د. محمد بن عبد العزيز الصالح
بعد اثني عشر عاماً من الجولات الشاقة، وبعد زيارة تاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للولايات المتحدة تمخضت عن إعلان صريح للبيت الأبيض بدعم انضمام المملكة للمنظمة التجارية العالمية، وبعد سلسلة من المفاوضات الشاقة التي أبدع فيها رجال أكفاء يتقدمهم معالي وزير التجارة والصناعة الدكتور هاشم يماني وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان مساعد وزير البترول والمعادن وبقية الخبراء المفاوضين الذين أبدعوا في الدفاع عن حقوق المملكة من خلال عدم تقديم التنازلات إلا في أضيق الحدود، بعد تلك الجهود المضنية انضمت المملكة لمنظمة التجارة العالمية، ويأتي هذا الانضمام تأكيداً للمكانة الاقتصادية المرموقة التي تحتلها المملكة على خارطة الاقتصاد العالمي حيث لا يمكن أن نتصور وجود دولة بحجم المملكة خارج تلك المنظومة التجارية العالمية.
لقد جاء حرص القيادة السعودية على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية من أجل تحقيق العديد من المكتسبات الاقتصادية التي سيجنيها المواطن السعودي، حيث سيترتب على هذا الانضمام فتح أسواق المملكة للكثير من السلع والخدمات الأجنبية دون حواجز جمركية مما يعني زيادة معروض تلك السلع والخدمات في أسواق المملكة وبالتالي انخفاض تكلفة شرائها واقتنائها، وفي سبيل تحقيق ذلك الانضمام، ومن ثم تحقيق تلك المكتسبات الاقتصادية للمواطن السعودي، نجد أن الدولة قد عملت على تعديل الكثير من الأنظمة واللوائح إضافة إلى تحرير الكثير من السياسات الاقتصادية والتجارية، وبالتالي فإذا كانت الدولة قد قامت بالكثير من الجهود في سبيل إزاحة الكثير من العقبات السياسية والاقتصادية والتنظيمية التي كانت تعترض ملف انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، فإن التساؤل هنا يدور حول مدى جاهزية القطاع الخاص السعودي لخوض غمار التحدي والمنافسة الجديدة التي ستبدأ مع انضمام المملكة إلى تلك المنظمة العالمية. إنني أتساءل عما إذا كان المعنيون من رجال القطاع الخاص قد تدارسوا كل التحديات والآثار الإيجابية والسلبية على المنظور القريب والبعيد التي ستلحق بتجارتهم من جراء الانضمام إلى منظمة التجارة؟ وهل أعدوا العدة لمواجهة تلك التحديات؟ وهل تم نشر الوعي لدى كل منسوبي القطاع الخاص لذلك وهل أدرك رجال الصناعة أن المزيد من الاندماجات والتكتلات بين أصحاب الصناعات الوحدة سيكون هو الملاذ الوحيد لكسب المنافسة القادمة، خاصة إذا ما علمنا بأن أكثر من 75% من المؤسسات التجارية والصناعية لدينا هي مؤسسات صغيرة ومحدودة ويصعب عليها المنافسة؟ وهل أدرك المعنيون في القطاع الخاص أهمية البدء في تطبيق آلية التجارة الإلكترونية التي يمكن من خلالها تسويق البضائع وخدمة العملاء في منازلهم في مختلف دول العالم بأقل تكلفة؟
وهل أدرك أصحاب المؤسسات الزراعية أن انضمام المملكة سيترتب عليه خفض الدعم المحلي الذي تقدمه الدولة لهم بواقع 13.3% سنوياً، مما يعني توقف ذلك الدعم الحكومي المقدم لهم تماماً خلال فترة لا تزيد على عشرة أعوام؟ كما أن انضمام المملكة سيؤدي إلى زيادة الواردات الزراعية الأجنبية بواقع 14% سنوياً، فهل أعدت مؤسساتنا وشركاتنا الزراعية العدة لمواجهة تلك التحديات؟ وهل أدرك تجار الخدمات أن اتفاقية تجارة الخدمات سوف تسمح لموردي الخدمات الأجانب بدخول السوق المحلية ومنافستهم دون حواجز، وبالتالي لن يكون هناك مجال للتمييز بين تجار الخدمات السعوديين والأجانب؟
خلاصة القول، أن على رجال القطاع في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والزراعية والخدمية أن يدركوا أن المكاسب التي يمكن أن يحققوها من جراء هذا الانضمام هو أمر مرهون بما يقومون به من جهود لتحقيق ذلك، وما عدا ذلك فإن المستقبل قد لا يكون مطمئناً لهؤلاء التجار.
21 / 1 / 2006م عدد 12168
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق