ترجمة

من هو الراشي؟

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
سؤال يتردد كثيراً بعد أن نشرت الصحف تفاصيل جريمة الرشوة المخزية التي تمَّت بعد قيام صاحب أكبر مجموعة صيدليات في المملكة بتقديم عشرة ملايين رشوة لمسؤول في وزارة الصحة من أجل مساعدته في نقل ملكية (200) صيدلية لصالح ذلك التاجر الراشي؛ لكي يحتكر السوق، إضافة إلى غض النظر وإعفائه من شرط تعيين أي صيدلي سعودي في الصيدليات التي يملكها ذلك التاجر. وعلى الرغم من جسامة الجرم الذي ارتكبه التاجر ووقوعه في قبضة العدالة، إلا أنه لم يُفصح عمَّن يكون ذلك الراشي، فلماذا؟!
نعم، لماذا لم يتم نشر اسم ذلك التاجر الراشي؟! وإلى متى سنظل نراعي مشاعر مَن هم على شاكلته من مرتكبي جرائم الرشوة؟!
في الكثير من الدول، ومنها كوريا الجنوبية مثلاً، مَن يرتكب جريمة الرشوة يتم نشر اسمه والتشهير به على موقع حكومي شهير على شبكة الإنترنت، كما يصدر بيان عن مكتب رئيس الوزراء الكوري يكشف أسماء مرتكبي جرائم الرشوة، ويتم توزيعه على كافة الأجهزة الحكومية والخاصة.أما عندنا فإننا نتساهل كثيراً مع أمثال هذا التاجر الذي لم يتردد في المتاجرة بمصلحة الوطن ولقمة عيش أبنائه لمجرد أنانيته التي أَمْلَتْ عليه أن يدفع الرشوة لكي يحتكر قطاع الصيدليات في المملكة دون وجه حق؛ حيث سيحرم ذلك صغار التجار من كسب الرزق في هذا المجال. وكيف نتكتَّم على اسم ذلك الراشي الذي أملى عليه جشعه أن يدفع الرشوة من أجل أن يطرد أبناء الوطن من الصيادلة السعوديين من فرص العمل بالصيدليات التابعة له؟! فإلى متى سنبقى متسامحين مع تلك الفئة الفاسدة داخل مجتمعنا على حساب مصلحتنا ومصلحة وطننا الغالي؟!
من الأهمية أن أُشير هنا إلى أن وزارة الداخلية سبق أن اتخذت مجموعة من الإجراءات العقابية بحق العديد من المواطنين لمخالفتهم نظام مكافحة الرشوة، وقد تم نشر تلك العقوبات في الصحف؛ حيث جاءت متضمنة لعقوبة السجن التي وصل البعض منها لخمس سنوات، وكذلك لعقوبة التشهير بالمخالفين؛ حيث تم نشر أسمائهم كاملة وصورهم الشخصية، بالإضافة للغرامات المالية الطائلة عليهم. ونحن هنا اليوم نطالب جميعاً بمعرفة مَن هو الراشي في هذه القضية الذي لم يُراعِ في جرمه الشنيع مخافة الله عز وجل، ولم يُبالِ بمصلحة وطنه، ولم يتردد في النيل من لقمة عيش أبناء هذا الوطن. فكيف نُراعي شعوره بالتكتم والمحافظة على اسمه؟! فلينشر اسمه، وليُشهَّر به، وليكن عبرةً لغيره.
أتذكر أنني من خلال هذه الزاوية كتبتُ مقالاً بعنوان (ليس للفساد من علاج سوى الساطور)، تحدثتُ فيه عن (الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والرشوة) التي أنهى مجلس الشورى دراستها مؤخراً. وقد أكدت في ذلك المقال أن نجاحنا في تطبيق تلك الاستراتيجية سيكون مرهوناً بتحقيق عدة جوانب، ذكرتُ منها أهمية أن يتم تطبيق ما تتضمنه تلك الاستراتيجية من عقوبات على كل مَن تسوِّل له نفسه دفع الرشوة بغض النظر عن مدى مرجعه ونفوذه، وبغض النظر عما إذا كان ينتمي للقطاع الحكومي أو الأهلي. كما أكَّدتُ أيضاً على إقفال باب الشفاعات والوساطات تماماً لكل مَن تسوِّل له نفسه ارتكاب مثل هذا الجرم، وأن تُطبَّق عليه كامل العقوبة المحكوم عليه بها بغض النظر عن قساوتها. وأنا اليوم أكرِّر نفس ما طالبتُ به سابقاً، هذا إذا كنَّا بالفعل حريصين على القضاء على أمثال هؤلاء الراشين.
رسائل سريعة
* عبدالعزيز نيازي مدير إدارة الرخص الطبية بوزارة الصحة هو مَن رفض الرشوة وكشفها: أكثر الله من أمثالك، وجعل ذلك في موازين أعمالك، وإن كان لنا من رجاء فليتم مكافأتك بما نسبته 50% من قيمة مبلغ الرشوة، خاصة أن نظام مكافحة الرشوة قد أتاح لك هذا الحق، فوالله إنك لتستحق أكثر من ذلك.
* الدكتور حمد المانع: إنجازات وزارة الصحة تتوالى منذ توليكم حقيبة الوزارة، وما اكتشاف تلك الجريمة إلا امتداد لتلك الإنجازات.
* مُلاَّك الصيدليات المنافسة لصيدليات الرشوة: لو كنتُ مكانكم لما تردَّدت في الإعلان في كافة الصحف أنه لا علاقة لمجموعة صيدلياتكم بتلك الجريمة، عندها ستزول عنكم الشبهات، وسينكشف مَن هو الراشي.
* الجهات القضائية التي ستنظر في القضية: لقد سئمنا من تطبيق الحدود الدُّنيا من العقوبات، فالعقوبة لا يمكن أن تؤدي الغرض من فرضها ما لم تكن رادعة، والقضية التي نحن بصددها تستحق أقصى العقوبات.
* أهل وطني: ما تم ارتكابه بحقكم من جراء إقدام ذلك التاجر ليس بالشيء القليل، والعقوبة الأقسى له ستكون بيدكم، وذلك من خلال تحاشي التعامل مع مجموعة الصيدليات التابعة لذلك الراشي.
4 / 9 / 2004م                  عدد 11664

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق