ترجمة

أنظمتنا وهروب العمالة

 
د. محمد بن عبد العزيز الصالح
خلال الأسبوع الماضي التقيت في مناسبة برجل أعمال إندونيسي يملك إحدى أكبر شركات تصدير الخدم والعمالة المنزلية الإندونيسية للمملكة، وحيث كان الحديث معه مركزا حول المشكلات المتعلقة بالعمالة الأجنبية بالمملكة بصفة عامة وبالعمالة الإندونيسية على وجه الخصوص، ذكرت له بأن أكبر الإشكالات تتمثل في هروب الخدم والعمالة المنزلية وعلى الأخص الإندونيسية منها، فسارعني بالجواب قائلاً بأن اللوم لا يقع على تلك العمالة الهاربة، مشيراً في ذلك بأنها عمالة فقيرة وقد تركت وطنها وأهلها من أجل لقمة العيش والكسب المادي، وعندما تتاح لها الفرصة بأن تهرب من كفيلها الذي يدفع لها 600-700 ريال شهرياً وتعمل في عمل آخر بصورة غير نظامية براتب شهري يتراوح بين 1500-2000 ريال فهي لن تتردد في الهروب طالما أنها تعلم بأنه ليس هناك أي عقوبات تطبق عليها بعد سنوات من عملها وبعد القبض عليها، سوى تسفيرها لوطنها بعد أن تكون قد حققت ما تريده من كسب مالي، مما يشجعها على العودة للعمل بالمملكة بعد فترة قصيرة ومن ثم هروبها مرة أخرى وهكذا، وقد صارحني صاحبي الإندونيسي مازحا بأنه إذا كان (النظام لا يحمي المغفلين) فإنه يعتقد بأن العامل الذي لا يهرب ويحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب المادية سيكون هو المغفل في ظل عدم وجود العقوبات الرادعة والكفيلة بالقضاء على تلك الظاهرة. وفي ظل عدم تحرك الجهات ذات العلاقة للقضاء على تلك الظاهرة.
وأضاف محدثي الإندونيسي بأن كافة الدول التي تصدر شركته لها العمالة الإندونيسية - باستثناء المملكة - لا تتساهل إطلاقاً مع هروب العمالة، مؤكداً بأن أنظمة تلك الدول تتضمن العديد من العقوبات القاسية سواء على الخادمة والعامل الهارب أو على من قام بمساعدته واحتوائه بعد هروبه، كما أضاف محدثي بأن ما يثير اندهاشه هو وجود ما يقارب الستة ملايين أجنبي بالمملكة منها مليونان من العمالة المنزلية، ومع ذلك لا يوجد تحرك فاعل من قبل الأجهزة الرسمية ذات العلاقة للقضاء على ظاهرة هروب الخدم والعمالة المنزلية.
بعد لقائي بضيفي الإندونيسي، تأملت في كل ما قال حول ظاهرة هروب الخدم والعمالة المنزلية وسألت نفسي: ما الذي يجعلنا نسلك مسلكاً ضعيفاً في مواجهة تلك الظاهرة التي بدأ وطننا الغالي يعاني منها اجتماعياً واقتصادياً وصحياً وأمنياً؟ وما الذي يجعل العقوبات التي تتضمنها أنظمتنا مشجعة لتلك العصابات التي تنظم لهروب واحتواء العمالة المنزلية؟ ويكفي أن أشير إلى أن مدير جوازات مكة المكرمة قد صرح لصحيفة الشرق الأوسط (13 ربيع الثاني 1428هـ) بأن العقوبة المقررة على تلك العصابات هي (5000) خمسة آلاف ريال، وما الذي يجعل الأجهزة الرسمية ذات العلاقة تقف موقف المتفرج في مكافحة تلك الظاهرة، طالما أنها تحدث في وضح النهار. نعم فمتى ما توفرت النوايا الصادقة والإخلاص لهذا الوطن سنتمكن من القضاء على ظاهرة هروب العمالة المنزلية، وإذا كان الكثير منا يعلم عن تلك البيوت الموجودة في العديد من أحياء الرياض التي تقوم بتأجير الخادمات الهاربات بمقابل مالي يبلغ 150 ريالاً يومياً أو بمرتب شهري يصل إلى 1500-2000 ريال، فإنه والله لأمر مزعج أن يحدث ذلك دون تحرك فاعل من قبل الجهات المختصة للقضاء على تلك الظاهرة الخطيرة الأبعاد.
فهل تصدقون أن عدد الخدم والعمالة المنزلية سنوياً في مدينة الرياض فقط يتجاوز الخمسين ألف خادمة وعامل منزلي.
فإذا كان عدد البلاغات عن العمالة الهاربة التي يتلقاها مكتب إيواء الخادمات هو 150 بلاغاً يومياً، فذلك يعني أن مجموع حالات الهروب شهرياً يبلغ 4500 (150?30) سنوياً 54000 (4500?12) فهل يمكن أن يحدث هذا كله دون تحرك فاعل من قبل الأجهزة ذات العلاقة.
الحقيقة المرة، أن هناك واقعاً مريراً تعيشه شريحة كبيرة من المواطنين والأسر السعودية مع العمالة المنزلية التي تتخاطفها عصابات لم تجد من يردعها ويوقفها عند حدها على الرغم من أن تلك العصابات تعمل في وضح النهار ويسهل القضاء عليها، لذا فإننا نناشد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، بأن يوجه كافة الأجهزة ذات العلاقة بالتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، وأن تتضمن أنظمتنا العقوبات الكفيلة بالقضاء عليها.
خلاصة القول، الخلل فينا والعيب يعترينا إزاء سكوتنا غير المبرر إزاء انتشار ظاهرة هروب الخدم والعمالة المنزلية على الرغم من المخاطر الواضحة للجميع صحياً وأمنياً واقتصادياً. فإلى متى سيستمر هذا السكوت غير المبرر؟
22 / 7 / 2007م        عدد 12715 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق