ترجمة

قطار الخصخصة وسير السلحفاة


                    د. محمد بن عبدالعزيز الصالح                                                                    


لا يمكن لمنصف أن ينكر ما قامت به الحكومة السعودية من إنفاق لمليارات الريالات من أجل إنشاء وإدارة كافة مشاريع البنية التحتية للاقتصاد السعودي، خاصة في ظل محدودية الإمكانات المالية والفنية التي كان يملكها القطاع الخاص السعودي قبل ثلاثة عقود من الزمن، ومع بداية عقد الثمانينات الميلادية، ونتيجة لنضج القطاع الخاص في المملكة وبدء توافر الإمكانات المالية والفنية لديه، أعلنت الدولة توجهها في تحويل ملكية وإدارة مشاريع البنية التحتية للقطاع الخاص، وأن يتولى هذا القطاع إدارة دفة الاقتصاد الوطني، ويتضح هذا التوجه الجاد للدولة من خلال الخطتين الخامسة والسادسة (1990م ـ 2000 م)، وكذلك من خلال قرار مجلس الوزراء عام 1998م، وكذلك إستراتيجية التخصيص التي وافق عليها المجلس الاقتصادي الأعلى عام 2002م التي أكّدت على التوسع في خصخصة المشاريع الحكومية، هذا بالإضافة لقرار مجلس الوزراء الموقر في شهر نوفمبر 2002م، والمتضمن لقائمة بعشرين مرفقًا وخدمة حكومية جرى استهدافها لتطبيق الخصخصة عليها.
وبعد مرور تلك السنوات الطويلة على التوجه المعلن للدولة في خصخصة الخدمات والمشاريع الحكومية وتحويلها للقطاع الخاص، فهل تم تحقيق المستوى المتأمل من النجاح في تنفيذ سياسة التخصيص؟.     
لا اعتقد ذلك، بل إن هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن سياسة التخصيص تسير ببطء وبشكل لا يتناسب مع التنمية التي تشهدها المملكة.  
- فهل تم وضح سياسة قانونية شفافة واضحة المعالم من خلال تحديث وإعادة صياغة كافة الأنظمة واللوائح المتعلقة بالمشاريع التي سيتم تخصيصها بشكل يكفل احترام حقوق كافة الأطراف؟    
وخصوصًا أن التجارب قد أثبتت أن الأنماط الاقتصادية التي تقع خارج إطار المؤسسة التنظيمية تُعدُّ أمورًا غير مجدية وليس مرغوبًا فيها من وجهة النظر الاقتصادية.        
- وهل تم تقديم الدعم اللازم للقطاعات التي تم الشروع في خصخصتها لتتخلص من كافة القيود والروتين التي كانت تعاني منه تلك القطاعات قبل البدء بخصخصتها؟.
وهل نتفق بأن عددًا من الأجهزة الحكومية التي تشرف على قطاعات مؤهلة للخصخصة، لا زالت تدار من قبل مسؤولين وموظفين من ذوي الممارسات والأنماط البيروقراطية التي أكل عليها الدهر وشرب، والذين يسيطر عليهم الشعور باحتكار الخدمة ولا يتمتعون بروح المنافسة، وبدلاً من خدمة الجمهور، نجدهم يعملون لخدمة اللوائح والتنظيمات العقيمة التي عفى عليها الزمن وما من شك الخصخصة تمثل بعبعًا مخيفًا لهؤلاء المسؤولين لأنها ستعني زوالهم.
- وهل تم وضع كافة القواعد المنظمة لعملية تخصيص الخدمات العامة في إطار دولي وواضح أمام الشركات الأجنبية، خاصة بعد انضمام المملكة مؤخرًا لمنظمة التجارية العالمية (
WTO).        
- وهل تم إنشاء هيئة عليا تقوم بتحديد المشاريع الملائمة والبدء في تخصيصها وكذلك بوضع الأسس والمعايير التي يجب إتباعها قبل الشروع في تحويل أي من المؤسسات العامة إلى ملكية القطاع الخاص، وإذا كنّا قد أنشأنا لجنة للتخصيص في المجلس الاقتصادي بدلاً من الهيئة العليا، فهل قامت اللجنة بكل ما يتوجب عليها القيام به لدعم عملية التخصيص.
ختامًا، لقد أكَّد الكاتب الاقتصادي الدكتور حمد آل الشيخ أن تعطل عملية التخصيص سيؤدي إلى عدم الكفاءة وانخفاض التنافسية وارتفاع التكاليف على الاقتصاد الوطني، وكذلك ضياع وإهدار موارد اقتصادية ثمينة، مما يحمل ميزانية الدولة أعباء إضافية، وفي نفس الوقت تدني مستوى الخدمة المقدمة للمواطن هذا بالإضافة لاستمرار التوزيع غير الكفء للموارد داخل الاقتصاد الوطني.

27/9/2010م            عدد 13878

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق