ترجمة

خوش نتيجة

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
 لا اعتقد أنّ موضوعاً أُتخم كتابه في مختلف الصحف والمطبوعات مثل موضوع الغش التجاري وانتشار السلع الفاسدة غير الصالحة للاستخدام الآدمي في مختلف أسواقنا.
ولا اعتقد أن موضوعاً أُشبع نقاشاً من قبل أعضاء مجلس الشورى مثل هذا الموضوع. ولا اعتقد أن موضوعاً شهد نقداً وتذمراً من قبل مختلف شرائح المجتمع أكثر من هذا الموضوع.
وإزاء ذلك السخط والانتقادات الحادة والحملات الإعلامية المكثفة والتي شهدناها طوال السنوات الماضية تجاه انتشار السلع المغشوشة في مختلف أسواقنا التجارية، فقد كنا نعتقد بأن تلك الجهود ستؤول إلى تنظيف أسواقنا من انتشار تلك السلع الفاسدة، إلا أن الطامة تمثلت في زيادة وتضاعف حجم تلك السلع غير الصالحة للاستخدام الآدمي، مما يعني زيادة الأنفس البريئة التي تقتل سنوياً من جراء ذلك وبالتالي لا نملك سوى أن نقول (خوش نتيجة).
في يوم الخميس 18-2-1428هـ نشرت صحيفتا الجزيرة والاقتصادية خبرين يؤكدان تلك النتيجة القاسية والمتمثلة في تضخم كميات اللحوم الفاسدة والأدوية غير الصالحة للاستخدام الآدمي في أسواقنا. فبعد أن كانت أسواقنا تشهد انتشار اللحوم والسلع والأدوية الفاسدة بكميات صغيرة لا تتجاوز العشرات من الكيلو غرامات، أصبحنا اليوم نشهد انتشار تلك السلع المسمومة بالأطنان وبآلاف الكيلو غرامات.
فقد نشرت صحيفة الجزيرة خبر يتضمن (ضبط 21 طناً لحوم منتهية الصلاحية وفاسدة في حي السلي بالرياض). كما نشرت صحيفة الاقتصادية الصادرة في نفس اليوم خبراً يتضمن ضبط 17 طناً من المستحضرات الجنسية الفاسدة، حيث تم الترويج لها على أنها تغير أحجام الأعضاء التناسلية وتعالج الأمراض الجنسية المستعصية، وقد تضمن الخبر خطورة تلك المستحضرات وما تؤدي إليه من مضاعفات صحية خطيرة.
لقد كتبت وكتب الكثير غيري من الكتاب مراراً عن موضوع استفحال الغش التجاري وأكدنا على خطورة ما تعج به أسواقنا التجارية من بضائع فاسدة لا تصلح للاستخدام الآدمي، وطالبنا مراراً بتكثيف الحملات الرقابية وأن يتم الضرب بيد من حديد، وأن تتم مضاعفة العقوبات الكفيلة بالقضاء على تلك البضائع المغشوشة. فهل يعقل أن تكون النتيجة مضاعفة كميات تلك السلع الفاسدة إلى الآلاف من الكيلو غرامات بدلاً من القضاء عليها.
في ظني أن تزايد كميات الأغذية والأدوية الفاسدة بشكل لافت في أسواقنا التجارية لهو دلالة واضحة على عجز الأجهزة التنفيذية ذات العلاقة والمتمثلة في وزارة التجارة والأمانات البلدية عن القضاء على تلك الجرائم الإنسانية من خلال انتشار تلك السلع غير الصالحة للاستخدام الآدمي، وإلا ماذا يعني أن يتضاعف كميات تلك الأغذية الفاسدة والسموم القاتلة بدلاً من القضاء عليها.
واعتقد بأن هذا الموضوع يجب إلا يترك لتلك الأجهزة، بل اقترح تدخل الجهات العليا والتوجيه بوضع الأساليب والعقوبات الرادعة والكفيل بالقضاء على تلك الجرائم الإنسانية.
وأشير في هذا الخصوص إلى أنه في الوقت الذي نجد فيه بعض الدول كالصين تقر عقوبة الإعدام بحق من يقوم بالمتاجرة بأرواح الناس من خلال نشر تلك السموم القاتلة والأغذية الفاسدة، نجد أن أنظمتنا (حتى بعد تعديلها) لا تزال عاجزة عن فرض عقوبات رادعة لمواجهة تلك الجرائم. وفي ظني أن العقوبات الضئيلة غير المبررة والتي تضمنتها تلك الأنظمة إنما أسهمت وشجعت الكثير من أصحاب الضمائر الفاسدة إلى التوسع في تسويق تلك السموم والقضاء على الكثير من الأنفس البريئة المستخدمة لها. وأنني أتساءل هنا: إلا يمكن تصنيف من يرتكب مثل تلك الجرائم على أنه من المفسدين في الأرض وبالتالي تطبيق العقوبة الشرعية المناسبة بحقه.
أعزائي القراء، عندما يقوم شخص بتسويق (21000) واحد وعشرين ألف كيلوغرام من اللحوم الفاسدة، ويقوم شخص آخر على تسويق (17000) سبعة عشر ألف كيلو غرام من الأدوية والمستحضرات العلاجية الفاسدة في أسواقنا التجارية، إلا يمكن اعتبارهما مرتكبي لجريمة قتل جماعي مع سبق الإصرار على فعل ذلك، وأنني والله لاعجب من ضعفنا وضعف كافة الأجهزة الرسمية ذات العلاقة في مواجهة أمثال هؤلاء المجرمين والقضاء عليهم.
17 / 3 / 2007م                عدد 12588

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق