ترجمة

البيروقراطية الحكومية هدرٌ اقتصادي غير مبرر

د محمد بن عبد العزيز الصالح
على الرغم من التوجه المحمود للدولة والقاضي بأن تقوم كافة الأجهزة الحكومية بسلك سياسات مرنة لا تعطل مصالح المواطنين، إلا أنه من الملاحظ أنه ما زال هناك عدد من الأساليب الإدارية البيروقراطية التي ما زالت تُمارس من قِبل بعض المديرين والمسؤولين في بعض أجهزة الخدمات الحكومية، وما من شكٍ أن ذلك لا يتفق مع المصلحة العامة التي ننشد جميعاً تحقيقها، ناهيك عن الهدر
الاقتصادي المتحقق من جراء العمل وفق تلك السياسات البيروقراطية.وإذا كانت خدمة المواطن هي الهدف الذي يفترض على كل جهاز من أجهزة الدولة أن يسعى لتحقيقه، إلا أنه يلاحظ أيضاً أن عدداً من المسؤولين البيروقراطيين لا يتردد في التقيد غير المرن بالأنظمة واللوائح إلى الدرجة التي تُشعر من يتعامل معه بأن الهدف الذي يسعى لتحقيقه هو خدمة تلك الأنظمة واللوائح وليس خدمة المواطن، وكما هو معلوم فإن البيروقراطيات التي تعمل في إطار اللوائح العقيمة تنسى تماماً الهدف الأساس الذي تعمل من أجله، وبدلاً من خدمة الجمهور تعمل تلك الأجهزة على خدمة تلك الأنظمة واللوائح.
وطالما أن عدداً من أجهزتنا الحكومية لا تزال تعج بالأساليب البيروقراطية المكلفة اقتصادياً على الدولة، فإنني ساستعرض لكم نظرية تسمى (بنظرية القرود الخمسة)، وهي كالتالي:
 (احضر خمسة قرود، وضعها في قفص، وعلق في منتصف القفص حزمة موز، وضع تحتها سلماً. بعد مدة قصيرة ستجد أن قرداً ما من المجموعة سيعتلي السلم محاولاً الوصول إلى الموز. وما ان يضع يده على الموز، أطلق رشاشاً من الماء البارد على القردة الأربعة الباقين وأرعبهم. بعد قليل سيحاول قرد آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز، كرر نفس العملية، رش القردة الباقين بالماء البارد. كرر العملية أكثر من مرة. بعد فترة ستجد أنه ما ان يحاول أي قرد أن يعتلي السلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفاً من الماء البارد. ابعد الماء البارد واخرج قرداً من الخمسة إلى خارج القفص، وضع مكانه قرداً جديداً لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء البارد، سرعان ما سيذهب هذا القرد إلى السلم لقطف الموز، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء البارد لمنعه وستهاجمه، بعد أكثر من محاولة سيتعلم القرد الجديد أنه إن حاول قطف الموز سينال علقة ساخنة من باقي أفراد المجموعة.الآن اخرج قرداً آخر ممن عاصروا حوادث رش الماء البارد وادخل قرداً جديداً عوضاً عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرر من جديد.
القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضرباً لمنعه، بما فيهم القرد الجديد على الرغم من أنه لم يعاصر رش الماء، ولا يدري لماذا ضربوه في السابق، كل ما هنالك أنه تعلم أن لمس الموز يعني علقة ساخنة على يد المجموعة، لذلك ستجده يشارك، ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات للقرد الجديد. استمر في تكرار نفس الموضوع، اخرج قرداً ممن عاصروا حوادث رش الماء. وضع قرداً جديداً، وسيتكرر نفس الموقف. كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء حتى تستبدلهم بقرود جديدة، في النهاية ستجد أن القردة ستستمر تنهال ضرباً على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم. لماذا؟ لا أحد منهم يدري!!! لكن هذا ما وجدت المجموعة نفسها عليه منذ أن جاءت. هذه القصة ليست طرفة، وإنما هي أحد الدروس المشهورة في علم الإدارة الحديثة، وقد احببت استعراضها في الوقت الذي نشهد فيه كثافة تلك الأنظمة واللوائح المطبقة في أجهزتنا الحكومية منذ عشرات السنوات وبنفس الأسلوب البيروقراطي غير المجدي الذي لم يعد يتماشى مع المعطيات الاقتصادية المستجدة. نعم الآلاف من المسؤولين والموظفين يطبقون الكثير من الأنظمة واللوائح التي أكل عليها الدهر وشرب لمجرد خدمة تلك البيروقراطية التي درجوا عليها دون أن يدركوا لماذا يطبقونها بهذه الطريقة.
8 / 7 / 2007م           عدد 12701

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق