ترجمة

الأزمة المالية ومواصلة هدر أموال الدولة


 

د. محمد بن عبد العزيز الصالح

 ما من شك أن الأزمة المالية العالمية قد ألقت بظلالها السلبية على معظم القطاعات الاقتصادية ليس في المملكة فحسب وإنما في جميع دول العالم بدرجات متفاوتة، وما من شك أن القطاع العقاري قد تضرر سلباً جراء تلك الأزمة المالية وبنسبٍ تتجاوز الـ50% في الكثير من دول العالم، وما من شك أيضاً بأن أسعار السلع والمواد الأولية للبناء قد تأثرت سلباً بسبب تلك الأزمة حيث انخفضت أسعار تلك السلع بنسب قد تصل إلى أكثر من 70% فمثلا نجد أن سعر طن الحديد قد انخفض من أكثر من 6000 ريال إلى أقل من 1900 ريال، وكذلك الحال بالنسبة للكثير من السلع الأولية للبناء.
أعزائي القراء لم أقصد بمقدمة مقالي اليوم أن أتحدث عن الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها السلبية، وإنما أوردت تلك الأسطر كمقدمة لرغبتي في مناقشة ذلك الاستنزاف والهدر غير المبرر لخزينة الدولة من جراء استمرار استئجار غالبية المرافق والمباني التابعة لأجهزة حكومية، سواء كان ذلك داخل أو خارج المملكة؛ مما يعني هدر الأموال الطائلة سنوياً كمبالغ استئجارية.
بالنسبة لداخل المملكة، فالجميع يعلم أن غالبية المراكز الصحية والمدارس (بنين وبنات) ومقار هيئات الأمر بالمعروف ومراكز الشرطة وكتابات العدل وإدارات المرور وفروع الإدارات البلدية ومراكز الهلال الأحمر ومعظم فروع الوزارات في المناطق، نعم الجميع يعلم أن غالبية مباني ومقار تلك الجهات الحكومية مستأجرة بأموال طائلة غير مبررة، علماء بأن غالبية تلك المباني والمقار لا تصلح أن تقدم فيها الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات الحكومية للمواطن. والسؤال المطروح هنا: أليس من المفترض على جميع الأجهزة الحكومية، وأخص بالذكر وكالة أملاك الدولة بوزارة المالية، أن تستفيد من الانخفاض الملحوظ في أسعار مواد البناء وتعمل على إنشاء وبناء جميع ما تحتاج إليه الأجهزة الحكومية من مبان ومقار بدلا من الاستمرار في هدر الأموال الحكومية من خلال دفعها كمبالغ إيجارية ضائعة؟
أما بالنسبة لخارج المملكة، فالملاحظ أيضاً أن غالبية السفارات والقنصليات والمكاتب والممثليات في الخارج هي مبان مستأجرة؛ مما يمثل هدراً غير مبرر لأموال الدولة، وبالتالي فإذا كانت أسعار العقارات في الكثير من دول العالم قد انخفضت كثيراً من جراء الأزمة المالية العالمية وذلك بنسب تتجاوز الـ50% في بعض الدول، أليس من المفترض إذاً أن تعمل كافة أجهزة الدولة، وأخص بالذكر وزارة المالية، على تملك تلك المباني، سواء من خلال شرائها أو من خلال أسلوب الاستئجار المنتهي بالتمليك أو من خلال آلية البناء والتشغيل من قبل مؤسسات القطاع الخاص لفترة زمنية معينة ومن ثم انتقال ملكية تلك المباني إلى الدولة؟
ختاماً ، إن مواصلة الاستنزاف لخزينة الدولة والهدر المالي غير المبرر من خلال استمرار استئجار غالبية مباني مقار الأجهزة الحكومية داخل وخارج المملكة، إنما يدعونا ذلك إلى مطالبة المجالس العليا بالدولة كمجلس الوزراء والمجلس الاقتصادي ومجلس الشورى بإعطاء هذا الموضوع الاهتمام الذي يستحقه بدلاً من تركه للمجاملات والمصالح الشخصية لبعض الناقدين من ضعاف النفوس في بعض الأجهزة الحكومية.

 

12/1/2009م           عدد 13255

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق