ترجمة

من نلوم في أزمة الحديد؟

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
مرة أخرى تحدث وتتكرر جرائم احتكار الحديد، ومرة أخرى تتضرر المشروعات التنموية بالمملكة بسبب ذلك، ومرة أخرى يعاني المواطنون من خلال إلزامهم بدفع مزيد من الأموال لصالح حفنة من تجار الحديد عديمي الذمم، ومرة أخرى تفشل العقوبات غير الرادعة التي اقترحتها وزارة التجارة وتضمنها نظام المنافسة المشروعة في التصدي لجرائم احتكار الحديد.
كل ذلك يحدث في ظل القصور في التصدي لهؤلاء المجرمين من تجار الحديد، وكذلك يحدث في ظل عدم قدرة الوزارة على تبني حلول جذرية رادعة تقضي على أي محاولة لتكرار جريمة احتكار الحديد ورفع سعره.
قبل عامين انتشرت الممارسات الاحتكارية لدى شريحة من كبار تجار الحديد، من خلال قيامهم بتخزين كميات ضخمة من الحديد بهدف تعطيش السوق والتحكم في سعره على حساب المستهلك. وقد كشفت الصحف بأن كميات الحديد المخزنة والمخبأة من قبل أحد تجار الحديد قد تجاوزت المائة ألف طن من الحديد. وقد نتج عن تلك الجرائم الاحتكارية غير الأخلاقية ارتفاع سعر طن الحديد من ألفين (2000) ريال إلى ستة آلاف (6000) ريال.
وقد ترتب على تلك الجرائم الاحتكارية الكثير من الأضرار التي لحقت بالمواطنين، كما تضررت المشروعات التنموية، حيث توقفت الكثير من المقاولات بسبب تلك الزيادة السعرية المبالغ فيها من قبل تجار الحديد. عندها كتبت مقالاً بعنوان (لنضرب بيد من حديد كل من قام بتخزين الحديد)، وطالبت -كما فعل الكثير غيري من الكتاب- وزارة التجارة باتخاذ أقصى العقوبات الرادعة والكفيلة بعدم قيام تجار الحديد بتكرار ممارساتهم الاحتكارية مرة أخرى. نعم طالبنا وزارة التجارة بأن تتعامل مع تلك الجرائم على أنها جرائم موجهة ضد المجتمع بأكمله، وأنها جرائم تمثل تمرداً على هيبة الدولة خاصة بعدما صدرت قرارات لمجلس الوزراء محذرة تجار الحديد من القيام بأي ممارسات احتكارية. وأنها جرائم موجهة للنهش في جسد اقتصادنا الوطني، وذلك في أعقاب توقف المئات من المشروعات التنموية بسبب إخفاء الحديد من قبل تجار الحديد أنفسهم. لقد طالبنا وزارة التجارة بأن لا تكتفي بتطبيق تلك العقوبات التي تضمنها نظام المنافسة، لأنها كغيرها من العقوبات غير الرادعة التي تعج بها أنظمتنا التجارية، والتي تعتبر مشجعة لضعاف النفوس والضمائر من التجار بالتمرد على المجتمع من خلال الاستمرار في ارتكاب المخالفات والجرائم التجارية التي نهشت وما زالت تنهش في جسد مجتمعنا واقتصادنا السعودي.
إن تلك السلبية غير المبررة من قبل وزارة التجارة، وعدم قدرتها على ردع تجار الحديد قبل عامين عندما تمادوا واحتكروا وخزنوا الحديد، هو ما جعل تجار الحديد يعودون مرة أخرى ويرتكبون نفس جرائمهم الاحتكارية، غير مبالين بما يلحق بالمجتمع والدولة من أضرار، وغير مبالين بما ستفرضه وزارة التجارة عليهم من عقوبات.
وبالتالي فإن السؤال المطروح هنا، هل ستستمر وزارة التجارة اليوم في التراخي في تصديقها للمتجاوز من تجار الحديد؟
وللإجابة على ذلك أقول، نعم ستستمر وزارة التجارة في هذا الموقف والذي استمر لسنوات طويلة في التصدي لمختلف المخالفات والجرائم التجارية، كالاحتكار والغش التجاري وكتابة الشيكات بدون رصيد وغيرها من الجرائم التجارية الأخرى والمتفشية بشكل لا يتوافق مع تلك الطفرة التنموية التي تعيشها مملكتنا الغالية في كثير من الجوانب.
نعم سيستمر قصورها لطالما أن المسؤولين فيها غير مستوعبين أن الأنظمة واللوائح والقرارات لا تُحترم من قبل التجار طالما أن تلك الأنظمة لا تتضمن عقوبات رادعة وكفيلة بجعل التجار يحترمون تلك الأنظمة.
 
    19/4/2010م      العدد 13717

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق