ترجمة

المثقف السعودي.. حمد القاضي أنموذجاً

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
في ظل الأحداث المتسارعة من حولنا، وعلى ضفاف هذه الحياة وما يدور فيها من ظروف خانقة إثر الفواجع والكوارث التي تعصف بالأخضر واليابس، لا يملك الإنسان إلا قدراته على الدفاع عن حقوقه الأولى وأساسيات البقاء التي تكفل له حياة كريمة وتمنحه المكانة المرموقة في هذا العالم المحفوف بالأخطار.
ولعل الإنسان في بحثه عن الأمان الحقيقي لا يذهب بعيداً عند تحقيقه في غير وطنه الذي احتضنه صغيراً ورعاه ونشأ على حبه والتفاني في الإخلاص له، حتى آمن بأن هذا الوطن هو مهد كرامته وغاية أمانيه بعد رضا الله عز وجل.
وعندما يحيق بهذا الوطن شر مستطير - لا قدر الله - يشمر هذا الإنسان المواطن بغيرته مدافعاً عن وطنه العزيز، وهذا ما لمسناه من المواطنين السعوديين عندما امتحن الله قلوبهم ومحصها إثر القلاقل التي مرت بها الأمة الإسلامية عامة، وهذه البلاد الطاهرة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تلك الأحداث التي أججت الفتن من كل صوب وحدب حاقد لا يرى بالبصيرة، ولا يقيم الأمور على نحو منصف، فقد تكالبت أغلب الأقلام الغربية على النيل من قلب العالم الإسلامي «المملكة العربية السعودية» بدعوى أنها مأوى مرتكبي تلك الجرائم بحق الإنسانية، وهي براء من كل ذلك بنهجها القويم لإفشاء السلام بين كل أقطار العالم.
وهذه البلاد، شعباً وحكومة، لم تقف مكتوفة اليدين ولا مكمومة الأفواه أمام الرحى الإعلامية الهوجاء التي مارست كل أنواع الظلم بحق هذه البلاد وسمعتها وبحق خاتم الأديان الدين الإسلامي، فالغيورون على هذه البلاد وعلى دستورها الرباني من مثقفين ومفكرين أبوا أن تتفشى تلك التهم الباطلة، فجندوا قواهم الفكرية ليردوا الحجة بالحجة وليبينوا للعالم حقيقة الإسلام الذي هو نبراس بلادهم في الهدى والمعاملة تيمناً بقوله صلى الله عليه وسلم: «الدِّين النصيحة»، وليوضحوا للآخرين الصورة الحقيقية للوطن الإسلامي الذي لم يكن يوماً ما محل ظلم أو انتهاك حرمات أو ضياع حقوق أو إزهاق أرواح.
ومن أولئك الذين آثروا الدفاع عن هذا الوطن بكل قواهم دون الركون للصمت سعادة الأستاذ حمد القاضي الذي آل على نفسه أن ينافح بملكة فكرة وفيض قلمه وقناعة روحه عن الإسلام وبلاده، بحكم مكانته الثقافية وبحكم وطنيته الغيورة اللتين أملتا عليه توضيح الصورة الحقيقية لبلادنا وإسلامنا، فقد سعدت بقراءة مؤلفه «رؤية حول تصحيح صورة بلادنا وإسلامنا» والذي سعى فيه كمثقف سعودي إلى ردع الشبهات والمقولات المغرضة المتداولة بعد تلك الأحداث عن بلادنا وإسلامنا في الغرب.
ويضيء أول هذا الكتاب بقوله تعالى:{لا يّنًهّاكٍمٍ اللَّهٍ عّنٌ الّذٌينّ لّمً يٍقّاتٌلٍوكٍمً فٌي الدٌٌَينٌ وّلّمً يٍخًرٌجٍوكٍم مٌَن دٌيّارٌكٍمً أّن تّبّرٍَوهٍمً وتٍقًسٌطٍوا إلّيًهٌمً إنَّ اللَّهّ يٍحٌبٍَ المٍقًسٌطٌينّ}، فبهذه الآية يجمل الأستاذ القاضي فائدة مؤلفه ويوضح مقصده ويعطي للقارئ نور البداية بأسمى التعاليم التي تخدم الإنسانية وتنفعها.
ثم يفتتح صاحب الرسالة المسؤولة والواعي صاحب السمو الملكي وزير الداخلية هذا الكتاب بمقدمة عن فضيلة الحوار المجدي مع البعيدين والأقربين، وعن أهمية مثل هذه الكتب التي غايتها كشف الحقيقة الناصعة عن الإسلام بوعي وعلم.
ويطالعنا المؤلف بنماذج من تلك التهم التي ألصقت بهتاناً وزوراً في ديننا وهويتنا ومنها أن الإسلام يبرر كل وسيلة للوصول إلى هدفه وغايته وهذا مناف على الإطلاق لقوله تعالى: {ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ والًمّوًعٌظّةٌ الحّسّنّةٌ}، فالإسلام أمر المسلم بأن يتعامل بالحسنى مع الناس لقوله تعالى: {وقٍولٍوا لٌلنَّاسٌ حٍسًنْا}، كما أن الإسلام لا يحكم عليه من خلال تصرفات منحرفة وأعمال إجرامية لفئة محدودة «فالتعميم لغة الحمقى»، وذكر المؤلف أن منابع الأعمال الخيرية الإسلامية معروفة وذات رسالة إنسانية واضحة ومصابها لا تخفى على أحد وليست محل شبهة أو توجه خاطئ.
وسعى المؤلف إلى بيان التدين كفطرة يفطر الناس عليها، وبيان التطرف أو الغلو كشذوذ من المنهج الديني السليم، وأشار إلى أنه يجب على وسائل الإعلام الغربية إدراك البون الشاسع بين مفهومي التدين والتطرف، وأناط بهذه المهمة إلى مفكري وإعلاميي الأمة الإسلامية والعربية لتوضيحها للجانب الغربي، وحض الكتاب على التكاتف لنشر الوئام وقابلية التعايش مع الغير امتثالاً لقوله تعالى: {وجّعّلًنّاكٍمً شٍعٍوبْا وقّبّائٌلّ لٌتّعّارّفٍوا}، ثم استعرض المؤلف مواقف الإسلام من العدوان الذي يمارس بغياً على الإنسان، وكذلك مواقفه من تكريم الإنسان والحفاظ على الحقوق والعهد وتحريمه لقتل النفس، وتبني الإسلام للحوار والتعددية وحرية الأديان، وقد ذكر المؤلف بعضاً من آراء العلماء المستنيرة وخطابهم الإسلامي المواكب للمستجدات ومتغيرات العصر، وكذلك التيار الإسلامي المعتدل ذي المنهج الوسطي.
كما عرج المؤلف على قضية المناهج التربوية الدراسية والشبهة التي طالتها ووصفها بالحملة الظالمة وأورد في هذا أن نتاج مناهجنا هم من يتعايشون ويتعاملون ويتحاورون مع الغرب، فضلاً عن أن مناهجنا تتخذ من التعاليم الإسلامية أسساً وقيماً خالدة، أما عن الفئات المنحرفة فهي بعيدة عن هذه الأسس والقيم.
وعن الآليات الكفيلة بعلاج الانحراف الفكري فقد حث المؤلف الأقطار العربية والإسلامية على توجيه الإعلام توجيهاً صحيحاً وأن يتم توظيفه التوظيف القوي والسليم لكون الإعلام لغة العصر، لذا وجب إنشاء قنوات إعلامية فاعلة بلغات الإنسان الغربي، وشراء الصفحات في الصحف الأجنبية الشهيرة المتصلة بالرأي العام، وكذلك عقد اللقاءات والمؤتمرات في الدول الغربية بحضور المفكرين والدعاة لتوضيح صورة الإسلام في الخارج، والعمل على بلورة تعاليم الإسلام في العالم الإسلامي والعمل على اتحاد لحمة الأمة ووحدة الصف في الداخل.
حقاً كان هذا الكتاب صادقاً في طرحه وأميناً في رسالته، وإني إذ أشكر سعادة أخي الأستاذ حمد القاضي على هذا المؤلف لأدعو جميع المثقفين السعوديين ليكونوا صفا واحدا بكلمة واحدة للحق وأهله.
 
27/12/2003م         عدد 11412
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق