ترجمة

تطهير الأسواق من جرائم الغش التجاري

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
 نشرت صحيفة الجزيرة في عددها الصادر يوم 5-3-1429هـ خبراً مفاده أن قاضياً في محكمة طريف الشرعية قد أصدر حكماً بالسجن أربعة أشهر والجلد خمسة وسبعين جلدة لشاب أدين بالقيام بمعاكسة في سوق للنساء، وذلك بعد أن استوقفته دورية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجهت له تهمة رفع صوت المسجل ومعاكسة النساء بالسيارة، وقد تم تنفيذ حكم الجلد في مكان وقوع المخالفة بوجود مندوبين من عدة جهات أمنية.
وإزاء تلك المخالفة التي ارتكبها هذا المعاكس وما حكم ونفذ بحقه من عقوبة، يتبادر إلى الذهن أمور عدة منها:
- أنني أؤكد على أهمية تطبيق العقوبات الرادعة بحق كل من يخالف ويتجاوز الحدود خاصة إذا كان هذا التجاوز يلحق الضرر بالآخرين فمن أمن العقوبة أساء الأدب، وفي هذه الحادثة نجد أن المعاكس تجاوز حدوده وأطلق لنفسه العنان لينال من محارم المسلمين، لذا كانت له الهيئة بالمرصاد وطبقت بحقه العقوبة الرادعة والتي ستكون رسالة لغيره من الشباب -وهم إن شاء الله قلة- ممن تسول لهم أنفسهم التجاوز والمساس بأخواتهم من المسلمات.
في الوقت الذي نثني فيه على تطبيق العقوبات الرادعة بحق من يتجاوز من الشباب المعاكسين في الأسواق، فإنني لا أتفق مع منع أحد من الرجال أو الشباب من دخول الأسواق أو المجمعات التجارية، خاصة وأن بعض الظروف الاجتماعية قد تحتم على بعض الرجال التسوق في الأسواق النسائية دون وجود نساء في معيتهم، فطالما أن هناك عقوبات رادعة وتنفذ على أرض الواقع على من تجاوز من الشباب، فلن يقدم أحد منهم على سلك مثل تلك التصرفات، ولو نظرنا إلى بعض الدول المجاورة (الإمارات)، لأدركنا أنه لا يتجرأ أحد على المعاكسة داخل الأسواق على الرغم من تبرج وسفور الكثير من النساء هناك، وسبب ذلك تطبيق العقوبات الرادعة والمتمثلة في السجن والجلد داخل السوق بحق كل من تسول له نفسه معاكسة النساء، أما في أسواقنا، فعلى الرغم من احتشام النساء إلا أنهن لم يسلمن من معاكسة البعض من الشباب، وذلك عائد لعدم وجود العقوبات الرادعة التي تطبق بحق تلك الفئة من الشباب.
إن تطبيق عقوبتي السجن والجلد بحق هذا المعاكس جعلني أتساءل عن السبب الذي يجعلنا نطبق تلك العقوبات الرادعة (وأنا أؤيدها) في الوقت الذي نغض فيه الطرف عن بعض القتلة من التجار الذين لا يترددون في المتاجرة بصحتنا وأرواحنا بسبب قيامهم بتسويق السلع الغذائية المغشوشة والمنتهية الصلاحية والتي لا تصلح للاستخدام الآدمي، فهل يستطيع أحد منا إنكار أن الصحف تطالعنا يومياً بالكشف عن الآلاف من السلع المغشوشة واللحوم المنتهية الصلاحية وفي مختلف مناطق المملكة.
وهل يستطيع أحد منا إثبات أن أحد هؤلاء التجار القتلة (وهم قلة) قد تعرض لعقوبة السجن أو الجلد على الرغم من أن هذا العمل الإجرامي الذي قاموا به قد تسبب في مرض ووفاة العديد من الأنفس البريئة.
وهل نتفق أن فرض الغرامات المالية الزهيدة التي تفرضها وزارة التجارة والتي لا تمثل سوى جزء بسيط مما يحققه هؤلاء التجار من أرباح طائلة نتيجة قيامهم وارتكابهم لتلك الجرائم الجنائية قبل أن تكون مخالفات تجارية، إنما يمثل السبب الأول في تفشي جرائم الغش التجاري.
وهل نتفق بأن معالي وزير التجارة الجديد الأستاذ عبدالله زينل، لن يتمكن من السيطرة والقضاء على جرائم الغش التجاري مهما قدم من دعم للإدارات المعنية بمكافحة الغش التجاري، وأن الأسلوب الأوحد الذي سيمكن معاليه من تطهير أسواقنا من تلك الجرائم الإنسانية إنما يتمثل في استصدار قرارات عليا بإقرار عقوبتي السجن والجلد بل وأحياناً القتل لكل من تسول له نفسه من التجار إزهاق أرواح بريئة بسبب تسويق تلك السلع المغشوشة والمنتهية الصلاحية.
وأخيراً هل نتفق أننا نعيش حالة من التناقضات الغريبة، فكيف نعاقب المعاكس بالجلد والسجن ونغض النظر عن بعض المجرمين من التجار عديمي الذمة على الرغم من شناعة جرمهم من خلال تسويقهم لتلك الأغذية الفاسدة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي.
3 / 3 / 2008م         عدد  12967
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق