالي فإن إقحام جهاز الدفاع المدني وإن حقق بعض المكاسب الإعلامية لهذا الجهاز، إلا أنه سيكون على حساب الجوانب الأمنية للوطن.
12 / 3 / 2005م      عدد 11853

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق