ترجمة

هل على رأس الخليجيين (ريشة) يا معالي الوزراء؟

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
 في الدول الغربية يتم تجريم من يقوم بالتدخين في كافة الأماكن العامة، وقد نجحت هذه الدول في التعامل مع مشكلة التدخين، حيث أقرّت العقوبات الصارمة والتي تصل إلى حد السجن والغرامات المالية العالية، وقد تمكنت من جراء ذلك من عزل المدخنين عن المجتمع في الحدائق والأسواق والمقاهي ووسائل المواصلات وغيرها.
وبالنظر إلى دولة اليمن الشقيق، نجد بأنّ السلطات اليمنية قد أصدرت قانون مكافحة التدخين بالأماكن العامة، حيث تصل العقوبات فيه إلى السجن يوماً واحداً أو أكثر وكذلك غرامة مالية تتجاوز (500) ريال.
أما في دول الخليج ومنها المملكة، فإنّه وللأسف الشديد لا نرى تحركاً فاعلاً سواءً على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي، من أجل الحد من التدخين على الأقل في الأماكن العامة، ولذا فإننا لا نرتاد أي مطعم أو مقهى أو سوق، إلاّ ونجبر على التعايش مع أجواء ملوثة بالدخان، بسبب كثرة المدخنين في تلك المحلات العامة، والجانب الأمَر في هذا أنّنا نجد بعض موظفي المستشفيات يدخنون في المستشفى، أو بعض موظفي صالات المطارات يدخنون داخل الصالات، بل إنّ بعض المعلمين يدخنون داخل المدارس والمؤسسات التعليمية.
وعلى الرغم من التكلفة الاقتصادية الباهظة والمخاطر الصحية العالية، إلاّ أننا لا نجد تحركاً من قِبل الأجهزة الرسمية لفرض عقوبات على المدخنين في الأماكن العامة والذين يلحقون الضرر بالآخرين، ففي الاجتماع الأخير لوزراء الصحة في دول الخليج، نجد بعض التصريحات السلبية لهؤلاء الوزراء والتي توحي باستحالة القضاء على التدخين في الأماكن العامة، فقد صرح وزير الصحة العماني في ذلك قائلاً: (إنه ليس من السهل تطبيق العقوبة بين المجتمع الخليجي مشيراً إلى ضرورة وضع برنامج تثقيفي وتوعوي للمجتمع من منطلق القناعة الذاتية)، في حين صرح معالي وزير الصحة القطري قائلاً: (إنّ المجتمع الخليجي لا يزال ضمن ثقافة بعيدة عن تقبُّل القوانين الصارمة مبيناً أنّ الحملات الإعلامية التوعوية التي تطلقها وزارات الصحة الخليجية لا تقارن مع الآلة الإعلامية لشركات التبغ العالمية ولا تستطيع منافستها).
وإنني والله لأستغرب من تلك السلبية التي تكسو الأجهزة الرسمية في المملكة ودول الخليج، في مكافحتها لظاهرة التدخين في الأماكن العامة، فهل على رأس مواطني دول الخليج (ريشة) حتى يتصاعب وزراء الصحة تطبيق العقوبات عليهم؟، ثم ألا يدرك وزراء الصحة الخليجيون بأنّ الأنظمة والتعليمات لا تتبع من قِبل الأفراد ما لم يكن هناك عقوبات رادعة تجبرهم على ذلك، فكيف إذا يصرح الوزراء الخليجيون بأنّ المجتمع الخليجي بعيد عن تقبُّل القوانين الصارمة، ألا يعتقد إخواننا وزراء الصحة الخليجيون بأنّ المواطنين الخليجيين يمتنعون عن التدخين في المحلات العامة في الدول الأخرى عندما يسافرون إليها، فما الذي يجعلهم يفعلون ذلك في دولهم الخليجية؟.
أرجو من الله أن لا يكون مصدر تلك المرونة غير المبررة من قِبل وزراء الصحة الخليجيين تجاه التصدي لظاهرة التدخين في الأماكن العامة، أنّ الوزراء أنفسهم يدخنون، مما يصعب معه عليهم أمر اتخاذ العقوبات المناسبة. في ظني أنّ على وزراء الصحة الخليجيين أن يكونوا أكثر تشدداً في التصدي لظاهرة التدخين في الأماكن العامة، إذا ما علمنا بأنّ أعداد المدخنين في المملكة فقط قد تجاوز الستة ملايين مدخن، وأن خمسة آلاف شخص يتوفون سنوياً في المملكة بسبب ذلك.
وعلى وزراء الصحة في دول الخليج أن يكونوا أكثر تشدُّداً إذا ما علمنا بالتكلفة الاقتصادية الباهظة من تلك الظاهرة، وبأنّ ما ينفقه السعوديون وحدهم على التدخين يتجاوز الثمانية مليارات ريال، وأنّ التبغ يستهلك (6%) من مخصصات الرعاية الصحية في السعودية، هذا إضافة إلى التكاليف المالية الكبيرة التي تتكبّدها الدولة لقاء تنفيذ العديد من البرامج التوعوية الموجّهة ضد التدخين، وكذلك إقامة المعارض التوعوية بأضرار التدخين والتي تجاوز عددها (142) معرض في السعودية وحدها.
16 / 3 / 2008م       عدد 12953

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق