ترجمة

الأسهم السعودية وفقاعة الناسداك

د. محمد بن عبد العزيز الصالح
مع نهاية حقبة التسعينات الميلادية، ومع ثورة التكنولوجيا، انطلق مؤشر الناسداك (هو أحد أهم مؤشرات الأسهم في السوق الأمريكي وتغلب عليه أسهم شركات التكنولوجيا)، انطلق هذا المؤشر لتتضاعف قيمته وحجمه عدة مرات خلال فترة زمنية قياسية، وأصبح الجميع يتهافت على شراء أسهم تلك الشركات لتصل أسعارها إلى أرقام خيالية ومبالغ فيها ولا تعكس مطلقاً المركز المالي الحقيقي لتلك الشركات، وعلى الرغم من تحذير المختصين في السوق الأمريكي وعلى رأسهم (قرين سبان) وهو محافظ البنك المركزي الأمريكي من المبالغة غير المبررة لارتفاع أسعار أسهم التكنولوجيا، مشبهاً السوق بالفقاعة التي لا بد أن تنفجر، ومؤكداً مراراً باستحالة استمرار أسعار تلك الشركات على هذه الأرقام القياسية، إلاّ أنّ الكثير من المتداولين في السوق لم يعيروا تلك التحذيرات الاهتمام اللازم إلى أن حصلت الطامة وجاءت (الفاس بالراس). فالفقاعة قد انفجرت بالفعل، ومؤشر النازداك قد هوى بحدة خلال فترة زمنية قصيرة، حيث انحدر المؤشر من حوالي ستة آلاف (6000) نقطة ليصل إلى حوالي ألف ومائة (1100) نقطة، أي أنّ السوق فقد أكثر من ثمانين (80%) من قيمته. وقد كانت شركات التكنولوجيا الأكثر انحداراً. فعلى سبيل المثال: (شركة ياهو Yahoo) انحدر سعرها من أكثر من خمسمائة وخمسين دولار ليصل إلى حوالي الخمسة عشر دولاراً فقط، وشركة (CMGI) انحدرت من حوالي ثلاثمائة وسبعين دولاراً ليصل قيمته إلى أقل من دولار واحد فقط، وشركة (CSCO) سيسكو انحدرت من أكثر من مائتي دولار لتصل إلى حوالي العشرة دولارات، وشركة انتل (INTC) انحدرت من حوالي المائتين وخمسين دولاراً إلى حوالي الخمسة عشر دولاراً فقط.
بعد أن استعرضت لكم انفجار تلك الفقاعة التي تعرّض لها مؤشر الناسداك الأمريكي، وما تعرّضت له شركات التكنولوجيا من انحدار مرعب، ألا يخطر ببال أحد منكم أيها السادة المضاربون في سوق الأسهم السعودية أن يتعرض السوق لفقاعة مماثلة. ألا تتفقون معي بأنّ أسعار غالبية إن لم يكن جميع أسهم السوق السعودي لا تعكس المركز المالي الصحيح لتلك الشركات. ألا تتفقون معي بأنّ هناك العديد من الشركات في السوق تغطيها الخسائر ومع ذلك نرى سعر سهمها قد تضاعف عشرة أضعاف خلال العامين الماضيين. ألا يفترض أن يستوقفنا ذلك الصعود المبالغ فيه لمؤشر السوق حيث ارتفع بما نسبته مائتين في المائة (200%) خلال عامين، فمن أقل من خمسة آلاف (5000) نقطة نجد المؤشر الآن على أعتاب الأربعة عشر ألفاً (14000) نقطة، ألا يخيفكم بأنّ جميع أسهم السوق قد أصبحت أسهم مضاربة وليست أسهم استثمار.
قد يقول قائل بأنّ الوضع في سوق الأسهم السعودي مختلف تماماً وأنّ هناك اعتبارات رافدة لهذا السوق سواء من خلال السيولة الهائلة التي تم ضخها في السوق في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أو من القطاعات الاقتصادية الأخرى داخل المملكة، أو من خلال الارتفاع الملحوظ لسعر برميل البترول.
ففيما يتعلق بضخ السيولة المالية الكبيرة في السوق، فإنّنا وإن اتفقنا بأنّ تلك السيولة قد أثرت إيجاباً على زيادة حجم الطلب على كافة أسهم السوق (صالحها وطالحها) مما انعكس إيجاباً على أسعار تلك الأسهم بالارتفاع، إلا أنّني أجزم بأنّ ذلك الارتفاع فيه الكثير من المبالغة. نعم أن ترتفع أسعار أسهم شركات بما نسبته ألف في المائة خلال فترة قصيرة وهي غارقة في الخسارة، فهذا في نظري أمر غير مقبول بكافة المعايير بغض النظر عن حجم السيولة العائدة التي تم ضخها في السوق.
أما فيما يتعلق بربط الارتفاع المبالغ فيه لكافة شركات السوق في مختلف القطاعات بارتفاع سعر برميل النفط، فهو أيضا أمر لا يخلو من المبالغة. بكل تأكيد برميل النفط يمثل مركز الثقل بالنسبة للخزانة العامة للدولة وارتفاع سعره يعكس ارتياحاً كبيراً بالنسبة لاقتصاد المملكة، كما أنّ لارتفاع سعر النفط تأثيره الإيجابي على بعض شركات القطاع الصناعي في السوق، ولكن بكل تأكيد فإنّ ارتفاع سعر هذا البرميل لا يعني أن يتضاعف سعر سهم شركة زراعية غارقة في الخسائر أو في مجال المواشي أو الخدمات عشرة أضعاف سعر السهم إن لم يكن أكثر.
ختاماً، فقد لا تروق كتابتي اليوم في هذه الزاوية للبعض من المضاربين في السوق، ولكنني أعتقد أنه في النهاية لن يصح إلاّ الصحيح، وبمعنى أكثر وضوحاً فإنّ سعر السهم الذي لا يعكس المركز المالي الحقيقي للشركة لا يعتبر سهماً استثمارياً، وإنما هو سهم مضاربة، وكما هو معلوم فإنّه يستحيل أن يستمر سهم المضاربة على وتيرة تصاعدية واحدة، ولا بد له من نزول بحجم صعوده، والطامة أنّ جميع أسهم الشركات في السوق السعودي قد أصبحت أسهم مضاربة، والذكي من يستوعب الدرس الآن ويخرج بالمقسوم من السوق قبل أن يطرده هذا السوق.
16 / 7 / 2005م          عدد 11979

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق