ترجمة

وماذا عن الراشي...!!

د محمد بن عبد العزيز الصالح
 نشرت الصحف خلال الأيام الماضية خبراً مفاده أن مواطناً ومقيماً سودانياً قد اقتحما مكتب وزير الصحة وقدما رشوة لأحد موظفي مكتب الوزير مقابل إسقاط شرط جزائي عن إحدى الشركات الطبية الوطنية، وقد صرح معالي وزير الصحة بأن هذه الجريمة هي الجريمة العاشرة من جرائم الرشوة التي يتم كشفها في وزارة الصحة خلال السنوات القليلة الماضية، موضحاً معاليه بأن هذه الجرائم لم تصل لحد الظاهرة، وأن الوزارة سوف تضع الشركة الراشية ضمن القائمة السوداء ولن تتعامل معها الوزارة مستقبلاً.
أعزائي القراء، لعلكم تشاركونني الرأي في أنه على قدر ما تسببه جريمة الرشوة من إزعاج لنا جميعاً، إلا أنني أعتقد بأن تعامل أجهزتنا الحكومية (وليس فقط وزارة الصحة) مع مثل تلك الجريمة النكراء إنما يمثل قمة الإزعاج، فالخبر المنشور بأكمله يركز على مكافأة الموظف والإشادة به دون تضمين الخبر لما يفترض أن يطبق بحق الشركة الراشية ومالكها ومندوبها من عقوبات رادعة، وإذا كان الرد على ذلك أن الوقت سابق لأوانه حيث ستتعرض الشركة للتحقيق والعقوبة فيما بعد، فقد كان من المفترض ألا ينشر شيء مطلقاً عن تلك الجريمة حتى تنتهي التحقيقات وتعلن العقوبات.
أليس من المفترض أن يُشهّر باسم الشركة الراشية بدلاً من قصر التركيز على إشهار اسم الموظف الذي كان يقوم بواجبه الوظيفي، أليس من المفترض أن تتعرض الشركة لأقصى العقوبات بدلاً من أن نترك جريمة الرشوة تنهش في مجتمعنا، أليس من المفترض أن يتم السجن والتشهير بمالك الشركة بدلاً من الاكتفاء بالحدود الدنيا من العقوبات المالية وبالتالي نسهم في نشر جرائم الرشوة بدلاً من القضاء عليها، أليس بعض ملاك الشركات (عديمي الذمم) لا يمكن أن يرتدعوا ما لم تطبق العقوبات القاسية بحقهم شخصياً دون الاكتفاء بمعاقبة مندوب الشركة (غير السعودي).
معالي وزير الصحة ذكر في تصريحه بأن جرائم الرشوة في وزارة الصحة لا تصل لحد الظاهرة موضحاً بأن هذه الجريمة تعد الجريمة العاشرة التي تحدث خلال السنوات القليلة الماضية، والسؤال المطروح هنا إذا كانت جرائم الرشوة التي تم اكتشافها في جهاز حكومي واحد عشر جرائم، فكم ستكون الجرائم التي لم يتم اكتشافها في وزارة الصحة، وكم سيكون عدد جرائم الرشوة التي سيتم اكتشافها في جميع أجهزة الدولة، ثم هل يفترض أن تسيطر جريمة الرشوة على أغلبية التعاملات في أجهزة الدولة حتى تصل جريمة الرشوة لحد الظاهرة.
مرة أخرى أؤكد بأن جريمة الرشوة قد فتكت بالعديد من المجتمعات وما لم يتم العمل على تطبيق العقوبات الرادعة من سجن وجلد وتشهير بملاك الشركات أنفسهم وبالمديرين التنفيذيين فيها وكذلك الموظفين المرتشين، فإننا لن نتمكن من السيطرة على تلك الجريمة، بل سيأتي اليوم الذي يتفاقم فيه الوضع ويخرج عن السيطرة، وأصادقكم القول بأنني أتمنى لو أن معالي وزير الصحة قد أفصح لنا بالعقوبات التي تم تطبيقها بحق الشركات الراشية في جرائم الرشوة التسع السابقة، والتي تم اكتشافها في وزارته، وكذلك بالعقوبات القاسية التي طبقت بحق ملاكها وبمديريها التنفيذيين (إن كان قد طبق شيء من ذلك) بدلاً من تركيز الإعلام على مكافأة الموظف الذي قام بواجبه الوظيفي.وأخيراً أود أن أؤكد بأن وزارة الصحة ليست هي المقصودة في هذا المقال وإنما الرسالة موجهة لكافة الأجهزة الحكومية. وجميع المسؤولين ذات العلاقة في تلك الأجهزة.                     
1 / 9 / 2008م       عدد 13122
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق